طلال سلمان

على الطريق من أجل سلامة الخليج… بضفتيه!

ليس من عربي واحد مكتمل النضج وغير مهووس بالسلطة، رغب سابقاً أو يرغب اليوم في نزاع مع إيران، التي رأى العرب عموماً أن الإسلام قد أعادها إلى موقعها الطبيعي كصديق وحليف وشريك في المصير،
ويحب العرب أن يفترضوا ، بل أن يصدقوا، إن جمهورية الإسلام في غيران لا تطمع في أرضهم انسياقاً مع أحلام إمبراطورية بائدة أو بحثاً عن أمجاد وهمية عبر معارك لا مبرر لها مع جيران وأصدقاء كادوا يبلغون مرتبة الأخوة نتيجة للتاريخ المشترك والتوحد تحت راية الدين الحنيف.
ومن الضروري أن يتذكر القادة والمسؤولون في إيران – الجمهورية الإسلامية – إن الأكثرية الساحقة من العرب كانت ضد الحرب التي قادها نظام صدام حسين، بل إن بين هؤلاء من اعتبر تلك الحرب حرباً على العرب بقدر ما هي حرب على الإيرانيين، ووصل البعض إلى أبعد فرآها مؤامرة وتواطؤاً مع الأجنبي على حلم الثورة التي كان مقدراً لها – لو اغتنت بأهل الإسلام من العرب – أن تغير صورة الكون كله، وأن تبدأ تاريخاً جديداً للإنسان في كل أرض.
لذا فإن هؤلاء العرب، الذين نصروا الثورة الإسلامية في غيران، وحفظوا الود والتقدير لشعوب بلاد فارس وهم يعلون رايات النضال من أجل قضايا عربية، كفلسطين، تلقوا باستهجان وبشيء من الغضب التصرف الإيراني الغريب في جزيرة “أبو موسى”.
فلا الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هو صدام حسين،
ولا إمارة الشارقة، المنضوية تحت لواء دولة الإمارات العربية المتحدة، تضمر شراً لإيران، ولا هي تعد الجيوش لدحر الثورة الإسلامية ومحاولة القضاء على إشعاعها ، بل العكس هو الصحيح.
والكل يشهد للشيخ زايد بالحكمة والتعقل والتحصن بالمسالمة وروح المصالحة، وهو الذي طالما سعى بالخير بين إخوانه وجيرانه، وكثيراً ما بذل من كرامته الشخصية ومن ماله ما يجنب بني قومه الخلافات وتفاقم الاختلال إلى حد الصدام المسلح.
كذلك فلقد قدم الرئيس الإيراني علي أكبر هاشمي رفسنجاني نفسه كرجل دولة يتميز بالتصرف المسؤول وبالحساب الدقيق وبحسن قراءة التحولات التي ترج الكون بعد استفراد قطب أوحد بالهيمنة فيه.
إذن، ففيم هذا التصرف الإيراني غير المقبول وغير المبرر في جزيرة أبو موسى، ولماذا هذا التحرش المرفوض بدولة مسالمة وغير ذات أطماع كالإمارات العربية المتحدة؟!
ولماذا هذه التصريحات الخرقاء وهذه الكتابات الاستفزازية التي تصدر عن بعض أوساط الحكم في طهران، والتي تفتح جرحاً جديداً للعرب كما للإيرانيين في حين أنهم – جميعاً – ما زالوا ينزفون، ولم تلتئم جراحهم المفتوحة بعد والتي تسبب فيها التهور وضيق الأفق ومحاولة الحصول من الأجنبي على تفويض بلعب دور الشرطي في هذه المنطقة الغنية والدقيقة توازناتها؟!
من نافلة القول إن الوطن العربي المنداح على امتداد قارتين لن ينقص إذا ما “غرقت” جزيرة “أبو موسى” ومعها “طنب الكبرى” و”طنب الصغرى”.
فمساحة هذا الوطن تكاد تفيض عن حاجة أهله التائهين في غياهب أحلامهم الكسيح وخيباتهم التي تحمل أسماء بعض حكامهم، وتحفر فوق جبينهم أوصافاً يخجلون بحملها هم الذين كانوا “خير أمة أخرجت للناس”.
كذلك فلن تزيد هذه الجزيرة التي تكاد لا ترى فوق الخريطة، مساحة إيران الممتدة مثل قارة، كما يقول أهلها، والتي يصل الفارق بين درجة الحرارة القصوى برودة ودرجة الحرارة القصوى سخونة إلى حوالى 40 درجة مئوية (بين بندر عباس على الخليج “العربي” مثلاً، وبين ذرى جبال دموند المغطاة أبداً بالثلوج).
لكن هذه الجزيرة الصغرى قد تكون شرارة تشعل ناراً عظيمة من خزان النفط الهائل، الذي تعوم عليه الجزيرة العربية، بما فيها الخليج، وبعض إيران،
وبقدر ما يلعب “المتطرفون” دوراً تحريضياً في طهران، فإن ثمة بين الأنظمة العربية من يلعب لعبة الأجنبي، فيحاول استثارة المسؤولين في الإمارات، ودفعهم إلى نزاع مع إيران لن يستفيد منه لا “العرب” ولا “الفرس” بل ستكون الولايات المتحدة الأميركية ومعها أطراف المعسكر الاستعماري القديم هم المستفيدون بداية وانتهاء.
وواضح أن الشيخ زايد يبعد عنه المزايدين والمحرضين و”إغراءات” الحماية الأميركية كالتي طلبها – مع الأسف – بعض المسؤولين في الكويت والسعودية، ويسعى نحو تسوية سلمية لهذه الأزمة قد تتوفر عن طريق الاحتكام إلى القانون الدولي ومرجعيته ممثلة بمحكمة العدل الدولية.
وواضح أيضاً أن الحريصين من العرب على سلامة إيران (والعرب) وسلامة العلاقة بين إيران الثورة الإسلامية والعرب، عموماً، وفي مقدمتهم القيادة السورية، يسعون إلى مثل هذه التسوية التي تمنع الأجنبي من القدوم والتمركز مجدداً في المنطقة وكأنه الحامي والمغيث ونصير الضعفاء.
إن التسوية السلمية التي يطلبها العرب، والتي سعت بها دمشق لها إيران، بعد أن قبلها الشيخ زايد، الذي يصل غداً إلى العاصمة السورية، لا تفرض “التنازل” و”كسر الكبرياء” أو الغرور القومي.
إنها تسعى إلى حصر الضرر حيث وقع، وتحاول منع تمدد النفوذ بل الوجود الأجنبي إلى كل الخليج.. وبشاطئيه!
والعرب هنا، وفيهم القيادة السورية والعديد من المسؤولين في طليعتهم الشيخ زايد، يسعون إلى حماية دولة الإمارات بقدر ما يسعون إلى حماية إيران،
فالخطأ سيجر إلى خطايا،
وسيقول التاريخ غداً: إن بعض “العرب” ربما يكون أساء إلى غيران ولكن أكثريتهم الساحقة ساهمت في حماية إيران ليس فقط من الأجنبي، بل أيضاً من بعض التصرفات الخاطئة التي تضر بها بقدر ما تضر بجيرانها العرب.

Exit mobile version