طلال سلمان

على الطريق نتف من حوار مع المستعجلين: من يذهب إلى مَن، وبأية شروط؟

يعاني الحكم من وطأة أزمة نفسية حادة تبلبله وتربكه وتحرمه هنيء النوم،
مصدر الأزمة مجموعة من الأسئلة التي لا يملك لها أجوبة قاطعة ومريحة، منها: هل يدخل أم لا يدخل؟! ومتى يدخل؟ وبأية شروط يدخل “الشرقية” حيث كمال الاكتمال؟!
والأسئلة ولادة هواجس، والهواجس تذهب الثقة بالنفس والأهلية والقدرة على الإنجاز،
من هنا فهو يدور بأسئلته على الناس، مستغرباً نقص اهتمامهم بأزمته، طامحاً إلى سماع ما يقطع شكه باليقين، ولكنه يريد – غالباً – الأجوبة التي في باله، وبالذات تلك التي تشجع على الدخول وتبرر التعجيل فيه، وإن اقتضت التساهل في الشروط.
يسأل البعض بلسان الحكم أو هم يتساءلون: – لقد سلم سمير جعجع بما طلبنا منه: قال باتفاق الطائف، وأقر بشرعيتنا… أليس ما أعطاه كافياً لمباشرة التفاهم، أم نريد منه أكثر؟! وماذا، بالضبط، يمكن أن نطلب منه؟!
وحين يجيئهم الجواب تشكيكاً بحقيقة ما دقمه جعجع ، واشرة إلى أن ما صدر عنه ملتبس، وقابل للطعن وللتراجع عنه، تحتد لهجتهم وهم يردون: – وافرض، ماذا نخسر إذا ما لحقناه إلى باب الدار؟!
*- ولكن الاستعجال مؤذ، والفشل مدمر،
-حتى لو سلمنا بأنها مغامرة، فهي ضرورة لا بد منها،
* – بل هي مقامرة، ومقامرة بمصير البلد وليس بالحكم وحده،
-إن كان الرجل صادقاً هو النجاح الكلي للحكم، وإن كان مخادعاً فلن يخسر الحكم شيئاً، فليس بعد ما هو فيه من خسارة. الجمود موت. فهو يفضح العجز، ويسقط عن الحكم هالة المرجع المعني بهموم شعبه جميعاً. أي حكم مؤهل لقيادة البلد هو ذلك الذي يمكن أن يكتفي بالفرجة على المأساة التي يعيشها شعبه في بعض وطنه، ويتحسر على إنه لا يستطيع أن يقدم شيئاً يخفف به من آلام الناس الحاضرة، كما لا يستطيع أن يعدهم بتقديم شيء نافع في المستقبل.
*- بل إن تصرف الحكم، وفي مواجهة “الحرب على الشرقية”، هو معيار أهليته لقيادة البلاد على طريق الحل، طريق السلام، فليس ثمة طرف بريء وطرف مدان. الطرفان المقتتلان شريكان في الجريمة، بالتكافل والتضامن. كلاهما خارج على السلطة والشرعية، واتفاق الطائف، وإن اختلف الأسلوب.
كلاهما يدك بمدافعه البيوت على أهلها، وكلاهما يوجه صواريخه إلى النساء والشيوخ والأطفال، وكلاهما يدمر البنية التحتية للبلاد وأزراق أهلها، وكلاهما ساع إلى التسلط والتحكم، وإن تستر أحدهما بقوة الشرعية المزيفة وخرج الثاني على الناس شاهراً سيفه بشرعية القوة… ثم إن كليهما يغرف من المعين ذاته، معين التعصب الطائفي والانغلاق والانقسامية والانفصالية،
-لكن أحدهما يقول بإسقاط الطائف والثاني يجاهر بقبوله، أو هو على الأقل لا يرفضهن ولعله يلم يلفظ كلمة الموافقة صريحة تخوفاً من ردة فعل الرأي العام المعبأ ضد اتفاق الطائف.
*- من لم يخف أن يوجه مدافعه فيقتل بها الرأي العام شخصياً يخاف أن يواجه هذا الرأي العام البائس بموقف سياسي عنوانه السعي إلى السلام؟!
-في أي حال هو يعرض على الشرعية أن يسلمها وماذا تخسر الشرعية لو أرسلت جيشها فتسلمت هذه المنطقة…
*- بذلك يصبح جيش الشرعية “سندويش”، إضافة إلى أنه سيكون كمن يسخر لخدمة مشروع جعجع بحجة إن ميشال عون أولى بالعداء والحرب.
هذا نموذج بسيط من نماذج الهواجس والتساؤلات التي تقلق الحكم. أما “العامة” فيهتمون بجانب آخر من المسألة تلخصه أسئلة مختلفة منها:
-من يذهب إلى من، وبأية شروط؟!
هل تذهب الشرعية إلى منطقة هيمنة سمير جعجع في “الشرقية”، متواطئة ومتسللة ومسلمة بشروطه، بحجة إنها بهذا تستعيد “الشرقية” ولو بالتقسيط ، وتحت لافتة “المهم إسقاط عون”؟!
أم يجيء سمير جعجع إلى الشرعية، وإلى قاعدتها السياسية، اتفاق الطائف، فيسلم بها ويسلم لها الأمر كله، باعتبارها “المرجع” المسؤول عن لبنان كله، وعن اللبنانيين جميعاً، فتقرر ما تراه مناسباً، وتقرر أيضاً موقعه ودوره شخصياً في حكم الطائف وجمهورية الوفاق الوطني؟!
