طلال سلمان

على الطريق مَن يحمي طوييل العمر من أصدقائه؟!

لولا عراقة العلاقة بين السعوديين وبين الأميركيين (والبريطانيين) لكان سهلاً القول أن في الأمر فتنة.
ولولا متانة التحالف الاستراتيجي الشامل (سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً وزراعياً وصناعياً، وفي الأرض والبحر والجو) بين المملكة والبيت الأبيض الأميركي لأمكن القول أن واشنطن قد أعلنت الحرب على العرش السعودي بهدف إسقاطه،
ويمكن لطويل العمر أن يردد الآن براحة ضمير: اللهم أحمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم.
وماذا يمكن أن يقول طويل العمر غير ذلك وما يعتبره “أعنف حملة تشهير” إنما تصدر عن واشنطن وفيها، تساندها وتعززها الشواهد والوثائق التي تنشر في لندن أو تعمم انطلاقاً منها؟!
لولا الأميركيون (والإنكليز) لما كان سمع أحد بالاعتقالات الجماعية التي شملت (حسب آخر بيان) أكثر من ألف وخمسمائة مواطن سعودي، ولما كان العالم قد عرف بأمر الاضطرابات التي تفجرت في القصيم، قلب نجد ومنبت الأسرة وسيف العرش، والتي أصاب خلالها الويل مدينتي بريدة وعنيزة، والتي وصلت بعض آثارها إلى الرياض ذاتها؟!
ولولا المصادر الرسمية الأميركية لكان بقي بعض الشك حول تورط طويل العمر في امتهان حقوق الإنسان في المملكة، خصوصاً وهو قد أنعم على ذلك “الإنسان” مؤخراً بمجلس شورى (معيّن) لا يجتمع إلا ليدعو لمن أنشأه بطول العمر، ولا يستشار لأن في العائلة كل الكفاءة لكي تدير الحكم وتسوس الناس – بالمطاوعة والذهب الرنان.
فالذهب ستار العيوب، والفقر فضاح،
ولقد توفر للسعوديين من الذهب، في العقدين الأخيرين، وبالتحديد ما بين حرب تشرين المجيدة و”عاصفة الصحراء” المهينة، ما يكفي لقلب عيوبهم فضائل والتشهير بفضائل خصومهم وكأنها عورات.
اشتروا فضائل غيرهم، واشتروا معها السمعة والدور والمكانة.
وكان للغرب بمجموعه (الأميركي – الأوروبي وحتى الإسرائيلي) غرض في تزكية تلك المملكة المتخلف نظامها والمهجنة هويتها، فهي تهرب من العروبة بزعم أنها خروج على الإسلام، ثم تختار من أنماط الإسلام السياسي الأكثر رجعية وسلفية وتزمتاً وتصادماً مع روح العصر بل ومع منطق الحياة وتطور العقل الإنساني.
بعد “عاصفة الصحراء” والسياسة الراشدة والحكيمة التي اعتمدت، قبلها وخلالها وبعدها، استنزف “المحررون” صناديق الذهب الملكية، وتصرف الأمراء ببعد نظر ففصلوا لأول مرة بين “أموالهم الخاصة” والمال العام، فإذا المملكة تعجز عن إصدار الموازنة، ثم تصدرها مضغوطة النفقات إلى أقصى حد، كأي بلد فقير لا نفط فيه ولا موسم حج ولا جبال من النضار،
ولم تقف فاتورة التحرير بالاحتلال عند حد، فإذا كلفة ما بعد التحرير (صفقات التعهدات، صفقات التسليح والتدريب، صفقات تحديث أحدث أسطول للنقل الجوي في العالم الخ)، تكاد تفوق بملياراتها كلفة التحرير!
