طلال سلمان

على الطريق نداء إلى نبيه بري ووليد جنبلاط لماذا لا تعودا لتعيشا معنا في بيروت؟

*سؤال بريء:
هل كانت مثل هذه الحرب المجنونة لتنشب وتمتد لثلاثة أيام متصلة لو كان ولدي جنبلاط ونبيه بري في بيروت، يعيشان فيها، يعانيان ما يعانيه الناس، خوفاً وجوعاً وقلقاً على المصير؟!
*وسؤال ساذج:
هل يعرف كل من وليد جنبلاط ونبيه بري من، بالضبط، يقاتل، تحت رايته، ويستخدم اسمه في تبرير ارتكاب الكبائر؟!
هل كل هؤلاء الذين استخدموا المدافع والصواريخ والراجمات والرشاشات الثقيلة (كالدوشكا والمضاد!) هم فعلاً أعضاء ملتزمون في حركة “أمل” أو ي الحزب التقدمي الاشتراكي أو حتى في الحزب الشيوعي؟! وهل تراهم كانوا يقاتلون من أجل الأهداف المعلنة لهذه التنظيمات المتحالفة”؟!
*وسؤال خبيث:
ماذا حققت هذه الحرب الضروس بعد ثلاثة أيام من دك الأحياء السكنية وإزهاق أرواح المواطنين، كل المواطنين، وهم بمجملهم جمهور القيادات الفذة إياها والأحزاب أو التنظيمات أو الحركات التي كانت تقول إنها متحالفة وتعلن إنها تناضل من أجل حق هؤلاء المواطنين في وطنهم؟!
*وسؤال بلا معنى:
من هو المعني أو المسؤول أو الذي يفترض أن يتوجه إليه الناس بالمساءلة أو المحاسبة أو المطالبة بالتعويض عما أصابهم من ضرر في أرواح ذويهم أو ي كراماتهم إضافة إلى أرزاقهم ومشاعرهم وعلاقتهم بالحياة؟!
*وسؤال بلا جواب:
لماذا كانت هذه الحرب، وما هي على وجه الدقة أهدافها الفعلية؟!
هل هي حكاية مكاتب؟!
هل هي اعتراض على التجاوزات؟!
هل هي موجهة ضد الهيمنة، ضد المذهبية، ضد محاصري المخيمات ومن أجل نصرة البندقية الوطنية الفلسطينية؟!
وهل تم عبر القتال الضاري الذي دفع ثمنه الناس، ضحايا احتلال العمارات والشقق وتحويلها إلى مكاتب للشبيحة وابطال الزواريب المحررة، إنهاء التجاوزات وتأديب المتجاوزين؟!
ثم أليس المهاجمون الأخ التوأم المسلحين في التجاوز والتعدي وفرض الخوة وامتهان كرامات الناس ومدينتهم؟!
أو ليس “الحكم” ثنائياً وبجناحين يتوزعان “حماية” بيروت بأحيائها وشوارعها وزواريبها؟!
ومن يستطيع ادعاء البراءة من المذهبية وشرورها وما تنفثه من رياح السموم؟!
وأخيراً ما معنى التذرع بحرب المخيمات! اليوم وهي مستعرة منذ شهور، وفي اللحظة التي كان نبيه بري يعلن فك الحصار عنها تمهيداً لفتح باب الحوار حول البندقية الوطنية الفلسطينية؟!
وحرب المخيمات، للمناسبة، حرب ظالمة بالتأكيد، والكل جناة فيها وضحايا لها في الوقت ذاته،
ومثل هذا الموقف المعلن اليوم ربما كان قد منعها أو حد من أضرارها ومن امتداداتها لو إنه اتخذ قبل سنتين، ولو إن جهداً حقيقياً قد بذل لفتح ذلك الحوار الذي تمنع عنه أو هرب منه أو أرجأه أو أهمله الجميع من قبل، ربما لأنه لم يكن ممكناً أو مفيداً استخدامه في صراعات أو حروب المواقع وتحسين شروط المفاوضات مع الخصم؟!
*وخارج دائرة الأسئلة:
ما قيمة الشعار بعد أن يفقد المواطن ثقته بالقيادة وبنهجها وببرنامجها السياسي كله… فكيف إذا لم يكن لهذه القيادات نهج أو قبرنامج أو مشروع واضح ومحدد ومعلن، بغض النظر عن نسبة الصح والغلط فيه؟!
وهل يمكن عبر حروب الطوائف والمذاهب الوصول إلى وفاق سياسي قوامه وأرضه مشروع الحل الوطني؟!
وهل ما تزال صحيحة تلك النظريات الهمايونية عن الطوائف الوطنية التي ثبت بالتجربة (المكلفة) إنها تلغي الوطنية وتمكن لكل ما هو طائفي، أي لكل ما هو معاد للوطن والوطنية والمواطنين؟!
