طلال سلمان

على الطريق نداء إلى الأسد وبن جديد والقذافي: هلا بادرتم إلى محاولة أخيرة للإنقاذ؟!

لم تكن الحرب من أجل الكويت أو بسببها مطلباً عربياً في أي يوم، ولا هي الآن وهي لن تكون غداً إلا مصلحة إسرائيلية.
وإذا كان المواطن يقف بعاطفته النظيفة والشريفة موقف المتعاطف مع أخوته في العراق، فهو بالتأكيد كان يتمنى لو جنبه صدام حسين (وجنب الأمة) هذه المحنة الخطيرة التي تهدده في حياته ومستقبله، من دون أن يكون مؤمناً بضرورتها أو واثقاً بقيادتها أو مؤملاً منها وفيها أي خير.
وإذا كانت القيادات العربية المعنية بمستقبل الأمة قد بذلت أقصى الجهد من أجل منع الحرب وفشلت لأسباب عدة بينها تعنت صدام حسين، وبينها أيضاً الإلحاح الإسرائيلي على توريط الجميع في حرب لا تدفع فيها فلساً مع إنها الرابح الأول والمستفيد الأول من نتائجها،
… فلا يجوز اليوم وقد وقع ما كان يخافه الجميع، واندلعت الحرب محرقة منذرة بأن تلتهم الأرض العربية وثرواتها وبعض الأهم من قدرات الإنسان العربي، أن نكتفي بالفرجة عليها والتحسر على ضياع “فرصة الحل العربي” أو الشماتة بمن ركب رأسه وكابر فقاد بلاده (وأمته) إلى التهلكة.
فالمسؤولية القومية تتجاوز العواطف والأحقاد الشخصية، بل هي تتجاوز الأشخاص والمواقف المتشنجة والاساءات والأخطاء لتتجه إلى الإنقاذ،
ومن يحاول الإنقاذ لا يعنى كثيراً بردود فعل الغريق ولا بموقفه منه قبل أن يجرفه التيار، ولا حتى بموقفه منه بعد بلوغه شاطئ النجاة.
إنه يؤدي واجباً إنسانياً (وفي حالتنا الراهنة يؤدي واجباً قومياً) لا يطلب عليه جزاء ولا شكوراً، وغن كانت الأمة ستسجله وتحفظه له في ذاكرتها التي لا تنسىز
ليست الحرب في الخارج، وليس ضحاياها غيرك، بمعزل عن أسبابها وأغراضها وأدواتها ورأيك في المتسببين فيها أو المستفيدين منها فوراً او بعد حين،
إنها، وقد اندلعت ، حرب عليك، على هويتك، على حاضرك وغدك… ولهذا اجتهدت في أن تمنع تفجرها وتمنع بالتالي خطر أن تجتاحك وأن تقتحم عليك ضميرك وعقلك وغرفة نوم أطفالك وارضك وحقك فيها، ظاهراً وباطناً.
وها هي الحرب، بقوة التدمير الهائلة لآلتها الجهنمية، تمتد نيرانها إلى أحلامك وأمنياتك، وأما المصالح الكبرى للقوى الغريبة فتنتعش ملحقة بك المزيد من الخسائر التي لا تعوض والآلام التي تحتمل.
فهل يجوز أن يظل العرب خارج قراري الحرب والسلام في أرضهم وعلى أرضهم وبأموالهم وأرواحهم، وفي الحالين بسبب تعنت صدام حسين أو تورطه أو غروره وقصر نظره؟!
وماذا تنفع الإدانة طالما ليست الأمة هي مصدر الحكم والمحاسبة وليس الحاكم في بغداد هو الذي يدفع ثمن الخطأ القاتل؟!
لقد انقضى اليوم الخامس على هذه الحرب شبه الكونية، والتي تكاد تكون آخر الحروب في المدى المنظور، وما زالت دائرة حريقها تتوسع وتنفث ألسنة اللهب فتلتهم المزيد من مقومات العراق وأقطار عربية أخرى.
وها هي الأمة تجني أولى ثمارها المرة: ضعفاً في قدرتها (المحدودة أصلاً والتي لن تجد من يعوضها) وزيادة نوعية واستثنائية في قدرات عدوها القومي المرتبص بها والمتزود من هذه الحرب بما يمكن لمشروعه المعلن: إسرائيل الكبرى،
وبين الثمار المرة، أيضاً، ما نتجرعه من مهانة على مدار الساعة ونحن نسمع “الآخرين” يتحدثون عن مصيرنا وعما يقررونه لنا، تارة بالإنكليزية الصافية وطوراً بالإنكليزية المطعمة باللكنة الأميركية، تارة بالفرنسية المثقفة وطوراً بالإسبانية أو الإيطالية أو حتى باليابانية، ناهيك بالعبرية التي تخرق سمعنا ووجداننا وكرامتنا كل لحظة.
كلهم صاحب حق وصاحب رأي في موضوعنا،
أما نحن فنكاد نكون غائبين… في انتظار أن تنجلي نتائج المعارك التي لن تنتهي إلا وقد باتت الأمة أشلاء ومزقاً من شعوب وطوائف ومذاهب متناحرة إلى حد الفناء،
إن الأمة مهددة، في داخلها، بحرب أهلية أبشع من هذه التي نشهد فصولها الدامية على شبكات التلفزة الأميركية والبريطانية والفرنسية، ونسمع “التبشير” بها من خلال الأخبار والتحليلات الموجهة.
