طلال سلمان

على الطريق من عبادة المفاوضات إلى عبادة الطاولة

من المفارقات، إن المبعدين الفلسطينيين الـ 415 الذين يحملون آراء تدعو إلى رفض أي تفاوض مع إسرائيل من الأساس.. قد أصبحوا الآن، رغماً عنهم، على هذه البقعة من الأرض بين معبر “زمريا” ونقطة الجيش اللبناني.. أصبحوا ورقة على طاولة “المفاوضات”.
الإسرائيليون لا يضيعون الوقت في محاولة إنهاك “الجبهة” التي يستند إليها المفاوض الفلسطيني، إنها جبهة العلاقات الداخلية بين القوى الفلسطينية الرئيسية ذاتها التي تقودها الآن منظمة التحرير وحركة حماس.
كل اللعب الإسرائيلي يرمي إلى هذا الإنهاك.. لأنه لا يغيب عن بال إسحق رابين المؤدى النهائي وهو إن كل ضعف على الجبهة الفلسطينية الداخلية يؤدي إلى مزيد من إفراغ محتوى أي مشروع حل للضفة والقطاع، وهو “الحل” الذي يكاد يصبح لا شيئاً خلال مسار لعبة الضغط الإسرائيلي والتنازل الفلسطيني على الطاولة، بل قبل الوصول إليها.
حتى اقتراح الأقلية “اليسارية” الممثلة بـ “ميريتس” داخل الحكومة الإسرائيلية، بإجراء تفاوض رسمي مع منظمة التحرير، هو اقتراح يرمي إلى الاقتراب من المنظمة في لحظة صعود “حماس”.. إذن إلى اللعب على التناقضات لصالح تقارب يستحصل من ياسرعرفات على مزيد من التنازلات. لكن رابين العتيق يبدو غير مستعجل ويرى في اقتراح “ميريتس” خطوة سابقة لأوانها قبل أن “ينضج” ما يعتقده، قلق عرفات على زعامته الفلسطينية.
على الجهة العربية تتحرك “دول الطوق” وتوقيت اجتماعها اليوم من حيث الأساس ملائم جداً لرد عربي على الضغط الإسرائيلي. فهل تكون القرارات بالمستوى المطلوب لإحباط هذا الضغط؟
المشكلة أن أطرافاً أساسية في اجتماع اليوم تدخل إليه، وهي تتخلى سلفاً عن الورقة التي بإمكانها أن تسحب من إسرائيل جزءاً مهما من الانفراد بلعبة تهديد استمرار عملية المفاوضات. إذ أن هذه الأطراف، وخصوصاً مصر، تعلن تمسكها بالتفاوض كما لو أنها تضع للاجتماع هدفاً مسبقاً هو حماية هذه العملية من أي موقف عربي حيالها. بينما الأساس هو أن يكون الاجتماع لتقوية الموقف العربي، وفي صلبه الآن الفلسطيني، وليس بالتفاوض بذاته كهدف. أليس هذا ما تفعله إسرئايل في سلم الأولويات من حيث تغليبها لموقعها على الطاولة وليس للطاولة نفسها؟
لهذا فإن دول الطوق مدعوة حيال التصعيد الإسرائيلي الفعلي الذي يغلق كل الأبواب أمام بلورة مواقف عربية معتدلة حتى لدى الذين لم يتركوا شيئاً على الجانب الفلسطيني لإثبات اعتدالهم.. مدعوة إذن إلى التهديد بالانسحاب من العملية التفاوضية برمتها الثنائية كما المتعددة إذا لم تنفذ إسرائيل قرار الهيئة الدولية العليا الذي وقعت عليه الولايات المتحدة نفسها، والقاضي بإعادة المبعدين؟
يجب أن يكف اللعب بمصير المفاوضات عن أن يكون ورقة إسرائيلية فقط.. حتى من أجل إنقاذ هذه المفاوضات نفسها؟
عدا ذلك.. سيستمر البرد قارساً قرب معبر زمريا.. كذلك المستقبل العربي.

Exit mobile version