طلال سلمان

على الطريق “نار العماد” و”قمة التحولات”!

هي “قمة التحولات” ستكون.
قمة إقرار أو تثبيت أو اعتماد التحولات التي تمت، عربياً، وما أكثرها وما أخطرها،
ومحطة أخيرة على طريق الصراع العربي – الإسرائيلي، فما قبلها لن يكون أبداً مثل الذي كان قبلها، وإن كان بمعنى من المعاني نتيجة لما سبق واستكمالاً لما بدا مع بداية عصر الهزيمة العربية في 5 حزيران 1967 أو بشكل أدق في 28 أيلول 1970.
هي قمة عربية، لكنها استثنائية فعلاً، فالعرب سيجيئون إليها موحدين ولكن خارج هويتهم القومية. سيأتون إليها فرادى ويقررون فيها مجتمعين إنهم بمجموعهم مع واشنطن ومع الغرب، ومع “الشرق” أيضاً الذي لم يعد مفجر الثورة الأممية وراعيها وحاميها في أربع رياح الدنيا.
سيأتي المصري كمصري ومعه كامب ديفيد.
وسيأتي الفلسطيني كفلسطيني ومعه اعترافه بحق دولة إسرائيل في الوجود على أرضه، أما دولته هو “فقءيد الدرس”، وأرضها تنتظر قراراً أميركياً قد يصدر في هذا القرن وقد لا يصدر،
وسيأتي الأردني كأردني لا هو عربي تماماً، لأن شرط وجوده التنصل وقطع الصلة مع فلسطين، ولا هو ذلك “المعتمد” من قبل الغرب بوصفه “الوطن البديل”، خصوصاً وقد خسر مواصفات الضمانة الضرورية للأمن بل للوجود الإسرائيلي.
فإذا كان الفلسطيني يغذ السير على طريق السلام الإسرائيلي فما الحاجة إلى الشرق أردني المقيد بالعرش الهاشمي الوافد من الجزيرة العربية بعدما أقطعت للأكثر جدارة وقوة وأقل مطامح منه فيها وخارجها؟!
سيأتي العرب الأفارقة “كمغاربة”،
وسيأتي عرب المشرق كقبائل وعشائر وطوائف وجهات، بعدما أعادتهم حرب الخليج إلى ما كانوا عليه قبل قيام السلطنة العثمانية،
هي القمة – نقطة البداية للعصر الجديد، عصر ما بعد فلسطين، وبالتالي ما بعد الصراع العربي – الإسرائيلي،
هي القمة العنوان للمرحلة الجديدة، بقدر ما كانت قمة الجزائر نقطة النهاية لمرحلة التصفية التي امتدت عشرين عاماً أو يزيد والتي دشنتها إسرائيل “بحرب الستة أيام”، ثم أكملها “العرب” بمسلسل الحروب الأهلية التي يمكن اعتباره “اليوم السابع” عند التاريخ للتسليم العربي بالوجود الإسرائيلي ليس كأمر واقع وإنما كطرف مقرر في وجود الكيانات والأنظمة والأسر الحاكمة وهوية الأراضي العربية والأقوام العربية التي تعيش فوقها.
الفهد يريد قمة نظيفة،
إذن لا بأس من أن يتولى أمير المؤمنين، صاحب المغرب، رعاية قمة المهمات القذرة،
كل شيء بالثمن، والأجر على قدر المشقة، وما يقدر عليه البعيد يعجز عنه القريب أو هو يعجز عن تحمل نتائجه، فإذا ما تولى الشقيق المغربي تنظيف الصبار من الشوك وقشره أمكن من بعد لصاحب نجد والحجاز أن يزدرده بالنوى الصغيرة فيه، مستهلاً بذلك عصر السلام الإسرائيلي المعزز بالاعتراف الفلسطيني الملخص والمجسد لعصر الهزيمة العربية الشاملة.
أين لبنان من هذا؟!
لا ضرورة لوجود لبنان في هذه القمة.
بل لعل هذه القمة هي التي تحدد، وفي ضوء المهمات المطلوبة منها، إلى أي حد يشكل لبنان، ككيان، ضرورة وهل تقضي الحاجة باستمراره أم لا.
ثم لعلها المكان الصالح لتقرير دوره وموقعه في المستقبل.
ومن سوء حظ لبنان إن الظروف قد حملت رجلاً أحمق كميشال عون إلى مركز القرار، فيه، ولو من حيث الشكل،
