طلال سلمان

على الطريق مملكة المجهول!

بغض النظر عن نتائج التحقيقات (السرية) حول ملابسات مصرع الملك فيصل بيد ابن أخيه، فإن من أهم ما ترتب على “غياب” فيصل هو “ظهور” المملكة بمن وما فيها.
كان فيصل، الصامت، الكتوم، المستغني عن الكلام بالإشارة وعن الإشارة بالنظرة، شخصية غامضة بل ملغزة، يصعب أن يقول، فإذا قال لم يحدد، واستعان بالآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية الشريفة أو بعض الأثر الديني ليلمح إلى ما يقصده، ثم علق الأمر – بداية وانتهاء – بمشيئة الله سبحانه وتعالى.. والله على كل شيء قدير.
وكان فيصل، بهذه الصفات، تجسيداً حياً لصورة المملكة كما صنعتها وأرادتها الأسرة السعودية المالكة. فلقد ظلت هذه المملكة ، منذ إنشائها، بحدودها الراهنة، أشبه بعالم مسحور، يلفه ستار كثيف من الغموض والإبهام المقصود. علاقاتها، سياساتها، اتصالاتها كل ذلك يتم بلا ضجة، وفي الخفاء ما أمكن.
الآن، يبدو مقدراً على السعودية أن تخرج من كهف الأسطورة واللغز والحكاية لتواجه الشمس والعيون وحركة التاريخ.
كأنما انفتح بطن المملكة، بتلك الرصاصات التي أودت بفيصل بن عبد العزيز، وبدأ للعيان ما كان مستوراً أو مستتراً في بطنها طوال نصف قرن من هذا الزمان الفضاح!
لقد ظل تاريخ المملكة، حتى اليوم، هو تاريخ الأسرة. وفي محاولة لتكريس هذا الواقع المصنوع بحد السيف، أعطيت “القارة” التي تضم مقدسات الإسلام وقبر نبيه العظيم وصحابته الأبرار، اسم الأسرة، واختفت الجغرافيا كما ضاع التاريخ السابق على السعوديين في طيات النسيان.
ثم لخصت الأسرة تاريخها الحافل في تاريخ زعيمها الملك: في البداية عبد العزيز، ثم سعود، وأخيراً فيصل.
ورغم الهزات التي سبقت ورافقت خلع سعود وتسمية فيصل ملكاً فقد ظل الغموض يلف كل ما يخص الأسرة، وبالتالي المملكة. وظل الكلام عن التيارات والاتجاهات والقوى، ناهيك بالطبقات أي بالواقع الاجتماعي لذلك الشعب البغير اسم، يراوح بين الأمنية والشائعة، أي إنه ظل يفتقر إلى الموضوعية والدقة والعلمية.
ما كان معروفاً ومفهوماً على الدوام إن السعودية “أغنى أرض وأفقر شعب”. وكانت أخبارها تأتي ، أساساً، على ألسنة حجاج بيت الله الحرام الذين يعودون مذهولين بمفارقة التناقض الكبير بين أرقام الدخل الفلكي للمملكة من نفطها وواقع شعبها البائس.
ولو إن ملايين الحجاج الذين قصدوا السعودية عادوا يتحدثون عن المصانع والمزارع والمساكن الشعبية، بدلاً من أن يتحدثوا عن أكواخ الصفيح التي لا تزال تطوق العواصم ذاتها، والتي تلاصق قصور بعض أبناء الأسرة الحاكمة، لنظر الناس إلى المملكة نظرة أ×رى.
إن للسعودية دوراً، ودوراً كبيراً وخطيراً، لا ينكره عليها إلا المكابر. وإذا كان هذا الدور قد اتسم، على الدوام، بطابع العداء لحركة الثورة العربية ولإرادة التغيير العنيفة التي ترج أرجاء الأرض العربية، منذ ربع قرن، على الأقل، فليس ذلك ذنب الثوريين العرب، بل هو ذنب الأسرة السعودية أولاً وأخيراً.
ولا يقبل عاقل أن يفصل بين طبيعة هذا الدور في الخارج ومنطلقاته وفلسفته التي تطبق قطعاً في الداخل. ومقياس الثورية، أو التقدمية، أو الاصلاحية ليس خارجياً. إنه داخلي بالأساس. ولا بد أن تواكب مناصرة المقاومة الفلسطينية، مثلاً، عملية تغيير شامل للواقع الاقتصادي والاجتماعي لملايين المسحوقين في الداخل، لكي تكتسب تلك المناصرة بعدها كمؤشر على الطموح إلى مستقبل عربي أفضل. وكيف يطلب منا أن نصدق إن السعوديين حريصون على مستقبل أفضل للعربي الفلسطيني إذا لم تتأكد جديتهم من خلال الواقع الحياتي للعربي في نجد أو الحجاز أو تهامة؟
في أي حال، إن الخروج من كهف الأسطورة واللغز والحكاية، إذا تم فعلاً، سيغيركثيراً في السعودية والسعوديين،
فوحده الذي يخجل بما عنده لا يخرج إلى الناس بوجهه الصريح.

Exit mobile version