طلال سلمان

على الطريق ملاحظات مبعثرة عن الجزائر والجزائريين!

تسنى لي أن أعرف الجزائر منذ اليوم الأول لقيام دولتها المستقلة. كنت في عداد الذين قادتهم عاطفتهم قبل مهنتهم ليشهدوا ولادة “الجمعية التأسيسية”، أي المجلس النيابي الأول، وتشكيل حكومتها الأولى برئاسة أحمد بن بله، أما آخر زيارة فكانت قبل عامين تماماً، وبصحبة الأخضر الإبراهيمي الذي رفعه نجاحه في المسألة اللبنانية إلى منصب وزير الخارجية في لحظة بلوغ الأزمة السياسية ذروتها في بلد المليون شهيد على يد الاستعمار الفرنسي، والثلاثين مليون تائه وشريد وقلق من “ضحايا” فساد النظام والحكام في العصر الاستقلالي الذي “استقيل” آخر حكامه يوم السبت الماضي.
هنا ملاحظات مبعثرة، واستعادة لبعض ملامح من التقيت فحاورت من الرجال الذين قدر لهم أن يلعبوا أدواراً أساسية، أو الذين ما زالوا على المسرح في انتظار فرصتهم الجديدة وبقدرتهم على قراءة التحولات والتكيف مع مقتضياتها.
ملاحظة أولى
ليست الجزائريون “مشارقة” في تعلقهم بالقيادات السياسية وتصنيمهم للزعماء، والفضل للثورة وسنوات النضال الطويل في المساواة بين الجميع، فكل جزائري “طلع الجبل” و”هز السلاح” وقدم وضحى وانتصر.
وفي الأيام الأولى للاستقلال، كما في الأيام الأخيرة للشاذلي بن جديد، ظل الجزائريون يتعاملون مع رؤسائهم على أنهم قادة سياسيون أكثر منهم “زعماء” بالمعنى المشرقي للكلمة.
حتى مع “جبهة الإنقاذ الإسلامية” فالزعامة للتيار نفسه، للتوجه، وإن شئت فللقرآن الكريم وللدعوة، وليست لأشخاص القادة الذين لعلهم قد كبروا بعد الاعتقال والسجن وبسبب الحجر والاضطهاد والقمع الاستثنائي وقد خصت به السلطات هؤلاء وحدهم ومن دون قادة سائر الأحزاب والتنظيمات السياسية.
ملاحظة ثانية
الكل في الجزائر “تاريخيون”، ليس فقط إن الكل قد شارك في الجهاد، بل لعل الكل يحاول أن يوحي وكأنه قد استشهد أيضاً، من باب التطرف، وبالتالي فلا قيمة استثنائية للمجاهدين، خصوصاً وإنهم بأكثريتهم الساحقة الماحقة من عامة الشعب ، وممن لم يحظوا بفرص تعليم متوسط، أو عال، بل لعل أكثريتهم لم تعرف المدرسة أصلاً، ولم تجد من بكافح لها أميتها.
ملاحظة ثالثة
لم تكن جبهة التحرير الوطني حزباً في أي يوم. كانت “جبهة”، وإطاراً للجهاد من أجل الاستقلال. وفي الجزائر لا يستعملون إلا تعبير “الجهاد” برنينه الإسلامي التاريخي.
والمراتب ظلت دائماً محفوظة داخل جبهة التحرير: المرتبة العليا لبعض رجال الدين الذين دعوا أو حرضوا أو بثوا روح الجهاد ضد المستعمر الأجنبي، والمرتبة الثانية لتلامذة هؤلاء المشايخ ومريديهم، وثمة أفضلية ضمنية لمن تحدروا بالانشقاق عن مصالي الحاج (لأنه لم يشجع التوجه نحو الكفاح المسلح)، وثمة احترام خاص للذين تحدروا من بيوت دينية (مثل أحمد طالب الإبراهيمي).
والقيادات المعروفة أو “التاريخية” لجبهة التحرير، مثل أحمد بن بله وحسين آية أحمد ورابح بيطاط وبوضياف والراحلين محمد خيضر وكريم بلقاسم، جميعهم من المنشقين عن مصالي الحاج الذي أعادت إليه دولة الثورة اعتباره مؤخراً، وفي سياق إعادة كتابة التاريخ الحديث.
