طلال سلمان

على الطريق مناورة حربية لاستقبال كريستوفر؟!

استبقت إسرائيل وصول كريستوفر إلى المنطقة بنشر جو حربي يهدف – أكثر ما يهدف – إلى منعه من مطالبتها بأي تعديل في مواقفها المتعنتة والتي “نجحت” عبرها وحتى اليوم في إلغاء أي احتمال للتقدم في المفاوضات مع “أعدائها ” العرب.
فإسرائيل لم تتوقف يوماً، قبل مدريد وبعدها، عن مقاتلة الفلسطينيين ومطاردتهم بقنابلها ورصاصها، وطرد “الناشطين” من أبنائهم المناضلين لحفظ حقهم في أرضهم.
ومع كل شمس جديدة تغرق إسرائيل طاولة المفاوضات في واشنطن بالمزيد من دماء الفلسطينيين، نسوة وكهولاً وشباناً وفتية وأطفالاً توحدوا مع طينها والحجارة.
وإسرائيل تسترهن لبنان، سلامه الداخلي ووحدته الوطنية وأرضه وسيادته، ليس فقط لكي تفرض عليه اتفاق إذعان كالذي تبرع لها به أمين الجميل (والذي – للمناسبة ولد ميتاً – ) بل أساساً لتخرجه من هويته وعلى أهله العرب، وبالذات منهم السوريين والفلسطينيين.
وإسرائيل تستفز سوريا إناء الليل وأطراف النهار، ولا تكف عن محاولة الإيقاع بين السوريين وأشقائهم الفلسطينيين، أو بينهم وبين أشقائهم اللبنانيين أو بين الأطراف الثلاثة في غالب الأحيان.
وها هي اليوم تتخذ من بعض عمليات المقاومة في جنو ب لبنان المحتل ذريعة لكي توجه تهديداتها إلى سوريا، مباشرة أو بواسطة الأميركيين،
بل ها هي حكومتها اليوم تلجأ إلى ما يشبه إعلان الاستنفار السياسي، فيبادر إسحق رابين إلى دعوة منافسه اللدود في المعارضة بنيامين نتنياهو للقاء ينسقان فيه الموقف من المفاوضات، واستطراداً من الدور الأميركي المفترض في رعايتها وإخراجها من المآزق التي تسبب فيها التعنت الإسرائيلي.
وصحيفة “التايمز” اللندنية خائفة على مصير المفاوضات من تخريب وقد تسبب فيه “ردود الفعل المتحمسة ومظاهر الكراهية اليومية”… وكذلك من “دعوة الأطراف المفاوضة لكي تكيف مقترحاتها وفق وضع يمكن من خلاله تضييق شقة الخلاف. وهذا ما يشكل تراجعاً خطيراً جداً عن التعهد الأولي بعقد مفاوضات مباشرة”!
وإذاعة “صوت أميركا” تحمل مسؤولية جمود المفاوضات “للرفض الفلسطيني لوثيقة المقترحات الأميركية المتعلقة بمبادئ الحكم الذاتي..”.
وصحيفة “لوس أنجلوس تايمز” تتساءل: “هل تعتقد واشنطن أن العرب والإسرائيليين على حد سواء مستعدون لتقديم تنازلات أم لا”؟!. وهي تطالب وارن كريستوفر بأن “يجيب على عدد من الأسئلة المهمة كهذا السؤال قبل أن يعرض وقته للمضيعة وسمعته للإساءة”!.
ووزير خارجية مصر، عمرو موسى، يخاف على المفاوضات إن هي طالت إلى ما بعد السنة الحالية من أن تتآكل وتندثر.. ومع أنه ينفي أن يكون الدور المصري أقرب إلى الوساطة بين العرب وإسرائيل فإن التساؤل عن جدوى هذا الدور في خدمة العرب يظل موضع تساؤل.
أما جريدة “لوموند” الفرنسية فترى أن “الأزمة المالية التي أصابت منظمة التحرير منذ حرب الخليج أوقعت آلاف الفلسطينيين في الحيرة ودفعتهم إلى اللحاق بالمزايدات التي يطلقها الأصوليون المعادون للعملية السلمية..”.
وطريف هو التساؤل عما إذا كان العرب (والفلسطينيون ضمنهم) مستعدين لتقديم تنازلات أم لا؟
أفليس مجرد القبول بالمفاوضات مع العدو الذي يحتل الأرض تنازلاً؟!
أليس مجرد قبول النقاش حول البديهيات تنازلا؟
لكن أحداً لا يطرح، بالقوة المطلوبة، السؤال على الإسرائيلي، وأغلب الظن أن كريستوفر لا يأتي ليطرحه، خصوصاً وقد استبقته إسرائيل بهذا الجو الحربي الذي يفرض أولوية “إنهاء التوتر” القائم، وبالتالي تقديم موضوع المقاومة على الاحتلال، والتركيز على الرعاية اللبنانية والسورية للمقاومة وليس على ما قدمته الحكومتان من أجل إنجاح المفاوضات، ومن ثم التركيز على البلبلة السائدة في الوضع الفلسطيني، لكي تنال إسرائيل البراءة من تهمة تعطيل المفاوضات، ويتركز الضغط – مرة أخرى – على العرب.
ولعل دمشق وقد فهمت الرسالة قد ردت عليها بما يناسب المقام،
ولعل زيارة مشغرة تأتي في سياق إعادة تركيز الضوء حيث يجب أن يتركز: أي على واقع الاحتلال الإسرائيلي، وليس على رد الفعل الطبيعي بمقاومته.
والمفاوضات تستهدف إنهاء الاحتلال وتوفير “السلام” للجميع وليس لإسرائيل وحدها.

Exit mobile version