طلال سلمان

على الطريق نداء إلى المواطن العربي العادي: اضرب أميركا وإسرائيل والسادات حيث أنت!

ثم ماذا؟!
وحتام يدوم هذا العجز العربي المهين؟!
وحتام يمتد صبرنا على المتسببين في العجز، المنتفعين به والحاكمين بفضل سيادة مناخه في أربع رياح الأرض العربية؟!
هل نجلس الليلة (وغداً وبعد غد…) إلى أجهزة الراديو والتلفزيون نتابع – عبر الأقمار الصناعية، الأميركية أساساً – وقائع الخيانة الكاملة وتفاصيلها وجزئياتها المثيرة؟!
… وقد تأخذنا اللوعة والحسرة أو عقدة الذنب فننشج قليلاً، ثم يغشي الدمع على عيوننا للحظات، قبل أن نستأنف الاستمتاع بالمشهد المهول، وبعد انتهاء الشريط نتناقش ونحلل ونعقب على كل ما رأينا وسمعنا، وقد يصر أحدنا على ادعاء الفوز بالرهان لأنه كان “تنبأ” ومنذ اليوم الأول لحكم السادات، بأن الردة ستجتاح كل مقدس وحميم في دنيانا؟!
ثم ماذا؟!
نتابج “ردود الفعل الواسعة!!” والتعليقات والبيانات والتصريحات وخطب المهرجانات (المحدودة والمحكومة بقيود العجز النظامية ذاتها).
.. وتطاردنا الإذاعات بالصدى الأجوف لكلمات مستهلكة وممجوجة ووقعة في كذبها، وكل “مذيع نظام” يطالب “الآخرين” بأن يتحركوا وبأن يبادروا وبأن يكونوا “في مستوى الأحداث” فيصمدوا ويثبتوا في مواقعهم (!!) ويتصدوا لإحباط المؤامرة الجديدة (وهي على أي حال، لا تعدو أن تكون حلقة جديدة في مسلسل مؤامرات الإمبريالية والصهيونية علينا!).
وساعة بعد ساعة، يهدأ الضجيج ويستأنف الجميع حياتهم كالمعتاد، فلقد سجلوا – بحمد الله – موقفاً، وبرأوا أنفسهم من الجريمة والجاني والضحية.
ويبقى العيب والوزر في عنق الأمة: في عنقك أنت أيها المواطن العادي، البسيط والطيب “الماشي الحيط الحيط ويا ربين السترة” والمردد في سرك “اللهم نجنا من الحكومة والحكيم” باعتبارهما دليل المرض وانتهاء عصر السلامة!
فأنت وحدك من لا يملك إذاعة ولا صحفاً، ولا بالطبع شرطة وجيشاً وأجهزة قادرة على إيصال كما على “شرح” موقفك للناس، وبالأحرى للعالم بحيث يفهمه ويتفهمه “ويقدر” حرصك على السلام والاستقرار واستمرار إنتاج النفط وتصديره إلى أهل التقدم والتكنولوجيا من صناع الرقي الإنساني، بدلاً من هدره في سد حاجات المتخلفين من أمثالك… هذا مع الاستنكار الكلي للخيانة والخونة، والشجب القوي للتآمر والمتأمرين، و”الاستشفاف” الذكي لواقع أن “مثل هذه المعاهدات والاتفاقات المنفردة ليست هي الحل الدائم والشامل والعادل”!!
ثم ماذا؟!
قديمة هي الكلمات والأفكار والمعاني والمقاصد التي تفرضها المناسبة، ولكن لا بد من شيء منها، ولو من قبيل التذكير:
ما خان السادات إلا “بفضل” ما فعلته الأنظمة الأخرى في أقطارها، حتى بات العجز سمة قومية وشعاراً “لوحة” فريدة في بابها تنتظم الدول والدويلات والمشيخات والصحارى المتناثرة في ما بين المحيط والخليج.
… إلا إذا افترضنا أن السادات يحكمنا جميعاً من المغرب الأقصى وحتى الكويت،
والنتيجة في أي حال واحدة: فالصامت خائن، والجبان خائن، والخائف على كرسيه خائن، ومدعي العجز، أو المتسبب فيه لا يختلف – موضوعياً – عن السادات في شيء… ذلك إن التاريخ يتعامل مع الوقوعات بعقل بارد، وطالما إن رد الفعل ظل أوهى من أن يمنع الفعل – الجريمة فلا قيمة له إذن، ولا مجال حتى لإثباته.