بل لعل الذين يطلبون من القمة فوق ما يستطيعه العرب هم الذين رفعوا ميشال عون إلى موقعه الحالي، لابتزازهم به في لبنان من أجل أن يدفعوا في فلسطين ولحساب إسرائيل.
والأخضر الإبراهيمي يعرف أكثر بكثير مما يعرفه الجاسم والمؤمن وسائر الضباط الآتين، مشكوراً، من أجل مراقبة وقف نار العماد في لبنان،
الأخضر الإبراهيمي يعرف مصدر الثقاب الذي أعطى للعماد كي يشعل ناره التي تحرق ما تبقى من لبنان واللبنانيين،
لذلك فهو يعرف إنه إنما كلف بمهمة تكاد تكون مستحيلة، ويكاد الفشل فيها يتساوى مع النجاح في مردوده النهائي،
وهو يعرف إن وقف النار سيظل بلا قدمين، في انتظار أن يقرر من بيدهم القرار إذا ما كانت النار ضرورية في لبنان، بعد، أم لا، وإذا ما كان دور العماد قد استنفد وآن أوان البحث في بديل مؤهل للبنان ما بعد “قمة التحولات” والخريطة الجديدة للمنطقة،
ولعل العماد يعرف إن دوره متصل بالنار، وإن وجوده مرتبط باستمراره،
فهو قد قالها يوم جاءنا وريثاً لأمين الجميل: إنه إنما التقط، في لحظة محددة، كرة النار التي رفض الجميع التقاطها،
عهد ما بين القمتين، هو عهد “الفاصل الموسيقي” ما بين فقرتين مثيرتين.
والنار شرط وجوده: تستمر فيبقى وتنتفي الحاجة إليها فيستحيل رماداً لا ينفع النفخ فيه،
وهو، بالشعارات التي رفع، بالمسلك الصدامي الذي سلك، بالعنتريات التي أطلق، بالشتائم التي أطلق والتهديدات التي وجهها إلى جميع الذين عارضوه، من رجال دين وسياسيين ونواب وأصحاب رأي، إنما كان يعمل بوعي لإطالة أمد اشتعال النار، لأنه بالنار قد جاء وبالنار يستمر ومع انطفائها ينطفئ كشهب مذنب حين ينفصل عن كوكبه الملتهب.
… والأخضر الإبراهيمي سينجز مهنته “المؤقتة” بطبيعته في وقف النار، ثم يسافر إلى الكويت ليعيد الكرة إلى الشيخ صباح قائلاً له: تفضل فاكمل مهمتك السياسية الدقيقة، فبقدر نجاحك في أدائها يتحول وقف النار إلى مدخل إلى عصر السلام.
والشيخ صباح سيطير إلى القمة ليحصل منها على الجواب الذي ننتظره هنا في الوقت الفاصل بين قذيفة وقذيفة: هل انتهى زمن ميشال عون وناره، هل دقت ساعة الحل في لبنان؟
… والقمة ستنتظر تأكيداً من واشنطن المفتوحة خطوطها الآن على موسكو على مدار الساعة.
والاعلان الأميركي – السوفياتي الذي صدر أمس في أعقاب الزيارة الأولى لوزير خارجية بوش للعصر الغورباتشوفي يبشرنا بفرج قريب،
ولعل هذه البشارة هي مصدر تفاؤل الأخضر الإبراهيمي وليس ما سمعه أو ما عرفه في بيروت المثخنة بالجراح والمشتعلة بعد بحرائق كرة النار التي يتباهى ميشال عون بأنه “القبضاي” الوحيد الذي تبرع بالتقاطها ثم رمى بها اللبنانيين جيمعاً، قبل أن ينادي “بالتحرير” وبسط الشرعية على المرافئ المهجورة في البلاد التي أصابها ما أصاب قبلها عاد وثمود.
… وطريق القمة مزروعة بالألغام،
والأخضر الإبراهيمي لا يعرف ماذا سيكون بعدها، لكن ميشال عون يتصرف وكأنها ستكون موعده الأخير مع طموحه في السلطة والحكم ولو من الملجأ الجمهوري في بعبدا.
والموعد قريب، ومعاناة التوقعات والترقب والتخوف تظل على قسوتها هينة على الذين انتظروا أربع عشرة سنة وما زالوا ينتظرون حلم الوطن الآتي مع فجر السلام الموعود.

Exit mobile version