بعد انقلاب 19 حزيران 1965 الذي قاده هواري بومدين فأطاح أول رئيس شرعي منتخب، أحمد بن بله، أخذ القادة العسكريون (المحترفون) يحتلون دوراً متزايداً في الحياة العامة، بمستوياتها المختلفة، فصاروا وزراء وسفراء ورؤساء مجالس إدارة لشركات القطاع العام ومديرين،
وأخيراً جاء “التكنوقراط” فأخذوا مكانهم في الصف الخلفي ولكن كمساعدين ومستشارين وليس كقيادات.
ملاحظة رابعة
يمكن تلخيص قوى الصراع حالياً، ومواقعها، في اللحظة الراهنة على الشكل التالي، مع التنويه بأن التحديد أولي وعام:
1 – معظم الأحزاب التي ظهرت إلى الوجود بعد تبني سياسة الانفتاح والتعددية التي تبناها الرئيس الشاذلي بن جديد، هي تيارات أو اتجاهات كانت موجودة داخل جبهة التحرير، ولكنها كانت تفتقد القدرة على التعبير عن نفسها. كان الكل أسير الجمود والشلل والتحجر. كانت الجبهة نفسها قد فقدت حيويتها وحتى دورها. كان العسكريون قد صادروا دورها في القيادة، والتكنوقراط قد تحكموا في تحديد التوجهات الاقصتادية، ونشأت شراكة في المصالح بين هؤلاء وأولئك خصوصاً وإن حجم التعاقد الحكومي لإنجاز مشروعات طموحة كان بأرقام فلكية وكانت عمولة كل عقد ثروة خرافية.
2 – كان الحكم، منذ عهد بومدين، عسكرياً ببزة مدنية، وبمؤسسات – واجهة يحتشد فيها الأنصار والانتهازيون وقناصو الفرص، لكن هذه المؤسسات (وكلها كانت تحمل شعار جبهة التحرير) لم يكن لها دور فعلي في الحياة السياسية أو في “القرار”.
ويبدو جلياً الآن أن الجيش، بتحريض من الخارج مغلف بتطمينات وربما بوعود للمساهمة في حل المعضلة الاقتصادية، قد خطا الخطوة الحاسمة في اتجاه منع جبهة الإنقاذ من الاستيلاء على السلطة.
كان الشاذلي، ومن قبله بومدين، بحكم باسم الجيش وبقوته، وها هو الجيش يتصدى لتولي الحكم مباشرة، مع الحفاظ على واجهة مدنية ممثلة “ببعض” حكومة سيد أحمد غزالي.
3 – جبهة الإنقاذ الإسلامي “جبهة” فعلاً وليست حزباً، فهي تضم أكثر من تيار “أصولي” وفق المصطلح الغربي.
وإذا كا ن الإيرانيون قد تعاطفوا مع الجبهة وهللوا لنجاحها في الانتخابات، فهم إنما كانوا يحددون موقفاً مبدئياً ويعبرون عن سعادتهم بانتصار الخط الإسلامي والتيار الأصولي أكثر مما يقررون موقفاً سياسياً داعماً ومتبنياً لهذه الجبهة التي كانوا ينتقدون بعض قياداتها ويلمحون إلى تغلغل سعودي (وهابي) فيها يشجع “السلفية” ويستعدي الجزائريين على النموذج الإسلامي في الجمهورية الإسلامية الأولى و”دار الإسلام” في طهران.
4 – هناك أيضاً حسين آية أحمد وحركته ذات الطابع البربري الصرف، والتي ينظر إليها الجزائريون على إنها “اختراق غربي” وتجديد لمحاولة أحداث انشقاق وطني على أساس عنصري باستنفار العصبية البربرية واستعدائها ضد العرب.
