طلال سلمان

على الطريق من يفكر بالعرب وعراقهم بعد الحرب؟

هل يفكر أحد من المسؤولين العرب بما بعد “عاصفة الصحراء” الأميركية على العراق؟!
هل يعنى الملوك والرؤساء بصورة المنطقة، والعراق ركن أساسي فيها، إذا ما انهار الوضع في العراق انهياراً شاملاً؟!
هل يستطيع هؤلاء جميعاَ أن يفكروا بالعراق ومستقبله، المشرق العربي، ومصيره، بعيداً عن موقفهم من شخص صدام حسين ومقامرته المدمرة؟!
هل يتصور هؤلاء، كلهم أو بعضهم، أن “الحلفاء” الأميركيين ومن معهم سينهون مهمتهم العسكرية ثم يقفون أمامهم وقفة التأهب العسكرية ليقولوا لهم بشء من المباهاة: “تمام يا أفندم… أي خدمة ثانية؟!”
… فلا يكون على هؤلاء إلا أن يتوجهوا بالشكر العميم للحلفاء الشرفاء والمخلصين الذين هبوا لنجدة “الأمة العربية” وتخليصها من دكتاتور كان يتلاعب بمصيرها، وقد يرفقون الشكر بما يناسب المقام من نفيس الهدايا و”شوفة الخاطر” مع الاعتذار الرقيق بأن “الهدية على مقدار هاديها”؟!
هل يفترض هؤلاء أن الحلفاء الطيبين بقيادة الرئيس الإنساني جورج بوش سيعيدون الكويت إلى نظامها والعراق إلى شعبه، فيعود السلام ومعه سلامة النظام العربي (وبفضله سلامة الأمة العربية) وكفى الله المؤمنين شر القتال بالطائرة الشبح و”العرسة المتوحشة” وصواريخ كروز… والله على كل شيء قدير؟!
إلى أي حد سيكون القادة العرب حاضرين، متى توقفت المدافع، بتصور شامل للمنطقة بعد إنجاز “تحرير الكويت” بإجبار صدام حسين على الانسحاب منها؟
وإذا كان من المبالغة الافتراض بأن ثمة “تحالفا” من أي نوع بين الزعامة الكونية للرئيس الأميركي جورج بوش وبين الملوك والرؤساء العرب المعترضين على سياسة صدام حسين، فمن الضروري التساؤل عن طبيعة هذه العلاقة واحتمالات تأثيرها على هوية المنطقة وطبيعة العلاقات في ما بين دولها، في مرحلة ما بعد “تحرير الكويت”.
إن القيادة الأميركية لا تعطي حقوق الشريك لأقرب الحلفاء “التاريخيين” إليها. حتى بريطانيا لا تحظى بمثل هذا الشرف، وتكتفي عادة بدور “المستشار” و”المعاون” و”المساعد” و”الخبير الناصح”، أما سائر دول أوروبا الغربية فيقف طموحها عند حق إبلاغها بما سيكون وإعطائها دوراً يحفظ لها الحد الأدنى من مصالحها ومن ماء وجهها..
ثم إن الملوك والرؤساء العرب قد فقدوا جدارتهم بدور متميز عندما فشلوا في منع الكارثة بردع صدام حسين وإلزامه بالتراجع عن الخطأ الذي اقترفه في الثاني من آب الماضي. ولو أن هؤلاء الملوك والرؤساء كان لهم من الحضور والنفوذ وقوة التضامن والقدرة على التأثير ما يكفي، لما كان ثمة موجب لانتقال المسألة إلى المستوى الدولي وخروجها بالكامل من أيديهم؟.
وغدا إذا ما تحددت “الحصص” في ضوء حجم المشاركة في العملية العسكرية، بعد الإخفاق في السياسة، فإن “حصة” العرب، مختصرين بهؤلاء الملوك والرؤساء، ستكون “رمزية” جداً وتفرضها أولاً وأخيراً ضرورة تمويه الحل المنوي فرضه تحت لافتة “النظام الأمني الإقليمي الجديد”.
وإذا كان ضرورياً تمييز الدور الشخصي للرئيس حافظ الأسد عن سائر الذين شاركوا في قمة القاهرة وفي التطورات اللاحقة، وطرحه المختلف والمتنبه إلى مخاطر الغموض وعدم تحديد العلاقات مسبقاً، فإن الآخرين قد اندفعوا أكثر مما يجب وأكثر مما هو مطلوب في التحريض على الحرب وفي التغافل عما قد يكون بعدها من نتائج… مع التنويه بأن بعض هذه النتائج قد يكون أخطر من الحرب ذاتها.
لقد تصرفوا وكأن الموضوع يتلخص بضرب صدام حسين، دون أن يهتموا بما يكون بعد ذلك، مفترضين أن “التحالف الدولي” هو مجرد “مرتزق” عندهم، أو متطوع هب لنجدتهم مشكوراً تنفيذاً لميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان وخلق عالم من السلام والسعادة الأبدية!
لكن ما بعد الحرب سيكون مختلفاً جداً عما قبلها، خصوصاً إذا ما استمر صدام حسين على مكابرته متسبباً في إلحاق الدمار الشامل بالعراق، شعباً وجيشاً وقدرات وبنى تحتية وإنجازات استهلكت جيلين وثروات فلكية الأرقام.