إن الخلاف يكاد يشمل هذه المرة العدو القومي ذاته،
وهذا أخطر ما يمكن أن تتعرض له الأمة، إذ هو أفظع في نتائجه المدمرة من تجربة أنور السادات بكل بشاعاتها وبينها الانهيار القومي العام الذي ما نزال نعيش في ظلاله المسمومة.
في ضوء هذا كله يتلفت المواطن العربي من حوله يطلب النجدة والإنقاذ،
إنه يريد لهذه الحرب أن تتوقف، وأن يوقفها ويمنع تفاقمها العرب ذاتهم، بوصفهم ضحاياها في الحال والاستقبال.
إنه يتوجه إلى قادته سائلاً أن يبادروا إلى وقف النزف الحاد الذي يتهدد سلامة الأمةن وليس فقط طموحاتها المشروعة أو دورها في العالم المعاصر.
وهو يتوجه على وجد التحديد إلى ثلاثة من قادته يراهم المؤهلين والجديرين بقيادة مبادرة إنقاذ على مثل المستوى المطلوب وهم: الرئيس السوري حافظ الأسد، والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد وقائد ثورة الفاتح من سبتمبر العقيد معمر القذافي.
والتمايز في مواقف القادة الثلاثة عامل ترجيح لنجاح المبادرة التي يفترض أن يقبلها – بداية – الأطراف العرب المعنيون.
إن لقاء سريعاً بين هؤلاء القادة الثلاثة ، بما يملكونه من نفوذ وبما يعرفونه من معلومات دقيقة عن مواقف المعنيين، قد يساعد على بلورة منطلقات مثل هذه المبادرة المرتجاة والتي تستهدف إنقاذ العراق واستعادة الكويت وحماية الوجود العربي.
لقد سبق لكل من هؤلاء القادة إن بذل جهداً ملحوظاً لمنع الحرب وتجنب ويلاتها، بمحاولة إقناع الرئيس العراقي بالتراجع عن خطأه في احتلال الكويت،
والفشل الأول لا ينفي الضرورة بل لعله، بعد انفجار الحرب، يؤكدها ويجعلها مهمة قومية جليلة قد تشكل مدخلاً إلى تاريخ عربي مختلف للذي يراد للأمة أن تنتهي به وإليه.
ومع التقدير لكل بذل من جهد، سواء عبر الرسائل أو الدبلوماسية الصامتة أو التظاهرات المعبرة عن عاطفة شعبية نبيلة، فلا بد من مزيد من الجهد والسهر والدأب والضغط والالحاح والمتابعة، ولو جاء ذلك على حساب العواطف أو المشاعر الشخصية.
إن الأمة في مأزق. ولا ينفع أن نحدد المسؤول عن هذا المأزق وكفى الله المؤمنين شر القتال.
إن نصرة أخيك الظالم تكون برده عن ظلمه،
وكبرياء الأمة تتقدم، بالتأكيد، على الكبرياء الشخصية لأي من القادة والمسؤولين فيها.
كذلك فمصالح الأمة تعلو على مصالح أي قطر بذاته، فكيف على مصالح هذا أو ذاك من الأنظمة التي لن تظل بمنأى من نار الحرب متى طالت وتعاظم شررها، ولن يحميها “السلام الأميركي” القادم إذا كانت ركيزته الأولى في المنطقة إسرائيل.
إن لقاء بين هؤلاء القادة الثلاثة يمكنه أن يضع إطاراً للتعامل مع هذه الحرب بقصد وقفها أو حصر أضرارها في أقل تعديل،
ولقد تكون البداية عبر قمة عربية طارئة تجمع صفوف من شتتهم الخلاف حول خطوة صدام حسين الخاطئة في اجتياح الكويت.
إن معظم الملوك والرؤساء المعنيين قد راجعوا حساباتهم، أو هم بصدد مراجعتها في ضوء ما استجد من تطورات خطيرة جعلت العرب هامشيين، وغير ذوي دور في ما يجري أمامهم وعلى أرضهم.
ونحب أن نفترض إن قمة طارئة تنعقد خلال أيام، بدعوة من هؤلاء القادة الثلاثة وعلى أسس واضحة يحددونها في طليعتها إنقاذ العراق وضمان سلامته بعد الخروج من الكويت، يمكن أن تكون أقوى وأفعل من صواريخ كروز وقاذفات ب 52 وكذلك من صواريخ سكود التي يطلقها صدام حسين كل يوم في اتجاه لتوسيع دائرة الحرب في عملية هرب إلى الامام ليس لها أفق مفتوح.
لقد تعود العرب أن تأتي القمم بين ملوكهم ورؤسائهم لتكريس النهايات التي تكون قد استقرت عليها صورة الحدث، ولقد كانت النهايات في الغالب الأعم: الهزيمة.
فهل نأمل أن يعقدوا، مرة، قمة لدرء خطر هزيمة شاملة أو لمنع اكتمالها؟!
… خصوصاً وإنها ستعقد، هذه المرة، لو عقدت، بعد خراب البصرة فعلاً وليس مجازاً أو تمشياً مع المثل السائر؟!

Exit mobile version