طلال سلمان

على الطريق مصر اللبنانية!

آخر ما كان يتصوره المواطن العربي هو أن يصبح “لبنان” نموذجاً ومثالاً وقدوة “لمصر”،
لكن حتى هذا حدث، لتأكيد هوية الزمن الرديء الذي نعيشه ونعيش فيه!
وفي حديث صحافي آخر للرئيس أنورالسادات نجده بكثير من الاستشهاد بالتماثل القائم الآن بين مصر ولبنان: لدينا فساد في الإدارة فعلاً، ولكنه مثل ذلك الفساد الذي تعرفونه في لبنان!. إن الرشوة تستشري ، فعلاً، ولكن ليس أكثر مما هي مستشرية في الإدارة وفي الأجهزة والمؤسسات اللبنانية! وثمة استغلال للنفوذ فعلاً، وثمة محسوبيات ، وثمة “اقطاع” معين، لكن ذلك كله له نظيره في لبنان!
عظيم!! كنا نطمح، ذات يوم، إلى “تمصير” لبنان، فإذا بمصر هذه الأيام تتباهى بأنها “تلبننت”. كنا نناضل من أجل أن نأخذ لبنان إلى فضائل مصر، مصر العروبة والثورة والاشتراكية والوحدة، فإذا بالنظام المصري قد جاء بقدميه إلى رذائل النظام اللبناني من فساد ورشوة ومحسوبية وإقطاع واستغلال للنفوذ!
ومن مفارقات القدر وسخرياته اللاذعة إن النظام المصري يجيء إلينا بينما يشهد أعنف اقتتال في تاريخه بين المدافعين عن مساوئ نظامه والمتصدين بصدورهم وسواعدهم لبناء لبنان الأفضل، لبنان الوطن.
نحن نقاتل النظام من أجل الوطن،
وفي مصر يقاتل النظام لحماية نفسه على حساب الوطن،
نحن نقاتل لكي لا يظل لبنان مستعمرة أميركية، أو منطقة نفوذ للأجنبي بشكل عام، ولكي نحقق تحرراً اقتصادياً يؤكد التحرر السياسي ويمنحه مضموناً حقيقياً،
وفي مصر يستشرس النظام في معركته لاستقدام أميركا بفنييها (إلى الممرات) وبخبرائها ورجال أعمالها ودولاراتهم (إلى المصارف والعقارات والمشروعات المنتجة) ويحفر لنفوذها السياسي عميقاً في مراكز السلطة والتوجيه والحكم.
ومن سوء حظ الرئيس السادات إنه ينشد التماثل مع ما هو قائم في لبنان بينما يتزاحم اللبنانيون على نفض أيديهم وإعلان براءتهم وعدم مسؤوليتهم عن “هذا القائم”، ويتبارون في رسم ملامح التغيير المنشود،
يريد مصر لبناناً جديداً، في حين إن اليمين واليسار والوسط في لبنان، وحتى أهل النظام بمن فيهم الكتائب والميليشيات، لا يتفقون على شيء قدر اتفاقهم على أن ما هو قائم في لبنان سمنة في جبين شعبه ويجب أن يزول بأسرع ما يمكن!
… ربما لهذا كان أهالي الشياح والنبعة وسن الفيل والمسلخ يرفعون أصواتهم بلعنة أهل الحكم في مصر، كلما اشتد القصف الكتائبي (أو الرسمي) لمنازلهم.
وربما لهذا كانت تلك اللاجئة الفلسطينية العجوز ترفع عينيها وكفيها إلى السماء مستنزلة غضب الله على أهل الحكم في مصر كلما قامت طائرات العدو الإسرائيلي بواحدة من غاراتها “الروتينية”.
على إن نظام لبنان “عصامي” فهو قد بنى نفسه بنفسه ودون أن يستورد الخبراء من هونغ كونغ أو طنجه العتيقة، بينما نظام مصر يتفش عنهم الآن للاستفادة من خبرتهم في … تحرير الأرض المحتلة!

Exit mobile version