طلال سلمان

على الطريق من يرّد على التحدي الإسرائيلي لقمة “الأمن القومي” البغدانية؟

لم يتأخر التحدي الإسرائيلي لقمة بغداد وقراراتها التي أكدت أن للعرب بمجموعهم أمنهم القومي، وإن أي تهديد يستهدف أياً من أقطارهم إنما يستهدفهم جميعاًز
فقبل أن يجف حبر هذه القرارات وجهت إسرائيل تهديداً مباشراً للجماهيرية العربية الليبية، بذريعة أنها سهلت للفدائيين الفلسطينيين الذين حاولوا تنفيذ عملية “القدس” على الساحل الفلسطيني ليل الثلاثاء/الأربعاء 29/30 أيار الماضي.
وبطبيعة الحال فإن هذا التهديد للجماهيرية وقيادتها ليس الأول ولن يكون الأخير،
قبله تعرضت الجماهيرية وقيادتها لمسلسل من التحرشات والاعتداءات ومحاولات الحصار والتضييق الاقتصادي و”عقوبات” المقاطعة،
ولقد تجاوزت الولايات المتحدة، في عهد ريغان، التهديد إلى الإجراء الفعلي فنظمت أضخم غارة جوية لاغتيال شخص العقيد معمر القذافي، مستخدمة أسطولاً من أحدث طائراتها المقاتلة والمطاردة إضافة إلى أسطولها السادس وبعض الأسطول السابع،
كذلك فلقد وجهت إسرائيل تهديدات وإنذارات عديدة إلى الجماهيرية العربية الليبية وقيادتها وشعبها لمجرد أنها تدعم الكفاح المسلح وتقول بالتحرير وترفض الصلح المنفرد مع العدو القومي.
ولقد ذهب معمر القذافي إلى بغداد ليعلن تضامنه معها في وجه التهديدات، ولعله ذهب ليقول للملوك والرؤساء العرب إن الاعتداء لا يقتل.
وربما كان التهديد الجديد، عقاباً له على مواقفه أصلاً، وربما على موقفه في بغداد أيضاً.
الملفت إن التهديد الإسرائيلي الجديد يجيء مترافقاً مع تجديد الدعم الأميركي المطلق لمشروع إسرائيل الكبرى والذي عبر عن نفسه مؤخراً بثلاثة مواقف معلنة.
*الأول – الدور الأميركي المستفز في الضغط على الاتحاد السوفياتي للتسليم بتهجير جماعي لليهود منه، وبشكل منظم، إلى الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وخارجها.
*الثاني – توصية الكونغرس باعتبار القدس “عاصمة أبدية” لإسرائيل.
*الثالث – تبني الموقف الإسرائيلي الرافض للمؤتمر الدولي، والخضوع للابتزاز الإسرائيلي القائل بقطع الحوار الأميركي مع قيادة منظمة التحرير، رداً على العملية الفدائية الأخيرة.
القاتل إسرائيلي والسيف أميركي، كالعادة دائماً… ثم إن القاضي والمدعي العام ومحامي الدفاع والمحلفين الذين سيتعاونون على تبرئة القاتل ومكافأته، حتى لا يعاني من عقدة اضطهاد لأنه “سامي”، كلهم من الأميركيين المؤمنين بحقوق الإنسان،
و”حقوق الإنسان” تقضي بأن يموّل هؤلاء الأميركيون الشرفاء عمليات تهجير منظمة ليهود الخزر السوفيات، الذين لم يسمعوا بفلسطين أو حتى بأرض إسرائيل إلا في التوراة، إلى فلسطين وما جاورها من بلاد، فيحتلون أرضهم بالقوة ويخرجونهم من بيوتهم بالقوة ويطردونهم إلى حيث القت… وذلك من أجل إقامة واحدة الديموقراطية والتجسيد الحي لمبادئ العالم الحر في دنيا التخلف العربي!!
للبولوني، وللتشيكي، وللمجري، ولأي مخلوق غربي تهود أو تحدر من متهود أو كان يهودي الأصل، الحق المطلق في بيت أي عربي وفي أرزاقه وفي أرضه وتاريخه وهوائه وشمسه وأحلامه،
فالإنسان، في العلم الأميركي والغربي الحديث، هو اليهودي الغربي، أما العربي – مسلماً كان أم مسيحياً – فليس إنساناً في نظر هذا العلم، وبالتالي فليست له حقوق، خصوصاً وإنه لم يثبت – آدميته”، ولا هو استطاع حماية حقوقه بحد السيف.
