طلال سلمان

على الطريق من “نبوءة” الفوضى إلى القرار بالحل

من المصادفات الطيبة أن يصل “مشروع الحل العربي” للمسألة اللبنانيةن بطبعته المنقحة والمزيدة، إلى بيروت المهجورة، في الذكرى السنوية الأولى لإطلاق ريتشارد مورفي الإنذار الأميركي الشهير بفوضى لا تبقي ولا تذر إذا لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وهي مصادفة تستدعي التأمل وتستولد الكثير من المقارنات وتستحث على شيء من الصراحة مع النفس ومراجعة التجربة المرة والعمل بكل الوسائل المتاحة لإنهاء زمن الجدب والبؤس والخراب والجنرال (وشركائه على مختلف المحاور!)، وإبطال مفعول تلك “النبوءة” الشريرة التي تيسر لها من يحققها بكفاءة منقطعة النظير!
… خصوصاً وإن العرب يواكبون مشروعهم بحركة نشطة تسمح بافتراض تحوله إلى “قرار” برسم التنفيذ فيه من قوة التصميم وله من قوة الدعم ما يمنع تعطيله، بغض النظر عن فاعلية المستفيدين من التعطيل.
وهي لغة جديدة على الأذن العربية هذه التي صيغ بها “القرار”، تستكمل ملامحها في الشروحات والايضاحات التي قدمها سعود الفيصل وبأسلوب جديد لم تألفه السعودية من قبل،
“مشروع الحل العربي” يجيء، الآن، من جدة عبر دمشق، إلى بيروت المطفاة العين والقلب، على قاعدة قرار قمة الدار البيضاء وباسم اللجنة العربية الثلاثية المكلفة منه والمفوضة من العالم أجمع، بغربه وشرقه وسائر الجهات الأصلية والفرعية،
و”المشروع” يقترب من صورة “القرار” بفضل التحديد الصريح للعوامل التي أسهمت في إخراج اللجنة ومهمتها من الطريق المسدود: نعم كان هناك خلاف حول بعض المفاهيم وقد سوي.
وسعود الفيصل يجيء إلى دمشق لتوكيد انتهاء الخلاف، وليعزز فرص النجاح أمام مندوب اللجنة و”فدائيها” الأخضر الإبراهيمي في بيروت التي تنتظره بلهفة الأرض العطشى إلى دفقة مطر بعد دهر من الجفاف،
ثم إن المشروع يقترب أكثر فأكثر من صيغة القرار حين يحدد الخطوات التنفذية ومواعيدها،
لكأن هذا المشروع يرسم طريق الخروج من “نبوءة” مورفي ومن أسار عجز الذين برروا صدورها ثم حققوها على حساب لبنان وبدماء اللبنانيين،
فالذين يتباكون على الدولة هم الذين سرعوا تهديمها واندثارها،
والذين يدعون الحرص على الشرعية هم الذين هتكوها واستباحوا البلاد باسمها وباستغلال شكلياتها لإسقاظ مضمونها،
والذين يضفون على “الرئاسة” قدسية مبتذلة لم يظهروا أي قدر من الندم على خلو سدتها وتحول قصرها إلى ملجأ لضابط أرعن حاصر اللبنانيين كلهم بالموت واليأس وحرب التحرير التي حققت أعظم نجاحاتها بجلاء المحتلين الأميركيين بقيادة جون ماكارثي…
السؤال الآن: هل يكفي عام من الفوضى لعودة الوعي وانتباه اللبنانيين جميعاً إلى حيوية دورهم وضرورته للخروج من هذه الدوامة الدموية التي تعصف بوجودهم وبمستقبل أجيالهم الآتية؟!
هل آن الأوان لاعتراف صريح بطبيعة هذه الحرب، وإنها في جوهرها حرب أهلية، حتى مع التسليم بأن ثمة أطرافاً عربية ضالعة فيها، ومع التوكيد على الدور الإسرائيلي الدائم في تغذيتها وتأمين استمرارها كلما أوشكت أن تهدأ نارها؟!
ألا يكفي الاختلاف على هوية البلد وانتمائه القومي ثم على طبيعة النظام ومواقع السلطة فيه وحقوقه ومواطنيه في أرضهم وواجباتهم إزاء دولتهم، وكذلك على علاقاتهم مع الشقيق الجار ودورهم في مواجهة العدو والطامع… ألا تكفي كل هذه الأسباب لتوكيد “أهلية” الحرب؟!
وهل إذا تأكد ضلوع أطراف عربية فيها تنتفي أهليتها؟!
هل اللبنانيون من سكان المريخ، أم هم بعض هذه الأمة التي تعيش مرحلة قاسية من مراحل تطورها واستكمال شخصيتها وتلمس طريقها إلى غدها الأفضل؟
وهل اللجنة العربية مجموعة من الخبراء الأجانب أو الأطباء الزائرين يأتون لعلاج مريض لا يعنيهم إلا “كحالة” طارئة أو استثنائية، أم إنهم “أهله” ومعنيون به لأنه منهم وفيهم صحته دليل عافيتهم ومرضه إنذار باعتلالهم وخطر الهلاك؟!
هل آن زمن الوعي؟!
وهل سينتصر الوعي على الإرهاب وعلى جنون العظمة وأوهام التميز عن العرب المتخلفين، فيذهب النواب إلى حيث يمكنهم أن يتلاقوا فيناقشوا بهدوء وبمسؤولية سبل الخروج من زمن الحرب إلى عصر السلام الوطني المنشود؟!
هل آن زمن الانتقال من الكيان إلى الوطن، ومن المزرعة إلى الدولة، ومن الصنم المقدس إلى الرئيس المسؤول والخاضع للمحاسبة، ومن الجمهور المقسوم إلى ممتازين ورعايا إلى الشعب المكون من مواطنين متساوين في الحقوق كما في الواجبات؟!
هل آن زمن الالتفات إلى النفس بالمحاسبة بدلاً من رمي الجميع بالاتهامات وادعاء البراءة، في حين إن ليس بين من عاش هذه المرحلة من اللبنانيين بريء؟!
هل آن زمن البحث الجدي عن الحل، أم ستستمر المماطلة والمماحكة ونصب الأفخاخ والكمائن في انتظار أن تمل اللجنة فتنصرف عنا، ونظل ننتظر أساطيل لن تجيء وحلولاً مستوردة وجاهزة لم يقم الدليل على إن أحداً غير أهلنا العرب معني بمساعدتنا على صياغتها بما يتناسب مع أوضاعنا باعتبارنا بعضهم وأولاهم بالرعاية بسبب مرضنا؟!
هل ترتفع أصوات المكمومة أفواههم بالرهبة أو بالرغبة في استمرار الامتياز، فتعلو على أصوات المنتفعين بالحرب وبغياب الدولة واندثار الوطن؟!
هل تثبت القيادات اللبنانية، مرة، إنها في مستوى الحل ، وهو أصعب من الحرب ويتطلب قدراً أكبر من الشجاعة ووضوح الرؤية؟!
إنها أيام حاسمة في تاريخ لبنان، فمن لديه كلمة فليقلها،
لقد نطق حتى “الصامت الأكبر” بين العرب، فقال ما كان اللبنانيون يأملون سماعه في تحديد المسار إلى الحل،
وبقي أن يسمع أهلنا العرب (والعالم) الجواب من بيروت وفيها،
وليس عبر المدافع يكون الجواب، بل هي الوسيلة لجعل لبنان وجوداً ومصيراً موضوع السؤال المقلق والمخيف.

Exit mobile version