بل علينا أن نشكر التاريخ على عدم إثباته، فهذا دليل رأفته بنا وإشفاقه علينا، وإفساح في المجال أمامنا لعل وعسى…
ألم تجد من يستوقفك أو يستجلسك ليسألك: وأين مصر؟! أين شعبها، وأين جيشها وأبطال العبور؟.. ثم لا يخطر بباله أو هو لا يجرؤ أن يِسألك أو يسأل نفسه عن سائر الأقطار والأمصار: عن شعبها وجيوشها وأبطالها الميامين في البر والجو والبحر وما بينها وفوقها جميعاً؟!
ألم تجد أيضاً من يسألك بلهفة “قومية” حراقة عن “نسب” المصريين وحسبهم لينتهي إلى تبرئة نفسه منهم جميعاً، فهو العربي القحطاني الصميم أما هم فليسوا إلا فراعنة وهكسوس، ولولا ذلك لانتفضوا وهبوا وثاروا فكسروا القيد وأطاحوا بالمرتد الذميم!
هذا في حين أن غير المصريين من العرب ليسوا أسعد حالاً، وليسوا أعظم قدرة على الحركة، فهم ممنوعون من التنفس فكيف بالكلام والتحرك والانتفاض وصولاً إلى الثورة؟!
أليس ملفتاً إلى حد الفزع ألا تخرج تظاهرة استنكار (مجرد تظاهرة!) إلا في بيروت الممزقة بفظائع الحرب الأهلية، والضفة الغربية المحكومة بحراب العدو الإسرائيلي، إضافة إلى طهران التي استفزها رضانا بالهوان فاستعربت وجاءت على طريق “ثورة المسجد” قاصدة تحرير “الأقصى” من محتليه كما من أهله القاعدين عن تحريره؟!
ولو سلمنا جدلاً بأن المصريين “ناقصو العروبة”، فماذا فعل أولئك الذين لا شك في انتمائهم العربي ولا من يشككون؟!
ولماذا لا يتصرف هؤلاء بحكم مسؤوليتهم القومية وواجبهم المقدس فيمنعون ولو بالقوة هذا الخطر المدمر الذي يهدد أمتهم في يومها وغدها ومصيرها بل وفي وجودها ذاته؟!
لماذا لم يمنعوا السادات، وبالقوة، من الوصول إلى القدس المحتلة، يوم قصدها، ولماذا لم يطاردوه بالعقاب الحق حيثما حل ليوقعوا عليه حكم الخارج والمرتد وبائع الأوطان ومرتكب الخيانة العظمى؟!
لماذا لم يتصرفوا لا ضده ولا ضد العدو الإسرائيلي، ولا ضد المصالح الأميركية؟!
إن كل شيء على الأرض العربية الآن باق كما كان قبل “الخيمة 101” وفك الارتباط الأول فالثاني فالثالث… ففك الارتباط بالأمة نفسها: الأنابيب صاغ سليمة، وكذلك خزانات النفط، والشركات والمؤسسات الأميركية، ومعدلات التجارة العربية – الأميركية ارتفعت وأي ارتفاع، أما حقول النفط فهي بألف خير في ظل حماية “رجالها” الذين تحدث عنهم الأمير فهد في قمة بغداد (وللمناسبة فهؤلاء “الرجال” جميعاً من قبيلة “أف” الشهيرة… أف – 5 وأف – 15 وأف 16 وهلمجرا)!!
ثم ماذا؟!
هي صيحة في واد! “فشة خلق”! صرخة مقهو! تأوه بريء سيدان بأفظع جريمة عبر التاريخ؟!
لو إننا لا نعيش في مناخ “ظاهرة العصر” الإيرانية لسلمنا بالعجز قدراً، ولاستسلمنا للمصير البائس باعتباره “المكتوب” في انتظار ما قد يأتي به الغيب من معجزات.
لكننا نرتج بعد بفعل الزلزال الإيراني العظيم حيث استطاع الشعب الأعزل إلا من الإيمان ووضوح الرؤية والتنظيم أن يسقط ملك الملوك وصاحب أقوى جيش وأكفأ جهاز مخابرات في المنطقة برمتها (وهي أغنى بالأجهزة هذه منها بالنفط)!!
وما دنا لا نستطيع أن نكون “جزائريين” أو “فيتناميين” من حيث اعتماد الكفاح المسلح و”العنف الثوري” أسلوباً في النضال ضد قاهرينا، فلماذا لا نجرب الأسلوب الخميني السلمي إلى حد هزيمة الطاغية بالاستشهاد تحت جنازير دباباته؟!