وإلى متى تستمر هذه اللعبة السمجة: تستنفر الطوائف لتواجه الطوائف بافتراض إن مثل هذه المواجهة ستتجنب شيئاً آخر غير مسوخ الحلول الطائفية، وغير الأحقاد التي تكفي لتفجير الأمة برمتها وليس فقط شعب لبنان الصغير؟!
ثم: أين العروبة من هذه الحروب جميعاً ومن أبطالها الميامين؟
إن النقص في العروبة هو أبرز أسباب الاقتتال وأخطرها.
بل إن المقتتلين يتصرفون وكأن الهم الأول لكل منهم أن يثبت إنه الأقل عروبة والأقل استعداداً لتحمل مسؤوليات الانتماء القومي،
فثمة من يحاول الادعاء بأنه الأكثر لبنانية، وهو لا يفعل عملياً غير وضع لبنانيته في مواجهة بل كبديل عن عروبته وفي موقع النقيض لها.
وثمة من يحاول التوكيد إنه الأكثر فلسطينية ولكن بالمعنى السيء نفسه الذي عرفناه وعرفنا نتائجه المدمرة عبر انحراف العديد من القيادات الفلسطينية التي افترضت أن انتصارها لا يكون إلا على حساب العرب، وكنتيجة لتوريطهم في معارك محتومة الهزيمة فيها.
وثمة أيضاً من يحاول التوكيد إنه الأكثر سورية وبمعنى يسيء إلى سوريا وإلى دورها القومي الذي لا غنى عنه ولا بديل له في معركة المصير العربي الواحد، لاسيما مع استمرار غياب مصر عن دورها وموقعها القيادي ووزنها الحاسم.
فلبنان يكون قوياً ومعافى، ويكون فلسطينياً وسورياً ومصرياً الخ، بقوة العروبة فيه وبقوة العروبة في الفلسطيني والسوري والمصري والجزائري واليمني الخ،
والمشروع الوطني العتيد لا يمكن أن يكون وطنياً، وبالتالي من طبيعة قومية، إذا لم يستند إلى وحدة الأمة وإلى أصالة انتماء لبنان إليها،
ومثل هذا المشروع الوطني هو الذي يحل معضلة السلاح الفلسطيني ودوره في لبنان، ودوره عبر لبنان وفي اتجاه الأرض المحتلة.
وهو الذي يقدم التحديد للمقصود بتعبير “العلاقات المميزة” مع سوريا.
وهو الذي يوفر العلاج الشافي لمرض الطائفية الوبيل وما تفرع عنه واشتق منه من سموم المذهبية وكانتوناتها التافهة.
وهو بهذا يتوجه بالعلاج إلى “المسيحي” و”المسلم” على قدم المساواة على اختلاف الشيع والمذاهب والطرق المتبعة.
*وتعود إلى السؤال البريء الأول:
لماذا لا يجيء وليد جنبلاط ونبيه بري إلى بيروت فيقيمان فيها، شأنهما شأن بقية خلق الله من ضحايا الحروب المتكررة بين ميليشياتهما المتحالفة إلى حد الاقتتال؟!
لماذا يتركان جمهورهما الواحد، من حيث المبدأ، يلتهم لحمه وقضيته نتيجة الانحراف عن القصد أو عن الاتجاه السليم؟!
ولماذا يصران على تكرار التجربة التي فشلت مرات عدة حتى الآن، وكلفتنا أغلى ما كنا نملكه: قضية التحرير وقضية الاصلاح وقضية القضاء على الطائفية أو محاصرتها وتحجيم مخاطرها في الحاضر تمهيداً لاستئصالها في المستقبل؟!
لماذا يصران على أن يأخذا بيروت عنوة؟!
ثم لماذا يحاول كل منهما، بين حين وآخر، الاستفراد بها وطرد “شريكه” والتفرد “بحكمها”، وهما قد عجزا معاً عن حفظها وحمايتها قاعدة ومرتكزاً للمشروع الوطني العتيد، بحكم تاريخها المشرف ودورها المجيد في النضال القومي؟!
وهل يعرف كل منهما، وهل يعرفان معاً، الجو الحقيقي في بيروت، ومدى استعدادها بعد لقبول قيادة أي منهما منفرداً، أو حتى القبول قيادتهما متحالفين متكافلين متضامنين؟!
هل يعرفان، مجتمعين ومنفردين، إنهما خسرا الكثير الكثير من رصيدهما ومن وهجهما ومن مصداقيتهما،
وهل يعرفان إنهما بعد كل معركة، وبغض النظر عن شعاراتها وتبريراتها والذرائع، وبغض النظر أيضاً عن نتائج الاشتباك “على الأرض” وحجم “النصر”| الذي يحققه هذا التنظيم أو ذاك، إنما يفقدان الكثير من حقهما ليس في قيادة البلادن بل حتى في حجم مشاركتهما مستقبلاً في صياغة مستقبل البلاد؟!
