طلال سلمان

على الطريق من بيروت إلى طرابلس مروراً بدمشق إرهاب السلام الأميركي!

كل عربي إرهابي حتى يثبت العكس، ولن يثبت،
وكل يهودي ضحية “إرهاب” ما، حتى يثبت العكس، ولن يثبت،
وواشنطن تتولى مكافحة “الإرهاب” بوصفها القيمة والمؤتمنة على “حقوق الإنسان” في أربع رياح الأرض!
وبموجب اللوائح الأميركية لهذه “الحقوق” فإن “الإنسان” الوحيد في الكون هو اليهودي الذي لا تكتمل شروط إنسانيته إلا بالتحول إلى إسرائيلي ينتزع أرض العربي ويهجره منها، هذا إن لم يقتله أو يسجنه، حتى لو كان دون سن البلوغ!
مرة أخرى، وبتوقيت مدروس تماماً، توجه واشنطن تهمة الارهاب إلى العرب، مستغلة جريمة شنيعة لا يقرها ضمير ولا يقدم عليها عاقل وهي تفجير طائرة مدنية بركابها في الجو.
لكأنما المطلوب محاصرة العربي دائماً في خانة المتهم والمرتكب والمذنب والمدان، بحيث ينشغل بالدفاع عن نفسه ومحاولة تبرئة الذات فيخسر موقعه القوي كصاحب حق اغتصب منه عنوة وبالإرهاب، وكصاحب قضية عادلة ضيعها الإرهاب العالمي الذي تمتد شبكته من القدس إلى واشنطن مروراً بلندن عاصمة الاستعمار القديم (وهو ليس شيئاً آخر غير الإرهاب) والسمسار الممتاز للاستعمار الجديد (وهو الإرهاب بطبعة منقحة ومزيدة ومعززة بتكنولوجيا عصر الكومبيوتر).
من قبل، وعلى زمن الثورة وحالة النهوض القومي، كان المصري بل العربي عامة، وكان اسم “ناصر” هو معادل “الإرهاب” آنذاك… ثم صار “الفلسطيني”، المناضل من أجل أبسط حقوقه كإنسان في أرضه هو “الإرهابي” النموذجي. ومن بعده جاء “السوري” خصوصاً بعد قراره الشجاع يخوض حرب تشرين المجيدة جنباً إلى جنب مع المصري، ثم بعد دخوله لبنان لوقف الحرب الأهلية ومنع الاختراق الإسرائيلي لنسيجه الاجتماعي الذي بلغ ذروته عبر اتفاق العار الشهير باسم 17 أيار.
في السنوات الأخيرة تركز الضوء على معمر القذافي والمؤمنين بمقولاته الثورية، وشنت الحملات الإعلامية المدروسة على هذا القائد العربي المؤمن بالوحدة والتحرير والنضال ضد الهيمنة الأجنبية، ثم جاء زمن العقوبات والحصار الاقتصادي ومحاولات الضغط العسكري المباشر، إلى أن توّج ريغان ذلك كله بالغارة الجوية التي استهدفت قتل القذافي وأسرته، على مسمع من العالم كله وأمام عينيه!! وكانت بريطانيا هي المحرض وعميل المخابرات ومحطة الانطلاق للمائتي طائرة التي اشتركت في حماية الطائرات المغيرة وحماية الأجواء من بريطانيا وعبر إسبانيا وصولاً إلى باب العزيزية في طرابلس،
بعد ذلك جاء دور لبنان واللبنانيين فأمرت الإدارة الأميركية بالحجر عليه وعليهم، وكأنهم الطاعون، على حد وصف جورج شولتس!
اليوم يعاد الشريط مرة أخرى وتحضر الأجواء لغارة هائلة ضد ليبيا والقذافي، ودائماً بحجة الإرهاب، لكن بإمكان بوش الآن أ، يغطي الاعتداء الجديد “بالشرعية الدولية” التي صارت عبر مجلس الأمن مجرد ختم تحت تصرفه يمهر به كل قرار يريد اتخاذه لتأديب هذا الشعب أو ذاك من أبناء العالم الثالث عموماً والعرب على وجه الخصوص.
