طلال سلمان

على الطريق مفكرة لزوار الكويت الشجعان!..

وحده الشجاع من بين المسؤولين العرب، أي مسؤول ومن أي بلد عربي بما في ذلك لبنان، هو ذلك الذي “يقدم” أو يتجرأ على زيارة “كويت ما بعد التحرير”.
ويمكن تسجيل أسماء الوفد اللبناني الرسمي القاصد الكويت اليوم على لائحة الشجعان فهم كمثل من ينتدب نفسه لعمل فدائي فذ!
ذلك أن المسؤولين في الكويت يتحصنون خلف جبال الحقد التي خلفتها تلك المغامرة الحمقاء، أو الجريمة النكراء التي ارتكبها صدام حسين بغزو إمارتهم الصغيرة جداً والغنية جداً قبل عامين إلا قليلاً.
ومع الإدانة القاطعة لما فعله صدام حسين، والتفهم الكامل لرد الفعل الفوري للحكم في الكويت، فإن مرور الزمن كان كفيلاً بأن يعيد إلى المواقف والتصرفات بعض العقل وبعض الحكمة وبعض استعادة الوعي بحقائق التاريخ والجغرافيا.
لا تعيش الأوطان أو الشعوب أو الأمم بالأحقاد وعليها.
ولا تبنى سياسات الدول انطلاقاً من مشاعر الثأر والخصومات القبلية.
ولقد آن أن يتحرر الكويتيون من عقدة “الغزو” ومن عقدة “ذوبان الدولة” واضمحلالها في غمضة عين، واندثار الجنسية الممتازة والأرصدة الهائلة والتوظيفات الناجحة في أعرق المؤسسات الصناعية في أوروبا.
آن أن يعيدوا النظر في مجمل سياساتهم وممارساتهم ومواقفهم، وأن يكتشفوا الخطأ عندهم، بعدما اطمأنوا إلى أن العالم برمته، وفي الطليعة منه معظم العرب، قد أدانوا مرتكب خطيئة الغزو، وصدوه وقاتلوه بالسلاح.
وبعيداً عن خطيئة صدام حسين فإن من حق الكويتيين أن يحاسبوا حكامهم وأنفسهم، وأن يفكروا ملياً فيما يعتبرونه نقصاً في التعاطف الشعبي العربي معهم، بدل أن يريحوا أنفسهم باعتبار الكل متواطئين مع الغازي، أو حاقدين عليهم بسبب غناهم، أو ناكرين لجميل الكويت الذي لا تذهب به النار.
ولقد استبشر الناس خيراً وهم يرون بدايات لمحاسبة الذات، أو مراجعة التجربة المرة، سواء عبر مناقشات “مجلس الأمة” الكويتي ولجان التحقيق وتقصي الحقائق التي شكلها، أو من خلال كتابات بعض النخبة من أجل الرأي والاجتهاد والمواقف الصلبة، لاسيما على صفحات الزميلة “القبس”.
لكن ما يقلب هو تعالي أمواج الأحقاد وتعاظمها بحيث باتت لها وظيفة سياسية ولم تعد مجرد غرائز أو عواطف أو ردود فعل عصبية!
آخر مظاهر هذا المرض الكويتي الخطير الذي يمكن تسميته “تفاقم الشعور المعادي للعرب وتقصد تمييز الذات عنهم والميل إلى إيذائهم”، بذريعة معاقبتهم على ما اقترفته أيدي بعضهم تجاه الكويت، يتمثل في طريقة “استقبال” وزير خارجية تونس و”توديعه”، وهي طريقة لا تليق بدولة، ولا هي تتسق مع عروبة الكويتيين والتزامهم بموجباتها.
وقبل الوزير التونسي المطرود شر طردة، كانت الكويت قد رفضت “اعتذار” الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن موقفه خلال “عاصفة الصحراء”، كما كانت قد “قمعت” كل محاولة أردنية لتوضيح حقيقة ما جرى من وجهة نظر هذه المملكة الفقيرة والتي كانت تعيش على فضلات الاقتصاد العراقي قبل غزو الكويت وإبانه.