إن أخوتنا الإيرانيين يتباهون بالقول إنهم استفادوا من التجربة الثورية العربية الغنية بعبد الناصر فيها وابطال تحرير الجزائر وحركة المقاومة الفلسطينية،
إننا مطالبون بعمل، ولا بأس بل يا حبذا لو كانت تنقصه ثقافة المقاهي وتنظيرات فرسان الجمل الثورية،
إننا مطالبون بنظرة طبيعية إلى الوقائع والأحداث، ترينا الأبيض أبيض والأسود أسود، وتتجاوز عصر رماد الكليشهات المقعرة،
إن ما يحدث هو الخيانة!
وإن الرادع والمانع والحافظ هو الوطنية!
وللخيانة توصيف واحد من كل اللغات، الماركسية منها والرأسمالية والإسلامية وسائر لغات الأرض والشعوب، وكذلك الوطنية.
ولم يختلف تصرف ستالين الشيوعي عن تصرف ديغول أو تشرشل البورجوازيين الديمقراطيين الليبراليين، في مواجهة الخطر المهدد للوطن والأمة.
إننا مطالبون بعمل، نحن المواطنين العاديين البسطاء،
إن ساحة الفعل تنتظرنا، وهي هائلة الاتساع والمدى، ونحن ملايين وملايين وملايين، ولسنا ضعفاء إلا في الإيمان بأنفسنا وبقدرتنا.
إن إدانة السادات لا تبرئ أحداً منا،
وكذلك فالاستسلام لن يضمن السلامة لأحد منا،
والتذرع بالعجز يجعلنا دون السادات وأبأس منه مصيراً: فهو مبادر “شجاع” ونجم عالمي تتركز عليه عيون الدنيا بينما نحن نموت في الظل وفي الصمت المفجع والمهين ببطء وتلحقنا لعنة أجيالنا المقبلة لأننا شهدنا الظلم فلم نحاول منعه لا بسيوفنا ولا بأيدينا ولا حتى بأضعف الإيمان!
ويا أيها المواطن العريب العادي:
تحرك بنفسك ولنفسك. لا تنتظر أن يطلب منك أو أن يؤذن لك ولا خاصة أن تطالب. إن أحداً من الحكام لن يطالبك لأنهم يريدون أن يرموك بدائهم. سينسبون تواطؤهم إلى صمتك، والصمت رضى!
تحرك بنفسك: اضرب أميركا واضرب إسرائيل واضرب السادات حيث تجدهم. ولسوف تجدهم في كل مكان من حولك.
اضرب لتبرئ نفسك من الجرم الأعظم الذي يرتكب أمام عينيك وبحضورك وعلى مسمعك.
اضرب لتخرج من عصر السادات والردة.
اضرب حتى لا تكون رعية في “الإمبراطورية الإسرائيلية” المظللة بالعلم الأميركي: رمز الإمبريالية والاستعمار وقهر الشعوب في هذا العصر.
اضرب لتبقى عربياً، بل لتكون عربياً،
اضرب لتنقذ وطنك الكبير كله من محيطه إلى الخليج، وإلا خسرته كله بما في ذلك سريرك الزوجي وخاتم الخطوبة ولعبة طفلك الوحيد،
اضرب ليبقى لك الغد بعدما حرمك الساداتيون من يومك ومن أمسك القريب حتى كدت تنكر نفسك،
اضرب من أجل وحدة كل الوطنيين في كل الأقطار العربية، فالمعركة بسيطة بطبيعتها وجامعة ووحيدة الشعار: ضد الخيانة والخونة، ضد قاهري شعوبهم ومانعيها من حقها بالحياة.
… وعذراً لهذا الخروج على “أصول المهنة”، ومنها ضرورة التعامل مع الوقائع بموضوعية، فلاذي يجري أفظع من أن يعالج بنقل الوقائع وسردها منسقة ثم التعقيب عليها بهدوء ورصانة.
وتبقى أنت الأمل بقدر ما أنت، وأنت وحدك، صاحب القضية: أنت المواطن العربي العادي، الطيب، البسيط، الصادق مع نفسه والمنسجم مع تاريخه، والذي لا يريد أن يمضي عمره هارباً من عيون أطفاله الذين سيسألونه حين يكبرون: أكنت ولم تفعل شيئاً؟!
لهذا توجهنا ونتوجه إليك، وليس إلا إليك: أنت الملايين والمسيرة طويلة، لكنها تبدأ بخطوة.

Exit mobile version