إسرائيل تقتطع الجولان من سوريا وتعلنه أرضاً إسرائيلية غير قابلة للتفاوض، وسوريا هي المتهمة بالارهاب وليس إسرائيل الديمقراطية جداً والحريصة جداً على “حقوق الإنسان” بدليل إنها “الوكيل الحصري” لليهود بوصفهم وحدهم البشر في هذا الكون.
إسرائيل تقصف لبنان، فتدمر المدن والبلدات والقرى، تنسف الجسور وتمنع التواصل بين الجنوبيين خصوصاً وبينهم وبين اللبنانيين عموماً، وتقتل نساء وأطفالاً ورجالاً، وتهجّر ألوف المواطنين فتشردهم في ليل البرد والهزيمة واليأس ولا مغيث… ومع ذلك فإن اللبنانيين، وبالذات الجنوبيين منهم، هم الرمز الغربي الحديث للإرهاب!
إسرائيل تسقط فلسطينية الشعب والأرض في فلسطين المحتلة، تطرد عشرات الألوف، وتقيم مئات المستعمرات، وتستقدم مئات ألوف الغرباء في مختلف أنحاء الدنيا فتقتطعهم بيوت الفلسطينيين وأرضهم، وتطارد أحلام الأطفال بالعودة، وتسجن كل فلسطيني يقر ويعترف بهويته الوطنية… ومع ذلك فإن الفلسطيني هو الإرهاب ولا تسقط عنه هذه التهمة إلا إذا اعترف بسيده الإسرائيلي وصافحه وجالسه وتنازل له عن إنسانيته وعن حقوقه بالمطلق!
أما العراق فحدث ولا حرج. لقد عُوقب بذريعة خطأ صدام حسين التاريخي فدُمّرت مدنه ومنشآته، ثم عُوقب مرة أخرى بترك صدام حسين حراً في الداخل، يُفتح الطوق الأميركي لدباباته كي تبيد انتفاضة أهل الجنوب، ويتم التعامي عن طيرانه وهو يدك انتفاضة أهل الشمال… ثم وباسم الشرعية الدولية يعاقب شعب العراق بنسائه وأطفاله وشيوخه ورجاله، فيمنع عنه الغذاء والدواء، ويترك له أن ينعم بقيادة صدام حسين وعشيرته الملهمة!
بدماء مئات الألوف من عرب العراق والكويت وارتفعت شعبية جورج بوش فبلغ في مدارج الزعامة ما لم يبلغه أي رئيس أميركي (86%)!
الآن وقد انخفضت شعبية بوش فلعله بحاجة إلى المزيد من دماء العرب، الليبيين هذه المرة، لكي يوقف التدهور (الاستفتاء الأخير 41%) ويستعيد مكانته التي يهددها ضغط اللوبي الإسرائيلي.
وها هو إسحق شامير يتحرك “لنجدة” بوش وفقاً لشروطه: لك أصوات اليهود إذا اقتطعتني أعناق العرب وأراضيهم!
و”الشرعية الدولية” جاهزة،
وكذلك “ومؤتمر السلام” المعلقة جلساته في انتظار القضاء على … الإرهاب العربي.
و”العرب” يضغطون على آخر المعترضين العرب من أجل أن يذهب زحفاً إلى المفاوضات المتعددة الأطراف لكي يعطي – بعد الأرض ومعها – الماء والسماء والكرامة والحياة وسائر ما يجعله إنساناً!!
… وإلا فتهمة الإرهاب جاهزة، والطائرات في الجو، والعقوبات برسم التوقيع في مجلس الأمن الدولي الذي تحول إلى صبي في خدمة “النظام العالمي الجديد”!

Exit mobile version