ولعل نجاح هذا التيار وحلوله في المرتبة الثانية في الانتخابات بعد جبهة الإنقاذ، ولو على مسافة، كان هو الآخر بين دوافع الجيش إلى التحرك بذريعة حماية الوحدة الوطنية، فإذا كانت الأصولية تستعدي المغرب والنخب السياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع المدني الجزائري، فإن اللعب على وتر العنصرية يستنفر الوطنية كما الشعور الديني الموحد لدى الغالبية الساحقة من الجزائريين، بمقدار ما هو يثير قلق دول الجوار (المغرب خصوصاً، تونس وليبيا) حيث يتدرج البربر من أقلية كبرى في المغرب إلى أقليات في الجارتين الأخريين، لأنه يهدر بفك عرى الاندماج الوطني داخل هذه المجتمعات.
5 – هناك التيارات المغربية “العلمانية” التي تبدأ بالحزب الشيوعي (الطليعة الاشتراكية) وتنتهي بحركة تحرير المرأة، وبعض نخب المهاجرين الجزائريين الذين يعيشون في “المنافي” الأوروبية، فرنسا أساساً ثم بلجيكا وألمانيا وإسبانيا الخ.
وهذه التيارات تكن عداء مكبوتاً للجيش، ولكنها تلارتعد من “الأصوليين” الذين قد يعاملون المنتمين إليها كـ “كفار”… وربما دفع بها هذا الخوف إلى “مباركة” حركة الجيش، ولو ضمنياً، أو الامتناع عن معارضتها بأمل أن يحتاجها “الجيش” فيشركها ولو بنسبةما في حكمه المقبل.
ملاحظات شخصية:
آخر لقاء مع الشاذلي
التقيت الرئيس الشاذلي بن جديد مرتين، كانت ثانيتهما (والأطول) قبل عامين تماماً، في مكتبه بالقصر الجمهوري.
واقتطف هنا بعض الانطباعات عن ذلك اللقاء الذي امتد نحواً من ساعتين وتشعب الحديث خلاله من الأزمة اللبنانية التي كانت قد عرفت طريقها إلى الحل (عبر اتفاق الطائف)، إلى المعضلات التي تواجهها الجزائر لاسيما على المستوى الاقتصادي – الاجتماعي والتي كانت مظاهرها بادية للعيان، لا تخفي نفسها ولا يمكن تمويهها.
وبالمقارنة مع هواري بومدين، أو مع أي “زعيم” آخر، لم تكن للشاذلي بن جديد ملامح “القائد” ولا حزمه ولا “هيبته” التي تعني الكثير للمشارقة.
كان “عادياً” في مظهره كما في كلامه، لا تضج تعابيره بالأفكار، بل هي تسعى في اتجاه المصالحة والتسوية وإعطاء الأرجحية للعلاج الصبور والهادئ. كان رجل التوازنات.
ولم يكن كلام معاونيه عنه يعكس التسليم بزعامته، بل كانوا يتحدثون عنه باعتباره “الأعلى رتبة” أو الرجل الذي وضعته المقادير فوق. لم يكونوا شديدي الإعجاب برجاحة عقله مثلاً، أو بدقة أحكامه وخياراته.
هو “الرئيس” فقط… ولعل بعضهم كان يعامله وكأنه “المؤقت” أو رجل المرحلة الانتقالية الذي لا بد منه بعد كبيرين (بن بله وبومدين) أولهما أودى به التعجل والارتجال واللهفة على الإنجاز، والثاني أودى به الطموح المبالغ به بالمقارنة مع الإمكانات.
كانت جبهة الإنقاذ قوة تتنامى بديناميكية، ولكنها لم تكن لتثير قلقه، آنذاك، بل كان واضحاً أنه يستخدمها كعنصرص توازن مع جبهة التحرير الوطني (وربما مع الجيش) توفر له فرصة الاستقرار على القمة.
عند الحديث عن الاقتصاد وأزمته أحالني على رئيس حكومته، آنذاك، مولود حمروش، الذي كان أصلاً مديراً لمكتبه،
وعند الحديث عن مستقبل لبنان، وبعد بعض الكلمات العمومية أحالني إلى الأخضر الإبراهيمي (وكان قد رتب الموعد)،
وعند الحديث عن العلاقات مع الغرب، فرنسا خاصة ثم الولايات المتحدة الأميركية، وبعد جمل غامضة الدلالات أحالني إلى وزير خارجيته الجديد (آنذاك) سيد أحمد غزالي، الذي تكون في “سوناتراك” التي كانت رمز الحلم الإمبراطوري لبومدين في توجهه نحو بناء “روما” العربية – الأفريقية: القلعة الصناعية التي تحول خيرات الجزائر الوفيرة (النفط والغاز والزراعة واليد العاملة) إلى قدرات اقتصادية غير محدودة وبالتالي إلى قدرات عسكرية ونفوذ ومجد منشود.