فالتقدم متراً على الأرض يكلف كل منهما تراجعاً فادحاً عند الناس،
ونؤكد إن الناس تخافهما، وتخاف رجال ميليشياتهما، ولكن الخوف لا يصنع قادة ناهيك بأن يصلح أساساً لمشروع وطني، فكيف بأساس لحلم الوطن العربي الديمقراطي نفسه.
برغم كل شيء فإن عودة نبيه بري ووليد جنبلاط، ومعهما سائر “قيادات العمل الوطني”، إلى بيروت مطلوبة وضرورية ولا بديل عنها،
وهي مطلوبة ليس فقط من أجل الضحايا، أي من أجل الناس، بل من أجلهما أيضاًن
فعليهما – كشرط لإنقاذ ما تبقى من حقهما في القيادة – أن يعودا لتحمل مسؤوليتهما مباشرة، بلا وسطاء وبلا قناع..
وعليهما أن يعودا لوقف المذبحة، ولوقف التدهور الخطير الذي يولد نتائج تتجاوز كل ما يمكن أن يقدراه، وهي نتائج في طريقها لأن تصير أخطر واشد ضرراً وقدرة على التدمير من أسبابها.
وعليهما أن يعودا لكي يخرجا الميليشيات من بيروت، وليس لكي يقولا إنهما سيغلقان المكاتب!!
فأبسط ترضية يمكن أن تقدم للناس، اليوم، هي خروج بل إخراج المسلحين، كل المسلحين، ولأي تنظيم انتموا،
بل لا مساحة للقيادات والمسلحين معاً، فأما القادة بوصفهم مساهمين في صياغة مشروع حل سياسي وطني لأزمة البلاد، وأما الميليشيات بوصفها أداة تدمير وهدم لما تبقى منها ومنا.
*خاتمة:
تدوي القذائف المتساقطة من حواليك. تمرق واحدتها من أذنك اليمني إلى أذنك اليسرى مخترقة عقلك وأفكارك وتمنياتك وأحلامك الساذجة فترديها جميعأً صرعى الخوف مع جهل المصدر: فلا أنت تعرف أو تقدر أن تميز بين قذيفة “أمل” وبين قذيفة “الشيوعي” أو قذيفة “الاشتراكي” خصوصاً وإنها تحمل جميعها شهادة المنشأ ذاته، وتطلق باسم الشعارات ذاتها… ثم إنها كانت ، في الأصل، لتطلق مجتمعة في اتجاه عدو مشترك واحدا فإذا بها تتفرق وتنقسم على ذاتها فيوجه بعضها ضد البعض الآخر لتكتمل حلقة الحصار بالنار من حول الناس، كل الناس، في بيروت التي يجللها الآن ثوب الحداد.
وتدوي قذائف الاذاعات المتهاطلة عليك نشراتها و”فلاشاتها” وتعليقاتها وتصريحات أصحابها وأصحاب أصحابها، تمرق الكلمات من أذنك اليمنى إلى أذنك اليسرى مخترقة عقلكن ثم تمضي وقد خلفتك كالأبله، تمسك به “الصفنة” فتعطل ما تبقى من تفكيرك وقدرتك على الفهم: أهذه لغة تخاطب بين حلفاء؟! أهذه لغة شركاء مفترضين في مشروع حل وطني واحد للأزمة في لبنان؟ وماذا تبقى من “المشترك” بينهم جميعاً غير صناعة القتل، قتل ما تبقى من المدينة، من البلاد، من القضية، ومن أهل المدينة – البلاد – القضية؟!
إنهم جميعاً يوجهون مدافعهم إلى الجمهور ذاته، إلى القيم المشتركة، إلى الشعارات الموحدة، إلى الروابط المقدسة التي كان مقدراً لها أن تكتل الناس جميعاً داخل الإطار الوطني فإذا بها تنثرهم وأحلامهم مزقاً وأشلاء.
فباسم المحاصرين في دائرة مقفلة من الجوع والذعر والإحباط، على الدرج أو في الملاجئ أو في طرقات بيوتهم.
باسم الأطفال الذين ناموا ليلتهم الثانية بلا طعام، وباسم المرضى الذين لم يجدوا طبيباً أو صيدلية أو دواء،
باسم الضحايا جميعاً نتوجه بالنداء إلى وليد جنبلاط ونبيه بري أن “زورونا تجدوا ما يسركم”.
… ونرجو أن يكون النقاش في لقاء دمشق اليوم جدياً ومسؤولاً وصريحاً بما يمكن من فتح طريق بيروت أمام الرجلين، وأمام المشروع الذي نسمع عنه كثيراً ولا نراه: المشروع الوطني لبناء لبنان العربي والديمقراطي.
ونرجو أن يصلا قبل أن تنهي المدافع بيروت ومن فيها، وأن تنهي خاصة الجسم الضروري لحمل ذلك المشروع المرتجى والذي ما يزال في ضمير الغيب.

Exit mobile version