ولعل هذا ما قصد إليه العقيد معمر القذافي حين نبه إلى خطورة أن تمتد الحرب إلى داخل العرق فتعمل فيه تقتيلاً وتدميراًز
من يبدأ الخطوة الأولى، وفي أي اتجاه تكون؟!
ومن له حرية الحركة لإطلاق المبادرة المطلوبة في هذه اللحظة تحديداً؟
من هو القادر على استنفار ما تبقى من النظام العربي (القديم؟) لإنقاذ نفسه وانتزاع دور له في الحل العتيد، والارتقاء من مستوى “النصير” و”الرعية” إلى مستوى “الشريك” خصوصاً وإنه صاحب الأرض والمعني بهوية المنطقة ومصيرها؟
لقد تصرف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وكأن له شريكاً وحيداً في المنطقة هو العدو الإسرائيلي.
فالإسرائيليون وحدهم، وليس “الحلفاء” العرب، أبلغوا بموعد الهجوم الجوي – الصاروخي الشامل إيذاناً بإعلان الحرب.
وإلى الإسرائيليين فقط وجهت رسائل التطمين، وأهمها وأخطرها إبلاغهم بتدمير قواعد الصواريخ التي هدد صدام باستخدامها لإحراق نصف إسرائيل.
ثم إن جورج بوش لم يتصل بعد 24 ساعة من العمليات العسكرية إلا “برئيس” واحد في المنطقة هو إسحق شامير… وقد اقتطع من وقته الثمين، وفي عز الحرب، ساعة كاملة أمضاها في مباحثات هاتفية مع رئيس حكومة العدو، وبديهي الافتراض إنها تجاوزت التطمين إلى ما يمس صورة أو خريطة المنطقة مستقبلاً.
ولعل هذا ما ألمح إليه شمعون بيريز حين قال: “إن هذا الانتصار – الأميركي – يفتح الطريق أمام نظام جديد في الشرق الأوسط سيكون بحل جميع النزاعات الإقليمية”.
إن هذه الإشارات، وغيرها كثير، تبين بوضوح أن العدو الإسرائيلي هو المستفيد الأول – حتى الساعة – من الحرب ضد العراق، ولعل الإسرائيليين أكثر استفادة من الكويتيين، “الذين اندفعوا يرقصون بالشوارع فرحاً” وكأن الضحايا غيرهم!!
وما لم يبادر الملوك والرؤساء العرب إلى اجتراح معجزة “الحل العربي”، قبل أن يصطنعه الأميركيون ويفرضوه عليهم، فالمنطقة مهددة، في هويتها القومية بخطر إسرائيلي داهم.
وماذا ينفع العرب أن يكون ثمن خلاصهم من صدام حسين الوقوع في شراك إسرائيل الكبرى المعززة، الآن، بوجود أميركي “مشروع” ومبرر ومدفوع ثمنه ضحايا وطائرات وجهداً عسكرياً لم يعرف له العالم مثيلاً لا في الحرب العالمية الثانية ولا بعدها.
إن الغياب السياسي العربي عن مسرح العمليات مفجع، أفليسوا هم المعنيين؟!.
أليست فرصة لإعادة تجميع الصف العربي وجبه صدام حسين بحقيقة أنه قد فقد “أنصاره” الذين كان وعدهم بتقاسم ثمار النصر، وإنه صار في السياسة وحيداً كما هو في الميدان العسكري، وإلزامه بالتراجع قبل أن يضيع العراق… من غير أن يفيد ضياعه في عودة الكويتيين إلى كويتهم العزيزة؟!
ومؤلم أن يكتشف العرب أن “حلفاءهم” الكبار يتخذون منهم، عبر العراق، حقل تجارب، ويعاملونهم وكأنهم “فئران تجارب”… إذ فيهم قد جربت، خلال المعارك مجموعة من الأسلحة الجديدة التي تستخدم للمرة الأولى ضد أهداف حية!
وإذا كان صدام حسين بهوسه وقصر نظره وتعنته وإصراره على الخطأ قد ورط الأمة في حرب مدمرة تهددها في حاضرها ومستقبلها، أفلا يفترض بسائر الملوك والرؤساء العرب، وفيهم من لا تنقصه الحكمة، أن يتصرفوا بسرعة وبحزم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
لقد أعلنها “التحالف الدولي” بلسان الرئيس الأميركي جورج بوش كما بلسان “معاونه رئيس الحكومة البريطانية جون مايجور، إنهم لا يريدون رأس صدام، وإنما تدمير العراق كقوة عربية،
أفلا يقتضي الواجب القومي أن يعمل المخلصون من أجل عكس الآية بحيث ينصب الجهد على استنقاذ العراق بدلاً من إنقاذ “رئيسه” الذي يجره من مغامرة إلى مقامرة، ويجر معه الأمة إلى أبأس مصير تخيله لها أعداؤها على مر التاريخ؟!
من يبادر؟
من يتخذ الخطوة الأولى لإنقاذ العراق بعدما عز من قبل إنقاذ الكويت؟!
من ينقذ الأمة، أو ما تبقى منها؟!
والسؤال موجه إلى العرب وليس إلى من “بشر” عبر الحرب على العراق بالنظام الكوني الجديد الذي سيقوم على حساب العرب وبدمائهم وثرواتهم بغير ما ضمانة إلى أن مكانهم فيه سيكون متناسباً مع ما تكبدوه من أكلاف لأجل قيامه وبالزعامة المطلقة للرئيس بوش.

Exit mobile version