أما عند الحديث عن جبهة التحرير الوطني فقد فوجئت به ينفعل ويطيل أمد اللقاء أكثر مما كان مقدراً، فارضاً على صاحب الموعد التالي أن ينتظر.
لم يخف تعجله ساعة الخلاص من قيود الجبهة بوصفها رمز الماضي، ولا اندفاعه إلى تشجيعه القوى الجديدة وتكاثرها بلا ضوابط، وانبهاره بالفوضى الإعلامية السائدة والتي كانت تهشم مختلف الرموز التاريخية (الماضي) وتمسح من وما قبل الشاذلي.
ولم يخف ضيقه بذكر أحمد بن بله (وكان بعد في منفاه في الخارج) وعدم ترحيبه بعودته… إلا بشرط المحاكمة “على ما نسب إلى تنظيمه من جرائم يطالها القانون”.
وكان الانطباع الذي خرجت به من اللقاء أقرب إلى خيبة الأمل، خصوصاً وإنه ختم حديثه بشكوى مرة من الواقع الاقتصادي المتردي يحكمه عجز عن التصرف. وانتصار لوعد ما (من جهة خارجية) بالمساعدة.
ولقد صارحت الأخضر الإبراهييم بانطباعي هذا فكان تعليقه: “- هو راجل طيب ومسكين وظروف البلاد صعبة وما يقدرس عليها”.
أما سيد أحمد غزالي فقال بلهجة يختلط فيها الجد بشيء من السخرية: “- الله يسامحك ، وهل يوجه أحد مثل هذه الأسئلة الصعبة إلى عسكري… صار في سن التقاعد”؟!
ملاحظات شخصية
… وأول لقاء مع غزالي
في بعض أسواق الطائف كان اللقاء الأول مع سيد أحمد غزالي، صحبه الأخضر الإبراهيمي وعبد الكريم غريب. (الذي كان سفيرأً في لبنان، من قبل، وفي السعودية آنذاك، وهو اليوم في بريطانيا).
لم نجد المقهى المناسب فقررنا أن نتمشى، وحين ارتفع آذان المغرب سارع غزالي وغريب إلى المسجد القريب، وتابعنا نقاشنا الذي لا ينتهي (الأخضر وأنا) إلى أن قطعته “المطوع” يدعونا إلى الصلاة فصرفه الأخضر الإبراهيمي بشيء من الغلظة، ولم يستطع الاعتراض لأن ضباط المرافقة كانوا يشيرون إليه من الخلف: إن انصرف!
كان لبنان ونوابه المحتشدون في قصر المؤتمرات بالطائف منطلق الحديث،واندفع سيد أحمد غزالي يطلق ملاحظات قاسية تتناول “هؤلاء المتخلفين الذين لا يخجلون من طرح المسائل الطائفية، ويكادون يضيعون وطنهم وهم يتلهون بتفاهاتهم وبحثهم عن مكاسبهم الشخصية”.
في اليوم التالي التقنيا إلى مائدة غداء في فندق شيراتون – الهدا، في ظاهر الطائف، بصحبه بعض النواب اللبنانيين كان من بينهم الرئيس المرحوم رينيه معوض. ولم يجال سيد أحمد غزالي ولم يغير حرفاً مما قاله بالأمس، بل لعله كان أقسى خصوصاً حين بين مخاطر الطائفية والمذهبية على العرب في المشرق خاصة وصولاً إلى الجزائر.