بالمقابل لم تظهر الكويت حماسة تذكر لإعلان دمشق، ولا صدر عنها ما يشي بسياسة تقوم على الثواب والعقاب، بحيث تتم مكافأة الداعم والمساند والمقاتل – بالسلاح أو بالكلمة – من أجل تحريرها، في حين يوقع القصاص على من خان رابطة العروبة وساقه الضلال إلى جبهة الغازي الأثيم!
بل لقد صدرت عن الكويت وفيها دعوات مشبوهة وتصرفات غير مقبولة، فمن قائل بأن الأعداء الإسرائيليين هم أقرب إلى الكويتيين من العرب، إلى متعجل لإسقاط المقاطعة عن العدو الإسرائيلي والمتعاملين معه.
كل هذا بينما بعض الأعظم دوراً، من بين العرب، في معركة تحرير الكويت، أي السوري (الذي قدم من دمه)، ومعه اللبناني (الذي قدم ما يملكه، أي الموقف الرسمي والشعبي) يخوض حرباً شرسة على طاولة المفاوضات في واشنطن من أجل استخلاص الحد الأدنى من الحق العربي.
… وبينما يرفض العدو الإسرائيلي الاعتراف، مجرد الاعتراف، بأنه قوة احتلال في لبنان، ناهيك بأن يعلن استعداده للخروج من الجولان السوري.
… ويواصل محاصرة شعب فلسطين الداخل فارضاً عليه حرب إبادة، بالتجويع كما بالقتل اليومي، رافضاً الاعتراف له بالحد الأدنى من حقوقه ليس في أرضه وفي تقرير مصيره فوقها، بل بالحياة، مجرد الحياة، نفسها!
وليس هذا المسلك هو ما ألفه العرب عموماً واللبنانيون خاصة من الكويتيين، ولا هو ما يمكن أن يقبلوه منهم.
ومرفوض هو ذلك المنطق الانعزالي الذي يطالب أي عربي بالخروج من عروبته وعليها لكي يثبت أنه مع الكويت وتحريرها.
إن الكويت، بداية وانتهاء معركة قومية: من أخطأ بحقها إنما ارتكب خطيئة تجاه أمته كلها، ومن وقف معها كان ينصر قضية العروبة والوحدة مؤكداً بذلك أن مسلك صدام حسين انفصالي وإقليمي وكياني وليس وحدوياً بأي حال من الأحوال.
والرد على الانعزالية بمنطق انعزالي يساوي بين الطرفين تاركاً للكيانية الأقوى أن تهزم الكيانية الأضعف… ولو بعد حين.
ولبنان الذي ينتظر “الأشقاء الكويتيين” ليعودوا إليه مع الصيف هو الأكثر تخوفاً من سيادة المنطق الانعزالي الذي وصل إلى حافة الخطيئة في نظرته إلى العدو القومي، عبر بعض التصرفات والآراء “المسؤولة” التي أعلنت في الكويت واعتمدت وكأنها سياسة رسمية مبررة بأحقاد فترة الغزو وجراحها العميقة.
لقد عانى اللبنانيون الأمرين من ذلك المنطق الانعزالي الانتحاري، ودفعوا الثمن غالياً لكي يعرفوا الطريق إلى التعافي منه بالعودة إلى حقائق الحياة، وفيها حقائق التاريخ والجغرافيا.
ويتمنى اللبنانيون أن يجيئهم “أخوتهم الكويتيون” متخففين من أحقادهم الثقيلة، وأن يجيئوا كعرب إلى عرب، وليس كطرف ثالث “محايد” بين الجلاد الإسرائيلي والضحية العربي، النازفة جراحه بعد والممتد خيط دمائه بين واشنطن الباردة وجبل عامل الملتهب بإرادة الحياة والحرية.

Exit mobile version