طلال سلمان

على الطريق من فلسطين إلى مصر: أبعد من الخليج وأعلام الحماية

… أما وقد هدأت (؟)، نسبياً ومؤقتاً، جلبة الحرب، وأعاد حكام الجزيرة والخليج سيوفهم إلى أغمارها، وكلفوا أبسطهم وأبرأهم الشيخ زايد بفتح باب الكلام مع “العدو الإيراني”،
… أما وقد عاد هؤلاء الحكام، ولو بالاضطرار، إلى حديث المصالح المشتركة المرتكزة إلى حقائق الحياة (والجغرافيا)، الباقية – بعكس الأساطيل الغربية الغريبة وأعلام الحماية المستأجرة -،
… أما وقد جاء كارلوتشي، ثم ذهب كارلوتشي، فلم يطمئن خائفاً ولم يغث ملهوفاً،
… أما وقد جاء حسني مبارك فجال وقال ما لا يغني ولا يسمن من جوع، فلا تقدم جيشاً يشارك في الحرب، ولا هو قدم جهداً يقرب موعد السلام،
فقد يكون مفيداً أن يتم التركيز، مجدداً، على بعض البديهيات، أو أن يعاد إليها الاعتبار، حتى لا يظل حكام العرب يسبحون فيمحيطات الخطأ والخطيئة فيفقدون مع الثروة الكرامة، ومع الحاضر المستقبل، مستقبل أنظمتهم و”رعاياتهم” المغيبين تماماً من مركز القرارز
*أولى هذه البديهيات:
إنه لو كانت “مصر” حاضرة فعلاً، وصاحبة دور فعلاً، لما كانت نشبت حرب الخليج أصلاً.
وبغض النظر عن كيف بدأت الحرب ومن بدأها ولماذا ولخدمة من، فالمؤكد أنها ما كان يمكن أن تنشب، أو تتوسع وتمتد كل هذه السنوات العجفاء، لو لم تكن مصر غائبة ومغيبة وملغى دورها تماماً، ومغلولة اليد والإرادة “بالزيارة” ونتائجها المدمرة ممثلة بالصلح المنفرد ومعاهدات كامب ديفيدز
*ثانية هذه البديهيات:
لو كانت مصر “موجودة” و”حاضرة” وصاحبة دور، كالذي تستحقه، لما تجرأ حكام العرب عموماً على خيانة أهداف النضال العربي، وتزوير طبيعة المعركة ، بالعدو فيها والميدان والأهداف المقدسة.
لقد تجرأ النظام المصري على أمته، فسهل على الحكام الآخرين أن يتجرأوا عليها، وتحول من قوة ردع للمنحرفين، وقوة دعم للمناضلين، وبوصلة تهدي الضالين إلى الصراط المستقيم، فتشجعوا بانحرافه ومضوا أبعد منه متذرعين بأنه “كبيرهم” و”عظيمهم” و”حكيمهم” و”قائدهم”، وهكذا ، هانت عليهم أرضهم وثرواتهم، مكانتهم ودورهم في الدنيا، وتملصوا من أعباء النضال متخففين من قضية فلسطين والصراع مع أعداء الأمة، وجوداً، ومصيراً، متذرعين بغياب مصر.
أي أنهم كانوا يدفعون النظام المصري إلى مزيد من الانحراف، ثم يندفعون خلفه بخطى بطيئة قائلين : لم نصل إلى ما فعله، ولم نتجاوز الحدود، ونحن في كل الحالات لا نملك في غيابه أن نصمد في مواجهة أعدائنا الأقوياء.
*ثالثة هذه البديهيات:
إن النظام المصري (السادات أولاً وأساساً، ثم مبارك)، قد افتدى نفسه ببلاده. ضحى بمصر ليبقى في السلطة. ولو استعدنا اليوم كل ذرائع السادات في “زيارة” العار ثم في الصلح المنفرد، لأمكن تلخيصها بأنه يريد أن يحكم بلا تعب. ويريد أن يبقى في السلطة فلا يعطي الفرصة لغيره، أو لجيل آخر، ويريد أن يعوض سنوات الفقر، فقره الشخصي، ولو اقتضى الأمر أن يبيع تاريخ مصر (الآثار) وأرضها وكرامتها للقادر على الدفع.
وها هي الأنظمة العربية تفكر بالطريقة نفسها، وتتصرف بالطريقة نفسها: الهم أن تبقى هي، وأن تبقى في السلطة، وأن تبقى لها الثروة، حتى لو رهنت كرامة البلاد وباعت أعلامها في سوق النخاسة واستقدمت الأساطيل المعادية بالضرورة، وللعرب أكثر منها للإيرانيين.
*رابعة هذه البديهيات:
إن الأساطيل لم تأت تلبية لطلب الحكم العرب، أو لحماية أنظمة الجزيرة والخليج، بل أتت للضغط على إيران من أجل أن تفتح باب الحوار معها.
ولماذا يهتم الأميركيون للعرب الذين أولوهم مقاديرهم، حتى من قبل حرب الخليجن و”منحوهم” ودائعهم الفلكية الارقام، إضافة إلى الثروات البلا حدود؟!
لقد ارتضى هؤلاء الحكام أن يوصفوا، وأن يتصرفوا دائماً، بأنهم “عرب أميركا”، فكيف يستوي الحوار بين السيد والعبد، بل وما ضرورة هذا الحوار أصلاً؟!
وطبيعي أن يتجه الأميركيون والغرب إلى الطرف الأقوى والفاعل، أي إلى إيران الثورة، وقد استخدموا العرب تكتيكياً، وكديكور ، من أجل “إقناع” الإيرانيين بضرورة الإسراع في فتح باب الحوار والتوافق.
بل لعلهم يلوحون الآن للإيرانيين بإمكان تقاسم الثروات العربية، أو فلنقل: ثروات المنطقة عموماً.
… ولعلهم أيضاً يلوحون للسوفيات بإمكان عقد الصفقة، التي ستتم – إذا ما تمت، ومتى تمت – على حساب العرب بالتأكيد.
*خامسة هذه البديهيات:
إن الأساطيل الأميركية (والغربية) لم تغير شيئاً على الصعيد الحربي، فلا هي حمت من يعتبرون أنفسهم مهددين، ولا أوقفت الحرب، ولا هي أسقطت نظام الخميني.
فقط جعلت العرب يدفعون المزيد من ثرواتهم في أتون الحرب، “إيجاراً” للأعلام ولسفن الحماية، وإدامة لوجود الأسطول الذي ما تزال الزوارق الإيرانية تتحرك عبر قطعه بكل حرية وكأنه غير موجود أصلاً.

Exit mobile version