بصيغة أخرى: هل تذهب الشرعية لتكون رهينة جعجع وأداته لإتمام سيطرته وتسلطه على “الشرقية”، أم يجيء جعجع إلى الشرعية بذاتها وليس كخصم لميشال عون يطلب التحالف مع خصمه الآخر، على قاعدة “عدو عدوك صديقك”؟!
وماذا سيكون رأي الناس بهذه الشرعية التي تجيئهم عن طريق الميليشيا التي يكرهون ويرفضون تسلطها، ويكادون – نكاية بها – ينحازون إلى جنرال التعتيم؟!
واستطراداً: هل يذهب العماد اميل لحود إلى لاشرقية، إذا ما ذهب، لكي يسترد “اليرزة”، أم ليسترد ما تبقى من الجيش (؟!) إن كان تبقى منه ما ينفع دولة الحل والسلام الوطني؟!
وهل يذهب المجلس النيابي إلى نواب الغربة في باريس لكي يعترفوا به (ويكملوا نصابه)، أم يعود هؤلاء إلى بيروت – عاصمتهم ومصدر شرعيتهم – لكي يصيروا نوايا ويقوموا بأبسط واجباتهم الطبيعية، وينفذوا ما سبق إن التزموا به في الطائف وبعدها مباشرة، ثم توقفوا عن الانجاز لسبب غير مفهوم؟
وهل تذهب الحكومة إلى الإدارات واحدة، تسترضيها وتستميل مديريها – ومعظمهم بالوكالة أو بالتكليف أو بقوة السلاح والأمر الواقع – أم تجيء بهؤلاء إلى سلطتها وإمرتها فتستبقي الصالح (إن وجد وحيث يوجد) وتصرف المقصر والمهمل والمرتشي والمقيم دولته الخاصة على أنقاض الجمهورية اللبنانية؟!
… والأسئلة لا تنتهي لمن رغب في الاستطراد، لكن ثمة افتراقاً بين ما يشغل بال المستعجلين للصعود إلى بعبدا وبين ما يقلق الخائفين على مستقبل الدولة، واستطراداً الكيان،
“كيف تدخل الشرعية إلى الشرقية”، بشروط من؟ بقوة من؟ ومن أجل من وماذا؟
تلك هي الأسئلة الفعلية، وغياب “القوة” سيولد المزيد منها، وستبقى جميعاً معلقة في انتظار استكمال العدة والأهلية للدخول.
فلو كانت القوة اللازمة متوفرة لسحبت جميع الأسئلة من التداول، ولكان الخارجون على الشرعية يجلسون الآن في مقاهي المنفى وهم يجترون أسئلتهم عن سبب الخسارة التي جاءتهم من حيث لا يتوقعون!!
ماء، ماء، ماء!!
خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت، في العام 1982، اخترق شهر رمضان – بقوة الاستمرار – أسوار الحصار فبلغ المؤمنين الطيبين فصاموا.
كانت المشكلة الأكثر حدة، في نظر بعض القيادات، تلك المتعلقة بالماء اللازم للوضوء.. فمن الصعب مواجهة العدو بغير وضوء.
المهم، إن بعض القياديين نجحوا في إحداث اختراق ثان للاجتياح والحصار.
أخذوا يتصلون، من بيروت، بالأمير فهد بن عبد العزيز (ولم يكن قد صار ملكاً بعد)، في الرياض، مستنجدين،
وكان سموه يتصل من الرياض بالإنساني الكبير وفاعل الخير العظيم فيليب حبيب، في بيروت، طالباً إليه فتح صنبور المياه بلا إبطاء…
وكان فيليب حبيب، الذي لم تنسه الحياة الأميركية مبادئ النخوة العربية، يسارع فيتصل بقائد قوات الغزو الإسرائيلي مستهجناً عدم مراعاة الغزاة لمتطلبات شهر رمضان المبارك،
وكان الغازي الإسرائيلي يحس بالخجل وتحمر أذناه حياء، ولعله كان يعتذر، ثم يبادر إلى الحنفية فيفتحها لكي يتوضأ المؤمنون، مستغفراً الله سبحانه وتعالى عن هذا الذخب الخطير!!
اليوم، تعيش بيروت رمضانها الثاني بلا مياه (ناهيك بالكهرباء والنظافة والأمان والاطمئنان إلى المستقبل)…
ومع الأسف فإن فيليب حبيب قد أنجز مهمته النبيلة والأخيرة في لبنان وانصرف إلى … التقاعد والسباحة في الذكريات.
وبالتالي فلا مجال للاتصال بالملك فهد وبثه الشكوى ورفع التظلم.
ثم إن الذي قطع المياه عن بيروت ليس العدو الإسرائيلي؟
فما العمل لإعادة المياه إلى مجاريها، وتمكين المؤمنين من أداء فريضة الصوم بعد إنجاز الوضوء…
ما العمل، ولمن نرفع الشكوى من هذه المياه التي لا تصل أبداً، برغم الدعايات والاعلانات وزف البشرى وصرف الاعتمادات وحفر الطرقات؟!
المؤمنون لا يشكون.. فالشكوى لغير الله مذلة، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه!!

Exit mobile version