طلال سلمان

على الطريق مع “الطليعة” و”الوطن”

… ولأنها معركة كل العرب،
ولأن كل الحكام العرب يدركون هذه الحقيقة ويسعون جاهدين لحجبها عن “رعاياهم” الممعوسين بالجهل والفقر والمرض وأجهزة القمع الجماعي المنظم،
ولأن صوت لبنان المدوي قد اختنق منذ أن تعهده الحكم السوري بالرعاية، فجعل عقوبة تهريب الصحيفة من ناحية إلى أخرى في داخل لبنان، أشد عقوبة من التعامل مع الحركة الوطنية ناهيك بالانتماء إليها.
ولأن السادة الحكام لا يطيقون العمل إلا إذا كان الإظلام شاملاً فلا مصباح يمزق بنوره استارالظلم والظلمة، ولا نافذة يدخل منها بعض الضياء والأمل، ولا أحد يستطيع من ثم أن يراهم فيكشفهم ويضبطهم متلبسين مع أسيادهم الكبار بالجرم المشهود.
لهذا كله كانت مذبحة الحريات في الكويت وثم إعدام تلك القشرة الرقيقة من الممارسة الديمقراطية التي كانت تغطي واقع التسلط العشائري الرجعي على الإمارة الصغيرة ونفطها العزيز.
فيوم “استقلت” الكويت، مكرسة بذلك الانفصالية التي اجتهد الاستعمار لتثبيتها في الخليج العربي، كما في سائر أرجاء الوطن العربي، عقدت أسرتها الحاكمة “صفقة” مع حركة القومية العربية وكان مؤدى الصفقة أن تحتفظ الأسرة بالإمارة ومعظم النفط على أن تحفظ فيها مناخاً من الحريات الديمقراطية (بأمل أن ينتقل هذا المناخ بالعدوى إلى أنحاء الجزيرة والخليج فيسقط ممالك الظلم والظلام وسلطناتها والمحميات).
وهكذا سمع الناس في تلك البوادي كلمات غريبة “ومفزعة”! من نوع: الدستور، الانتخابات، مجلس الأمة، الصحافة ، وحرية الصحافة، القوانين وإقرارها بأكثرية الاصوات الخ…
وكان التيار الثوري هو الغالب، وموجة الناصرية عالية جداًن فسلمت الرجعية بهذه “الصفقة” ريثما يتسنى لها أن تلغيها.
… وتم المراد من رب العباد. وحزت الرجعية العربية بيد صباح السالم الصباح رؤوس “الفتنة” جميعاً، من الدستور، إلى مجلس الأمة إلى حرية الصحافة، وسط تهليل عصابة الملوك والرؤساء. وقد شارك في “الزفة” الأنصار والأتباع والزلم وكان أعلاهم صوتاً بعض المرتزقة المشهورين في القاهرة، وأرباب المخابرات في دمشق، وجماعة العرش في عمان وزمرة السفاح اللاجئ إلى الكفور في لبنانز
أما القيادات “التاريخية” للرجعية العربية من أمثال الأسرة السعودية فقد حافظت على وقار الملوك. واكتفت بأن هزت رأسها علامة الرضا والابتهاج.
… وأما صحف “الخديوية” والجواسيس المتصلين بإسرائيل وإيران عملاء بريطانيا المعروفين في السابق والولايات المتحدة الأميركية حالياً، السائرة فيركاب مختلف الأعداء القوميين لهذه الأمة،
أما هذه الصحف جميعاً فقائمة في الكويت، لم ولن يمسها ضرر، واصحابها، وتاريخهم معروف وحافل، يدبجون (بأقلام الكتاب المستأجرين) المطولات في امتداح حكم الشيوخ الأفاضل وعطفهم على رعاياهم الضالين وشغفهم بالحرية وحسهم الديمقراطي المكين!
ذلك إن المطلوب رأسها هي الصحف صاحبة الموقف وصاحبة التاريخ الوطني والقومي ممن تعبر عن ضمير المواطن العربي، كويتياً كان أو غير كويتي،
وكان طبيعياً أن تستهدف “الوطن والطليعة” أساساً ، وربما “الهدف والرسالة” وغيرهما في وقت لاحق.
وأغلب الظن إن أهل “الطليعة” و”الوطن” لم يفاجأوا بالسيف على أعناقهم، فهم كانوا يرون في عيون أصحاب السلطان نية اغتيالهم متى سنحت الفرصة وتوافرت الظروف المؤاتية.
ولقد سنحت الفرصة هنا وهناك… كما يحسبون!
كثيرون سيبتسمون بإشفاق وهم يقرأون هذه الكلمات، في الكويت خاصة، إذا ما تيسرلأحد المسافرين أن يهرب نسخة من “السفير” إلى الكويت.
سيقولون: “التقى المتعوس مع خايب الرجاء”
وسيعقبون: يعرض عوناً وهو إلى العون أحوج،
وقد يضيفون: كلها أيام ونرتاح منهم في بيروت كما ارتحنا من “جماعتهم” في الكويت، فبهذا وعدنا الحكم السوري ولا مجال للمشاغبين في المستقبل،
أما نحن فنضحك منهم ومن أوهامهم، نضحك برغم مأساتنا في لبنان، التي أخذت ىثارها تطال الأحرار في سائر أرجاء الوطن العربيز
نضحك لأننا نشهد وعلى الطبيعة، كم هم خائفون، ومذعورون هؤلاء المزدهون بأنهم انتصروا علينا.
إنهم لا يتحملون أن تصدر صحيفة في أي مكان فتقول كلمة صدق حول ما يجري في لبنان وخارجه.
إنهم يطاردون الكلمات والصور ورسوم الكاريكاتير، ينصبون المشانق، يحضرون السجون والمعتقلات لكل الذين يصرون على أن يقولوا، ولكل الذين يصرون على أن يسمعوا فيعون ما يدبر لهمز
ولن يكون مصير هؤلاء الحكام مختلفاً عن مصير سابقيهم ممن احترفوا اغتيال الأفكار والكلمات والرجال الذين يجسدونها بنضالهم الخلاق.
وفي التاريخ نماذج لا تحصى من المهزومين الذين سقطوا في لحظة “انتصارهم” على الكلمة، ومن المناضلين الذين اكتمل نصرهم لحظة سقوطهم شهداء للفكرة والكلمة.
فالكلمات لا تموت بعكس الحكام، والأفكار تبقى الأقوى حتى في العصر الأميركي، وبالكلمة والفكرة ينتصر فقراء الرجال على شيوخ النفط وعلى السماسرة من محترفي الاتجار بالدماء، كما الذين يتناثرون في لبنان، وبالذات على الطريق بين الكفور ودمشق، التي عطلوا رسالتها فحرموا بذلك أملهم من قلبها النابض… ولو إلى حين.
والمعركة مفتوحة، والنصر للصامدين، وإننا لصامدون.

Exit mobile version