المهم إن أولئك الملوك والرؤساء العرب الذين احتشدوا بدعوة من ياسر عرفات في قمة بغداد، والذين استمعوا إلى مضيفهم الرئيس العراقي صدام حسين يبلغ العالم كله أنه سيرد على أية ضربة إسرائيلية بضربة أشد، والذين شربوا حليب السباع فأصدروا بياناً “عنيفاً” وبلغة لم يألفوها يؤكدون التزامهم بموجبات الأمن القومي ويعلنون تضامنهم مع أي قطر يتعرض لاعتداء.
المهم أن هؤلاء الصناديد الذين حملهم الخوف إلى بغداد، والذين تلاقوا فيها خائفين، وإن بقي خوف كل منهم فردياً، يواجهون الآن امتحاناً جديداً،
فلا تل أبيب صدقت إعلان إيمانهم بالأمن القومي أو تهيبت اجتماعهم وبيانهم “القومي”،
ولا واشنطن بدلت حرفاً في موقفها المنحاز بالمطلق إلى إسرائيل ومشاريعها التوسعية على حسابهم.
بل لقد تمادت واشنطن وذهبت في عدائهم أبعد، معرضة علاقتها الجديدة مع الاتحاد السوفياتي بقيادة ميخائيل غورباتشوف إلى هزة لن تنتهي عند حدود التعارض والاختلاف على واحدة من الأزمات المفتوحة،
هل يحمي قادة العرب كلمتهم في قمة الخائفين فرادى؟!
هل ينتصرون على خوفهم، مرة، فيبدلون “قدر” الاستسلام لإرادة العدو؟!
هل يحمي كل منهم نفسه بحماية أخيه، فمن يسكت عن ضربة اليوم سيُضرب غداً؟!
إن إسرائيل البلا حكومة، والمنقسمة قواها السياسية على نفسها إلى حد العجز عن تشكيل قيادة مشتركة للحكم، أقوى من العرب مجتمعين… وهي تهدد ملوكهم ورؤساءهم المحتشدين في قمة صاخبة الكلمات غالية التكاليف على الضيوف والمضيف.
وإن إسرائيل البلا حكومة لها في واشنطن من الأهمية والقيمة والاعتبار ما لا تعطيه واشنطن لمجموع الملوك والرؤساء العرب بألقابهم المهيبة وأنسابهم الشريفة وبيادر الأوسمة التي تضيق بها حقول صدورهم المنفوخة زهواً.
هل يقبل العرب التحدي، وهل يردون عليه؟!
هل يؤكدون، بالفعل، تضامنهم مع الجماهيرية وشعبها وقيادتها، أم سيكتفون ببيانات الشجب والاستنكار، وربما الرثاء، بعد فوات الأوان؟!
هل يحولون، مرة، كلماتهم إلى موقف بحيث يحترمهم عدوهم ويخافهم ويتهيبهم “صديقهم” الأميركي فيتوقف عن ابتزازهم ومصادرة إرادتهم (وإيراداتهم الهائلة)؟!
في انتظار الضربة لا يملك المواطن العربي غير بقية باقية من أمل يتشبث بها حتى لا تجرفه لجة اليأس المحيط ومعه حكاية الأمن القومي ووعود القمم العربية!… لاسيما متى كانت استثنائية!!
كرامي: بطل لا ضحية..
لا يخطئ الحدس الشعبي، في الغالب الأعم، في تصنيفه للقيادات السياسية وترتيب منزلة كل منها في النفس، مستدلاً بالسلوك والقيم الثابتة.
ورشيد كرامي غاب من حياتنا اليومية لكنه استقر في الوجدان الشعبي كبطل.
وهو قد اكتسب مرتبة البطل بعد استشهاده ، ولم يعامله الناس كضحية بل رأوا أنهم هم المستهدفون باغتياله، وهم المراد لهم أن يكونوا مجرد ضحايا.
ولأن الشعب لا ينسى المخلصين من قادته، فقد خرجت طرابلس تحيي بطلها وشهيدها رشيد كرامي في ذكراه الثالثة يوم أمس.
كأن الحزن أعظم منه يوم الاستشهاد، ولكن إلى جانب الحزن برز شعور آخر: لقد عرف الناس القتلة بأسمائهم الصريحة، وقطع الشك باليقين.
القتلة هم تحالف ميشال عون – سمير جعجع، والدليل قاطع: برغم الحروب الوحشية بين الزمرتين – التوأمين، وبرغم حملات التشهير اليومية التي لم تتورع عن نبش القبور وكشف المستور من الجرائم، فلقد التزام كلا الطرفان بالصمت وامتنع عن الإشارة إلى دور الآخر في جريمة اغتيال رشيد كرامي.
طرابلس بخير، الشمال بخير، والهواء المعطر بدم الشهادة ينعش الأمل بالغد هناك، ويعزز الثقة بوطن المستقبل في لبنان.
أهل الشهداء، من آل معوض إلى آل كرامي، ومعهم آل فرنجية، بين الأعظم إيماناً بوحدة لبنان وعروبته وحقه في غد أفضل.

Exit mobile version