طلال سلمان

على الطريق من لطائف الطوائف!

لا بأس من بعض اللطائف والطرائف وبدع الطوائف، في انتظار تشييع ضحايا الحرب الجديدة بين “الأخوة – الأعداء” في إقليم التفاح الذي يُقتل أهله أو يهجرون وتهدم منازلهم وتهدر كراماتهم وأرزاقهم من أجل “القضية”… والقضية هناك، كما في الضاحية وبعض بيروت الغربية التي تحرقها نار هذه الحرب المفتوحة، هي: هل قرار الجنوب هو في يد “حركة أمل” أم في يد “حزب الله”؟!
لا تهم حقيقة إن المقتتلين جميعاً في “الإقليم”، المحاصر بين قوات العدو الإسرائيلي وبين “جيش” تابعه أنطوان لحد، يديرون ظهورهم إلى العدو، ويوجهون قذائف مدفعيتهم الثقيلة والصواريخ ورصاص رشاشاتهم السريعة الطلقات إلى صدر الجنوب والجنوبيين (وهم في الغالب منهم)… فالمعركة تفرض أن يتم الآن، الآن الآن وليس غداً، تحديد من يمثل “الشيعة” ومن ينطق باسمهم، وبعد ذلك تتفرغ “الطائفة” الموحدة القيادة والقرار (!!) لمعالجة الأمور الأخرى، وهي تأتي في المرتبة الثانية في أي حال.
الطائفة أولاً،
قرار الطائفة، قيادة الطائفة، موقع الطائفة في السلطة، دور الطائفة في حماية الكيان، علاقات الطائفة الدولية، علاقاتها الإقليمية، ثم يمكن تحديد الموقف من إسرائيل وحزامها الأمني و”لحدها” وسائر التفاصيل!
الطائفة أولاً، ثم نناقش أمر الوطن وحقوق مواطنيه في دولته والمؤسسات،
وهذا ما استوجب أن يسافر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إلى إيران، وأن يخوض معركة حقيقية شرسة، وأن يتحمل ما لا يطيق وما لا يليق وما لا يجوز، لكي ينتزع الاعتراف بأن مرجعية الطائفة في لبنان إنما هي في المجلس الشيعي، هنا في مكان ما من بيروت وضواحيها، وليست في “قم” أو في القيادة السياسية والمرجعية الدينية في إيران.
الطائفة أولاً، والطائفة بما هي سياسة وليس بما هي عقيدة ورباط مذهبي أو اجتهاد فقهي.
الطائفة بما هي موقع في السلطة ودور في اللعبة السياسية بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية.
فالطائفة فوق “الدولة”، ولكنها تحت “الدول”، و”القرار الدولي”، وهي تحاول أن تؤثر فيه ليأتي منسجماً مع مصالحها التي لا تتطابق ، بالضرورة، مع مصلحة الوطن ومواطنيه!
الطائفة أولاً،
ولهذا ينجح وليد جنبلاط الدرزي في إحراج الموارنة عبر “المؤتمر المسيحي” الذي عقده في بيت الدين قبل يومين،
لقد خاطبهم باسم طائفته صراحة، واستذكر التاريخ المشترك للطائفتين اللتين كانتا معاً نواة الكيان اللبناني، ودعاهم – بصيغة أو بأخرى – إلى تجديده،
وصحيح إنه حرص على التوكيد إن اللقاء الذي دعا إليه ليس “صفقة منفردة” بين الطائفتين ، ولكنه حرص أيضاً على أن يبقى اللقاء “مؤتمراً مسيحياً” تحت الرعاية الدرزية المباشرة، لا يشارك فيه من “الخارج” أحد، ولا تطرح فيه أي مسألة تتعدى إطار العلاقات التاريخية بين الدروز وبين المسيحيين عموماً، والموارنة منهم على وجه الخصوص.
إن المهجرين من غير أبناء الجبل غير معنيين، وهم غير مدعوين في أي حال،
كذلك فإن مهجري الطوائف الأخرى، إسلامية ومسيحية، متروك مصيرهم لأصحاب القرار في طوائفهم،
ولقد جاء الرد “المسيحي” على مؤتمر وليد جنبلاط من الطبيعة نفسها، فصار “الحوار” وكأنه توكيد للصفقة المنفردة، لشروطها أو لاحتمالاتها، التي حاول زعيم دار المختارة أن يبرئ هدفه من شرورها،
ومع التقدير للذكاء السياسي الذي أملى هذه المبادرة التي تحاول أن تعطي نفسها بعداً وطنياً، لاسيما عبر الحديث عن العروبة كقدر، وعن الطريق الأقصر والمضمون إلى العروبة، طريق دمشق، فإن المناخ الطائفي السائد بقي أقوى من قدرتها على الاختراق وعلى التأثير الوطني المنشود.
إن الأغلبية الساحقة من المهجرين، عبر سنوات الحرب الطويلة، لم تجد نفسها معنية بالمؤتمر ولا حتى بنتائجه… فهذه الأغلبية لا يذكرها أحد، ولا يتحدث عنها أحد، ولا يطالب بعودتها أحد بل إن من يفكر الآن بإثارة حقوق مهجري النبعة وبرج حمود والدكوانة وتل الزعتر (من اللبنانيين) وحارة الغوارنة وجسر الباشا، وحي الأشهب، والتحويطة الخ يمكن أن يتهم بنكأ الجراح وإثارة النعرات الطائفية!!
مع ذلك، فلا أحد يتمنى لمؤتمر بيت الدين غير النجاح… في غياب أي مشروع آخر أو أي اهتمام آخر بالمهجرين، من ضمن منظور وطني شامل!!
الطائفة أولاً،
والطائفة فوق الوطن، بل إن حدودها تمتد خارجه إلى حيث يوجد “واحد من أبنائها”!
وهكذا فإن غبطة البطريرك الماروني نصر الله صفير قد وجد في وقته وفي جهده فائضاً عما تحتاجه المبادرة الرئاسية، فإذا هو ينهمك ويبدي انشغال بال جدياً حول مسألة دقيقة وحساسة جداً تتعلق بـ “… “شمول تطبيق قانون التجنيد الإجباري، أبناء الطائفة المارونية الموجودين في شرقي جزيرة قبرص”!
صحيح إنهم، هناك ، قبارصة، وصحيح إنه هنا، لبناني، لكن الطائفة تجمع من وما تفرقه الأوطان!
وببساطة استدعى البطرك الماروني أمين عام وزارة الخارجية (الماروني) فاعتذر لانشغاله بتعليمات العماد ميشال عون (الماروني) وأوفد إليه موظفين مارونيين، ليناقش معهما كيف يمكن لدولة الموارنة في لبنان أن تتدخل لاستثناء الموارنة من مواطني قبرص من الالتزام بموجبات قانون العلم… القبرصي، سواء أكان تركيا أم يونانياً!
الطائفة أولاً، الطائفة ثانياً، الطائفة ثالثاً، ثم تاتي بقية الطوائف!
أما الوطن فحديثه مؤجل حتى تستقر صيغة التعايش بين طوائف كل منها ترى في نفسها أمة تامة، وترى في نفسها إنها “شعب الله المختار”، فإذا ما غفلت أو تناست أو أوشكت أن تنسى ذكرها قادتها الميامين بهذه الحقيقة التي… تلغي الأوطان!
وسلام على الوطنيين في كيان الطوائف المجيدة!

Exit mobile version