مع “معاهدة الليل” التي وقعها الملك حسين وإسحق رابين (وشيمون بيريز)، أمس، في قصر الهاشمية بعمان، تكون إسرائيل قد استكملت وضع يدها على مجموع الشعب الفلسطيني، عدا تلك “الجاليات” من أبنائه المبعثرة في دنيا الشتات العربي والأجنبي.
فإسرائيل تحكم، مباشرة وبقوانين استثنائية خاصة، حوالي سبعمائة ألف فلسطيني داخل ما يسمى، للتمييز، “فلسطين 1948” ممن جعلتهم رعايا أو رهائن أو معتقلين محكومين بالإقامة الجبرية المؤبدة.
كما إنها تحكم، مباشرة وعسكرياً وبموجب أحكام عرفية دائمة، ثلاثة أرباع المليون فلسطيني من أهالي الضفة الغربية، أو “فلسطين 1967″… وهؤلاء ما زالوا – قانونياً – رعايا أردنيين، تصادر إسرائيل أراضيهم وقراهم يومياً، وبالقانون!!، ويخشون دائماً أن “تبادر” عمان إلى إسقاط الجنسية الأردنية عنهم فلا يعترف بهم أحد لا كفلسطينيين، حيث لا دولة باسم فلسطين ، ولا كـ “إسرائيليين” حيث لم تمنحهم سلطات الاحتلال مثل “هذا الشرف”.
كذلك فهي تحكم، مباشرة وعسكرياً وبالتعاون مع “الشرطة الوقائية الفلسطينية” بقيادة ياسر عرفات، ثمانمائة ألف فلسطيني من أهالي قطاع غزة، أو فلسطين 1993، الذين ما زالوا “فلسطينيين” بوثائق سفر تصدرها السلطات المصرية التي كانت “تدير” القطاع بين النكبة والنكسة، لكن الدول العربية جميعاً – بما فيها مصر – لا تعترف بجوازات سفرهم، فلا تقبلها ولا تقبلهم، فتمنع عليهم – بالتالي – الحركة والرزق، خصوصاً وإن من يخرج لا يعود… وهكذا تحولوا إلى يد عاملة رخيصة في المصانع والمزارع والمعامل الإسرائيلية.
وها هي إسرائيل تضع يدها، مباشرة أمنياً وسياسياً وبالتعاون مع العرش الهاشمي على المليون ونصف المليون فلسطيني ممن تمت “أردنتهم”، لكن النظام ما زال يخافهم بقدر ما تخافهم إسرائيل، ولذلك فقد حاصرهم وقمعهم حتى دجنهم، ثم جاءت الظروف العربية العامة والفلسطينية الخاصة تفرض عليهم أن يعيشوا (وهم الأكثرية) كأقلية تابعة ومسحوقة، مقابل الجنسية وجواء السفر والأمان في ظل المخابرات الملكية الممتازة وجيش الحسين القهار.
“معاهدة الليل” هي الختام، إذاً، وليست البداية، في تشتيت الشعب الفلسطيني وتمزيق الأرض الفلسطينية، خصوصاً وإنها تلحظ ترسيماً للحدود بين “مملكة داوود” والمملكة الهاشمية بحيث لا يتبقى مجال لكيان ثالث، وتذوب فلسطين والانتداب البريطاني وكأنها لم تكن أبداً، في حين يتباهى الملك حسين بأن تلك الأرض “المستعادة” أو المضيعة بموجب ترسيم الحدود “كانت أردنية منذ الأزل”!!
لكأن فلسطين لم تكن أبداً،
لكأن التعاون “العربي” – الإسرائيلي قد أنهى “القضية” والشعب والأرض وحلم الدولة أو الكيان، بتواقيع وأختام ملكية في مقدمها توقيع “قائد الثورة” ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.
وبوسع الحكام العرب أن يرددوا اليوم تلك الجملة السحرية التي طالما تشدقوا بها ليتملصوا من التزاماتهم تجاه “القضية المقدسة” والتي تفيد بما معناه: نحن نلتزم بما يقرره أصحاب القضية، نقبل بما يقبله الفلسطينيون ونرفض ما يرفضونه!
وبوسع القيادة الفلسطينية أن ترد لهم الجميل فتقول ما مفاده: إنها قبلت ما كانوا يريدونها أن تقبله، ورفضت كل ما كانوا يخافون من ترددها في رفضه!
لكن هذه القيادة التي كانت هائلة القوة قبل التوقيع، انتهت بأن تكون أضعف الأطراف وأبأسها وأعجزها عن الفعل، كان توقيعها هو سر قوتها فلما فرطت به انتهت.
والملك حسين يحتفل بانتصاره على فلسطين وبالفلسطينيين، الآن، ومثله إسحق رابين.
وربما لأن شيمون بيريز قدر أهمية اللحظة العاطفية أصر على معانقة الملك المخلص والوفي لصداقاته التاريخية ولم يكتف بالمصافحة، مثل “رئيسه”.
لم توقع المعاهدة أمس: لقد أنجزت.
لذا لم ير الناس في الأمر حدثاً خطيراً أو حتى “خبراً جديداً”.
وبعد اليوم، سيكون على الناس انتظار ولادة عربية جديدة لفلسطين وللأمة جميعاً.
وفلسطين، كما الأمة، ولادة… وهاكم أخبار الداخل بشارة ونذيراً.