طلال سلمان

على الطريق مفاوضات عربية على العرب؟!

أخطر ما يتهدد الموقف العربي الآن، أن تصبح المفاوضات، مفاوضات بين العرب والعرب، فيتبرع طرف بأن يقنع أطرافاً أخرى، أو “يبيع” طرف الأطراف الأخرى لقاء “مكسب”، يراه ضرورياً لتحسين موقعه التفاوضي مع العدو.
ولعل مهمة إعادة توحيد الموقف التفاوضي العربي هي المطلوبة من لقاء دمشق اليوم،
لم يعد الطموح إلى أن “يطوق” العرب إسرائيل ولو بالموقف، ولكن أن يشكل لقاء دمشق “طوقاً” يمنع الانحراف أو الانجراف أو التشتت أو التفرق بوهم أن الانفصال يحسن شروط “المستقل” عن أهله ورفاق السلاح في قضيته، رغبوا في ذلك أم مارسوه بالاضطرار.
فالمشهد العربي عشية الانخراط في الجولة التاسعة للمفاوضات الثنائية مع العدو الإسرائيلي يثير كوامن القلق الجدي وليس مجرد الحزن،
ليس أمراً مفرحاً ولا مطمئناً أن يتولى النظام المصري، مثلاً، مفاوضة الفلسطينيين نيابة عن الأميركيين، فكيف بالإسرائيليين؟!
بالمقابل فليس أمراً مطمئناً أن يفاوض الأميركيون بعض الفلسطينيين على بعضهم الآخر، فكيف إذا فاوض بعض الفلسطينيين الأميركيين على بعضهم الآخر، أو (ربما؟!) على حقوق شعبهم.
… وكيف إذا فاوض بعض العرب الأميركيين والإسرائيليين معاً على سائر العرب، أو مجموعهم، عبر المفاوضات المتعددة، أو “باعوهم” جلد العرب (وليس الدب) سلفاً عبر إسقاط المقاطعة العربية ضد المتعاملين مع إسرائيل؟!
إن بعض الخليجيين (الكويتيين تحديداً، والسعوديين ولو من وراء ستار) يتذرع بعرب شمالي أفريقيا ليسقط المقاطعة، سلفاً و”كمقدم” للمفاوضات المتعددة.
وبديهي أن يتذرع عرب آخرون بهؤلاء وأولئك ليتقدموا خطوات أوسع في اتجاه التطبيع مع إسرائيل التي “تتحرر” تدريجياً من صورتها كعدو لجميع العرب، حيثما كانوا وكيفما كانوا، لتصبح “دولة” عادية لا ينقصها من أجل “حسن الجوار” إلا حل بعض المنازعات على أراض مختلف على ملكيتها على “الحدود” الدولية المعترف بها (؟!!) مع سوريا أو مع لبنان أو مع المملكة الاردنية الهاشمية!
الأسوأ أن يفترض أي طرف عربي أنه يستطيع فعلاً أن يحسن موقعه التفاوضي مع العدو إذا هو أحرج سائر الأطراف العربية فتفرد أو ساوم عليهم.
*و”صوت أميركا” تقول “إن مصر لعبت دوراً في وضع الصفقة الكاملة التي ترمي إلى إقناع الفلسطينيين بالذهاب إلى واشنطن مجدداً، والتي تؤكد أن طائفة من التنازلات (؟!) الإسرائيلية تنتظرهم… وإن دور مصر في السلام يتيح لها عدداً من المميزات تتجاوز المحافظة على وضعها كقوة عربية”!
وتختم الإذاعة الأميركية بالقول “إن السلام مهم لمصر لأن أية قلاقل في المنطقة تؤثر عليها مباشرة”!
لكأنما مصدر الخطر على الاستقرار في مصر عربي وليس إسرائيلياً! أي أنه “التطرف” العربي وليس التعنت الإسرائيلي الذي أضاف إلى المأزق التاريخي مشكلة المقتلعين الفلسطينيين من أرضهم! إضافة إلى أنه غذى وما زال يغذي يومياً هذا “التطرف” الإسلامي الراية والشعار.
*وجريدة “الفيغارو” الفرنسية تقول “إن أهم التنازلات الإسرائيلية هي أن فيصل الحسيني سيرئس الوفد الفلسطيني، وهذا يعني ازدياد أهمية الدور غير المباشر لمنظمة التحرير في المفاوضات”.
ولكن أين فلسطين وأين الفلسطينيون، وأين الحل المنتظر بموجب قرار مجلس الأمن لمشكلة المقتلعين؟!
إن مثل هذه “الرشوة” تضيف سبباً للاختلاف داخل الصف الفلسطيني وتضرب وحدته وتزيد من إضعافه، فالتحسين في الشكل يتم على حساب المضمون، ولن يستطيع التاريخ العائلي (والمقدسي) لفيصل الحسيني أن يعوض هذا الضعف المتفاقم في الموقف حتى لو رفع لافتة منظمة التحرير أمامه في تلك القاعة الباردة بمبنى وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن.
*أما الإذاعة البريطانية فتقول، ملحة على المعنى نفسه : “مهما كانت سلبية الموقف بالنسبة للفلسطينيين فإنهم، يبدو الآن مستعدين للعودة إلى واشنطن يشجعهم على ذلك الرئيس المصري والمفاوضون العرب الآخرون..”.
بالطبع ليس “المقتلعون” هم موضوع المفاوضات، والقرار 799 بالتالي هو تفصيل في ثنايا أزمة معقدة ولها تاريخ دموي لن تستطيع المفاوضات نفسها، ومهما بلغت من “النجاح” أن تطويه أو أن تلغيه.
لكن الموقف الإسرائيلي، وبالتالي الأميركي، من مسألة “المقتلعين” من أرضهم الفلسطينية، هو عنوان لهذه المرحلة الجديدة، أو الطور الجديد من المفاوضات، وليس فقط للجولة.
فإن يصبح الإسرائيلي هو الطرف المقرر من هو المقبول من الفلسطينيين ومن هو المرفوض في ما تبقى من فلسطين فذلك يعني ضياع فلسطين أو ما تبقى منها،
وإذا ما قبل الفلسطينيون وسائر العرب مثل هذه المرجعية بالنسبة إلى لب الصراع فلن يكونوا في موقع تفاوضي أفضل بالنسبة لأرضهم المحتلة خارج فلسطين.
وحيثيات القرار في لقاء دمشق قد تكون أهم من القرار ذاته، المهم أن يشكل القرار بحيثياته طوقاً يمنع المزيد من التدهور إلى حد التسليم بالقدر الأميركي – الإسرائيلي.

Exit mobile version