طلال سلمان

على الطريق مع الاعتذار..

“يا فخامة الرئيس
“بعد العودة إلى ضميري ووجداني وإلى قدراتي الحقيقية في مواجهة الواقع الذي يعيشه لبنان، أراني مضطراً على الاعتذار عن تشكيل الحكومة وذلك للاسباب التالية:
“أولاً – أراني وقد جاوزت السبعين عاجزاً عن فهم كثير من الظواهر التي تعيشها البلاد. ولا أخفيك إني أحس بقدر كبير من الغربة وأنا أسمع الشباب يتحدثون بلغة مختلفة عما ألفناه وتعودناه. إن الأجيال الجديدة تولد مسيسة، ولا تحترم المقامات والمراتب والاختصاصات، فترى واحدهم يتصرف وكأنه مسؤول عن حرية العالم ومصيره، فكيف بالمنطقة العربية ولبنانها الصغير؟
“ثانياً – في البلاد نحو من مئة ألف قطعة سلاح، وعشرات المليشيات، ولكل ميليشيا علة وجود ومصدر تمويل وتسليح لا أظنهما يخفيان على فخامتكم. والحكم في هذه الفترة أشبه بالسير على حد السيف، وأقل غلطة تودي بالبلاد إلى الفتنة، وقانا الله ووقى البلاد شرورها المدمرة. ولا أجدني المؤهل والقادر على حل الميليشيات أو مجابهتها، فهذا أمر جلل يتجاوز إمكانيات الأفراد، ولا بد لمواجهته من ثورة كاملة… وقد بعد بي العهد عن سن الثوار وإراداتهم الأقوى من السلاح وحملته.
“ثالثاً – في البلاد وحش غلاء يدمر حياة الناس ويفتك بهم فتكاً. والوحش من صنع التجار، والتجار من علية القوم، والقوم مني وأنا منهم، فلا أنا بقادر على لجمهم، ولا أنا بقادر على التغاضي، إذ التغاضي يعني الانفجار وتحول النقمة عن التجار إلى السلطة، وأنا أعجز من أن أتحمل لسعة النارين.
“رابعاً – في البلاد بطالة، والعاطلون عن العمل بأغلبيتهم الساحقة من خريجي الكليات النظرية في جامعتنا الكسيح. ولما كان إنشاء الكليات التطبيقية يستثير غضب المطارنة والمشايخ والأصدقاء في ما وراء البحار، وتجار العلم الأقوياء،
ولما كانت الدولة، في غياب تخطيط وخطط للتنمية أعجز من أن تستوعب هذه الأعداء الهائلة من الخريجين الذين لا يتقنون شيئاً،
فلست أملك لقضيتهم حلاً أو شبه حل.
“خامساً – ثمة مؤامرات خطيرة تدبر ضد المنطقة برمتها، وكثيرون يرشحون لبنان ليكون نقطة التفجير. ولمواجهة هذه المؤامرات لا بد من حكم قوي بتأييد الشعب وبقدرات الدولة كلها. ولست أراني هذا الحكم، إذ لا أملك لا هذه ولا ذاك..
“سادساً – لقد تقدم بنا السن، يا فخامة الرئيس. ويبدو إننا ورفاقي، أبناء جيلي، من زعماء لبنان وأقطابه، قد خسرنا دورنا في حياته. وربما تكون هذه هي الفرصة الأكثر ملاءمة للانسحاب وترك المجال فسيحاً أمام جيل جديد أقدر منا على العمل والمواجهة وإنجاز المهمات الصعبة،
“هذه الأسباب مجتمعة، وللأسباب الأخرى التي لم أذكرها ليقيني بأنها لا تخفى على حكمتكم، أتقدم باعتذاري عن تشكيل الحكومة الجديدة، متمنياً على فخامتكم أن تراعوا في اختيار البديل القادر، أسباب اعتذاري،
“مع أطيب تمنياتي لكل بالتوفيق،
صائب سلام”
مع الاعتذار من صاحب الاعتذار.

Exit mobile version