كانت الفواتير تتوالى وكلها واجبة الدفع: تشغيل المصانع الأميركية المهددة بالتوقف والمساعدة على التخفيف من البطالة التي تهدد ارتفاع معدلاتها، النظام العالمي الجديد في عقر عاصمته، مركز الكون، واشنطن، ثم إقالة الاقتصاد البريطاني المتهالك من عثرته، وإنعاش الاقتصاد الأوروبي عموماً من حال الركود،
إضافة إلى ذلك كان على المملكة أن تستمر في مساعدة الأنظمة الحليفة التي تجيئها ببطاقة توصية أو بحوالات لا يمكن تأخيرها صادرة عن السيد الأميركي.
القيادة مكلفة، والتطلع إلى دور متميز في حماية الحضارة له ثمن، ثم أن التحالف مع “السيد” ليس مجانياً و”شرفه” أغلى من كنوز الأرض مجتمعة، وكان على طويل العمر أن يدفع بالتي هي أحسن، وبغير نقاش.
بدأ الأمر همساً، ثم صار الهمس نقداً خافت الصوت، لكنه مع اشتداد الأزمة تخطى الوشوشة والتلميح إلى التصريح، وبات مألوفاً أن تسمع مقاولاً يعتذر عن عدم دفع فاتورة مطعم بذريعة “أن المملكة تأخرت علينا”، أو “أن المملكة تمر بحالة ضيق وعلينا أن نتحمل معها هذه المحنة”، أو “أن المملكة تحوّلت من أعظم أثرياء الدنيا إلى أحد أخطر المدينين”.
وفي لبنان صارت الحكاية فضيحة، خصوصاً وأن بعض كبار المقاولين قد تحولوا في غمضة عين إلى أصحاب سلطة، فأخذوا ينسبون إخفاقاتهم السياسية إلى العجز في موازنة المملكة أو إلى تأخر المملكة في دفع ديونها!
ماذا يدبر للعرش؟!
في الماضي كانت مشكلة العرش مع الأطراف (الأحقاد التاريخية المزمنة بين الحجاز ونجد، ومشكلة ولاء “اليمنيين” السابقين في جيزان ونجران وعسير، ومشكلة احتواء الشيعة في المنطقة الشرقية – الظهران – حيث يكمن الذهب الأسود بكميات خرافية)..
الآن تشتعل النار في “المركز” في نجد ذاتها، أي في غرفة النوم، وفي المسجد أي في مصدر “الشرعية” التي ما كانت لتتوطد لولا السيف، لكن السيف وحده لم يكن يكفي بأي حال، فكان لا بد من الإسلام ولو بزعم تجديده أو إعادته إلى أصوله.
والمعارضون الجدد يأخذون الحكم بما تعوّد الحكم أن يأخذ به الناس: الخروج على الشريعة والإساءة إلى الإسلام والمسلمين،
ليس بين المعارضين شيوعي أو قومي عربي أو اشتراكي أو حتى ليبرالي، وليس بينهم معاذ الله “كفار” أو “مشركون”…
ليس بيدهم غير القرآن الكريم والسنة والثابت من الحديث الشريف وسائر منطلقات المذهب الوهابي الذي استهدف – في منشأه – إعادة الناس إلى أفياء الدين الحنيف، بعدما لاحظ دعاته تداعي الإيمان وخروج المسلمين من أصوله إلى البدع والطقوس والشكليات التي ليست من الإسلام في شيء…
والسؤال ليس فقط عن سر هذه الحمية الأميركية في حماية الإسلام والأصوليين من الإسلاميين، وإنما أساساً عن طبيعة المشكلة التي هزت علاقات التحالف العريقة بين المملكة وبين السيد الأميركي؟!
السؤال عن الذهب وليس عن الإسلام،
فالذهب ستار العيوب، والفقر فضاح،
وملفت أن يعلن الأميركيون إفلاس صديقهم الملكي في حين يعلن المعارضون خروجه على الإسلام… وهكذا يترك طويل العمر لمصيره بلا إسلام وبلا ذهب أي بلا دنيا وبلا دين… ولله في خلقه شؤون!

Exit mobile version