وحين لفت بعض الموجودين إلى صراحة الوزير التي تكسر طوق الدبلوماسية قال غزالي: “-أنا جئت إلى الخارجية بالغلط، ومع أني مهندس ورجل اقتصاد، فأنا كجزائري تعودت أن أقول رأيي بصراحة، وربما بفظاظة حتى للرئيس. للمناسبة رئيسنا مثلنا يفضل الفظاظة، وأنتم في لبنان والمشرق تتكاذبون كل منكم خائف من جماعته، وكلكم خائفون من عون، والأخوان السعوديون يجاملونكم ولا يريدون خسارة أي طرف، لاسيما في الغرب، من واشنطن إلى الفاتيكان، والمغاربة شاركوا محرجين… لا بد من الصراحة، لا بد من المواجهة، قرار الخروج من الحرب يحتاج إلى بطولة، والأبطال في التاريخ. في أي حال، هذا رأيي الشخصي، ومن حظكم أن الأخضر الإبراهيمي طويل البال ولا يستفز وهو تعود على العثور في قلب ما هو غائم على الحل الغامض المرضي جميع الأطراف”.
… أما في الجزائر، وبعد ثلاثة شهور، فلقد التقيت رجلاً آخر: أكثر دقة في تعابيره، وأكثر تمييزاً بين ما يقال علناً وما لا يقال إلا لمن يحفظ السر، وإن استمر يحافظ على بساطته وتواضعه الجم وأناقته التي تذكر “بالفتيان الأول” من نجوم الشاشة، خاصة بـ “البابيون” الشهيرة التي تميزه.
وكان واضحاً أنه مركز استقطاب لعدد من الوزراء، كما كان صريحاً في إعلانخلافه مع رئيس الحكومة وبرنامجه، وفي عدم انبهاره بشخص رئيس الجمهورية، ولم يكن يخفي ضيقه من الملتحين الذين يريدون احتكار الدين وكأنه بضاعة للتجارة، وبرغم أنه لم يكن معجباً بالفوضى السياسية، إلا أنه كان يراها السبيل الوحيد لتمكين الجزائريين من الفرز واكتشاف القيادات المخلصة.
ولاحظت، عبر أحاديث متقطعة وعلى فترات، إن ذاكرته لا تختزن أسماء كبيرة من معاصريه، وإن ثقته بنفسه أعظم من ثقته بالنظام الذي جاء به من سوناترك إلى وزارة المال بداية ثم على الخارجية.
ملاحظة أخيرة
في طريق العودة، سألت مرافقي الذي حملني بسيارة الضيافة من “إقامة الميثاق” إلى المطار، وهو موظف في الخارجية : “- كم ولداً لديك”؟
ابتسم الرجل الذي تجاوز عقده الرابع وهو يرد بشيء من التهكم: “- لم أتزوج بعد، وكيف أتزوج والسكن مستحيل، إنني أقيم مع أهلي في المنزل الذي بات يضيق بنا، خصوصاً وإن شقيقي اللذين تزوجا يقيمان مع أسرتيهما معنا، لأنهما لم يجدا مأوى خارج بيت العائلة المكون من ثلاث غرف”!
عبرنا بعض الشوارع والساحات، وكان لا بد من السؤال عن ذلك الحشد من الشباب الضائع، والذي يباشر مهمته في إسناد الحيطان والتسكع منذ الصباح الباكر، ولم ينتظرأن أسأله بل بادرني بالقول:
“- هل تصدق أن نسبة كبرى من هؤلاء ينتظرون دورهم للنوم؟! إن الجزائريين ينامون الآن، بالتناوب إذ لا مكان يكفي لإيواء الجميع”.
وأمام دهشتي استطرد يقول: “- إذا أبلغك أحد أن ثمة موظفاً جزائرياً واحداً لا يقبل الرشوة فلا تصدق. إن راتب الموظف لا يكفي ثمن خبز وبطاطا، هذا إذا وجد البطاطا، والعجيب أن يكون الفساد بالحدود القائمة. إن البلاد تغرق في بحر من الفساد، ولا أدري كيف يمكن أن يستمر الحال، الله لطفك”.
حين حتفت مهنئاً الأخضر الإبراهيمي بتعيينه وزيراً للخارجية رد بتوجس: “- أنا بحاجة إلى تشجيع، المهمة أثقل مما تتصور. الله يعين الجزائر، غزالي ممتاز، لكن الأعباء أثقل مما نتصور، الله يعين الجزائر، وبلغ الأخوان اللبنانيين إن أوضاعهم سهلة بالقياس إلى أوضاعنا هنا”.
حمى الله الجزائر وشعبها العظيم.

Exit mobile version