طلال سلمان

على الطريق من الجنرال اللنبي إلى الجنرال كينغستون

المنظر – التاريخ هو هو يتكرر: فجا، بشعا، مهيناً، مؤلماً كجرح مفتوح توقف نزيفه بسبب نضوب الدم ليس إلا، شيء واح غاب عن الصورة – الذل لكي تكتمل دورة الفلك ويعيد التاريخ نفسه بعد ستين سنة ونيف، هو الجملة الشهيرة التي أطلقها الحقد الغربي على العرب والإسلام، بلسان الجنرال اللنبي ليحدد بالدقة – دلالة دخوله إلى دمشق يوم دخلها مع نهاية الحرب العالمية الأولى: “ها قد عدنا يا صلاح الدين”.
ولو نطق قائد الحملة الأميركية التي بدأ هبوطها في القاهرة، أمس، لقال بالحقد الغربي ذاته “… وها قد عدنا إلى مصر أيضاً يا صلاح الدين”!!!
الفارق “النوعي” بين الصورتين، إن الجنرال الأولا دخل دمشق تحت لافتة التحرير “باسم الحلفاء، أصدقاء العرب والمتعهدين لهم بالدعم والمساندة وتحقيق الطموحات العظيمة، والجنرال الأميركي يدخل القاهرة الآن تحت لافتة المناورات المتشركة بين “حلفاء” كلهم “أ؛رار” تربطهم علاقة استراتيجية ذات أبعاد أيديولوجية قاعدتها العداء المشترك للمبادئ الهدامة لاسيما وإنها مستوردة من خلف “الستار الحديدي”!
الأول دخل مطارداً – من حيث المبدأ – العثمانيين والألمان، ثم استقر محتلاً غاشماً، واكمل مشروعه في تقسيم الوطن العربي إلى كيانات متناحرة، ومحارباً شرساً من أجل زرع بذرة الدولة الصهيونية.
والثاني يدخل بأهداف صريحة وواضحة ومعلنة هي مطاردة العروبة حتى اجتثاث “أحلام” الوحدة والحرية والاشتراكية، أي حتى إبادة الطموح إلى غد عربي أفضل.
الأول دخل متكئاً على “التحالف” مع الشريف حسين وأنجاله وطموحاتهم الشخصية الساذجة، والثاني يدخل متكئاً على تحالف مطلق مع حكام الحقبة السعودية وورثة أنور السادات، وليس بينهم – في ما نعرف – من يقبل أن يتهم بالسذاجة أو الخفة أو جنون العظمة!!!
المهم أن الجنرال روبرت كينغستون يجيء اليوم وهو يعلن سلفاً عن طبيعة مهمته بحيث لا نستطيع أن نتهمه بأنه خدعنا ، أو خذلنا كما حصل مع الجنرال اللنبي.
أما الفارق النوعي الحقيقي هو أن بعض العرب، قد قاتلوا بالسلاح، عسكر الجنرال اللنبي، وافتدوا بدمهم شرف صلاح الدين والأمة العظيمة التي أنجبته، في حين أن معظم “العرب” ينظرون الآن إلى طوابير الاحتلال الأميركي وهي تستبيح أرضنا وكراماتنا وتاريخ نضالنا، نظرتهم إلى “فيلم” ظريف من أفلام “الكابوبوي” قاهر الهنود الحمر، متناسين أن حضراتهم هم هم الهنود الحمر في الفيلم الجديد!
… ومن “قوة التدخل السريع” إلى “قوة المتعددة الجنسيات” في سيناء، يعود الاحتلال الغربي (الأميركي – الأوروبي، والإسرائيلي ضمناً، بطبيعة الحال) صريحاً، لامعاً، فلا تراه معظم الأعين العربية الشائحة وراء مشروع الأمير فهد وما يحرزه من انتصارات باهرة!!
هم يأتون محتلين جدداً ونحن “نواجههم” بعرض الاعتراف بإسرائيل والتسليم بنتائج الاحتلال السابق ثم نتزاحم على تتبع أنباء “الصراع الحاد بين اللورد كارينغتون والإدارة الأميركية بسبب تأييده الحار لحقوق العربية المشروعة!
هم يستبيحون مصر ومعها السودان والصومال وعمان، ونحن نتمنى على حكام هذه الأقطار أن يتفضلوا مشكورين بحضور القمة في فاس، حرصاً على وحدة الصف ووحدة الكلمة ووحدة الموقف من أعداء الأمة وفي طليعتهم الاتحاد السوفياتي راعي الالحاد والملحدين في أربع رياح الأرض!
هل هانت علينا بلادنا، أرضنا، قيمنا، مبادئنا، تاريخنا، مشاعرنا، طموحاتنا، أحلامنا، أشواقنا إلى غد أفضل، إلى حد أن نرى المحتل يهبط في بلادنا فلا نخرج لقتاله بالسلاح أو باللسان او بالقلب وهذا أضعف الإيمان؟!
هل نلغي أعمارنا وأسماء أطفالنا التي حاولنا من خلالها أن نجد أو أن نبعث الصفحات المضيئة في تاريخنا، بما في ذلك السنوات القليلة السابقة على العصر الساداتي؟!
هل ننزع صور الشهداء المغروسة في الصدور والعيون، والقائمة فوق الجدران شهوداً على الأهلية والجدارة بالحياة الكريمة؟
… ولكن مصر التي يدنس أرضها الأميركي البشع اليوم قالت شيئاً آخر قبل أيام.
ومن حقنا أن نتوقع من مصر أن تكمل كلامها فتقول كل ما تريد قوله.
ومن حقها علينا أن نساعدها نحن بأن نقول ما يتوجب علينا قوله.
لقد قباشرت مصر الفعل، فهلا باشرت أنت حيث أنت.
وبالضبط حيث أنت
فلا مكان للحلم والأميركي البشع معاً.
وعليك أن تختار بدقة أين تقف، ومع من، ومن يقف معك.
وتلك بداية الكلام – الفعل الصحيح والمنتظر!

Exit mobile version