طلال سلمان

على الطريق مدد عربي لإسحق رابين…

تحاول إسرائيل، بكل ما لديها من قدرة على المناورة، وبكل فنون المكر المعتق، أن تحتوي نتائج قمة جنيف بين الرئيسين الأميركي والسوري، وأن تتجاوزها.
بل لعلها تحاول توظيف تلك النتائج، ووفقاً لقراءتها الخاصة، في ما يخدم أغراضها، متكئة من جديد على بعض الانهيارات في الموقف العربي، وعلى اطمئنانها إلى قدرتها الاستثنائية في التأثير على موقف الإدارة الأميركية.
وكل ما أثبته إسحق رابين، حتى الآن، أنه أذكى من إسحق شامير في التعامل مع “عملية السلام” بوصفها “مصلحة أيمركية”، من حيث المبدأ.
ذلك تصرف بكثير من الرعونة المستفزة لأصدقائه أولاً، وهذا يتصرف بدهاء متجنباً إحراج الأصدقاء وبالتحديد “الحليف الاستراتيجي” :الولايات المتحدة الأميركية.
ذاك ذهب إلى مدريد لأنه لم يكن يستطيع أن يرفض مبدأ الذهاب، ولكنه حاول بكل جهده وبأسلوبه المتيّز نسف المفاوضات بحضوره وباتخاذه الموقف الكفيل بإقفال الباب الذي فتحته واشنطن، لأسباب تتصل بطبيعة علاقاتها المأزومة بعد “عاصفة الصحراء”، ولو موارباً.
أما رابين فإنه يتصرف بطريقة مغايرة تماماً، إذ هي تبدو أكثر ليناً وأكثر قابلية للتسويق أميركياً، أولاً، وبالتالي دولياً، ولكنه حتى الساعة لم يغادر “المنطق الإسرائيلي” الأصلي، المتطرف بطبيعته والمتعارض – بداعة – مع الهدف الأميركي المعلن “لعملية السلام”… أي السلام!
إنه يحمل في جيبه الآن التوقيع الفلسطيني على “اتفاق” يتأكد يوماً بعد يوم أنه غير قابل للتنفيذ بقدر ما هو غير قابل للإلغاء.
وهذا الاتفاق المتعثر قد وجد خارج القيادة الفلسطينية وداخل النظام العربي المتهالك من يقبله، ومن يبني عليه متعجلاً، ومن يستند إليه لكي يتصرف وكأن ملف الصراع العربي – الإسرائيلي قد طوي نهائياً وسحب من التداول.
وها هو الحكم السعودي، الذي عاقب الانتفاضة المجيدة في فلسطين المحتلة، وعاقب ومعه معظم حكام الخليج، كل فلسطيني، على موقف القيادة الرسمية لمنظمة التحرير من صدام حسين ومغامرته الحمقاء في غزة الكويت، يرفع “الحظر” المفروض على ياسر عرفات ويستقبله، وكأن شيئاً لم يكن.
إنه اليوم لا يستقبل في شخص عرفات لا المنظمة ولا الاقرار الوطني، المستقل ولا بطبيعة الحال انتفاضة أولئك المجاهدين الذين يقاتلون على مدار الساعة من داخل معتقلهم في إسار العدو الإسرائيلي.
إنه اليوم يستقبل بالتحديد اتفاق غزة – أريحا، بوصفه مكسباً إسرائيلياً تاريخياً.
وهذا عقاب جديد للانتفاضة في أي حال، فهي المرفوضة والمنبوذة والمقطوعة عنها المساعدات على أنواعها، أما الاتفاق البائس مع الإسرائيلي فهو المقبول بل لعله كان المرتجى، ولعل “الحصار” كان بين المبررات أو مسوغات الوصول إليه باعتباره الخيار الأوحد المتاح!
كذلك فإن لقاءات بعض المسؤولين الخليجيين مع ممثلين للحكومة الإسرائيلية والتي تتوالى من غير أي تفسير مقنع، تحتسب إضافة إلى رصيد غزة – أريحا.
لكأن الحكاية ذاتها تتكرر مع كامب ديفيد السادات.
يومها تم عقاب شعب مصر، وبقسوة، ثم بعد حين قبلت المعاهدة، وتم غض الطرف عن العلم الإسرائيلي في القاهرة، وعادت الأمور إلى مجاريها وكأن وجود سفارة إسرائيلية على مبعدة بضع مئات من الأمتار عن مبنى الجامعة العربية في عاصمة المعز لدين الله، أمر طبيعي ومن شأنه أن يعزز التضامن العربي.
واليوم ها هو صاحب التوقيع على الحل المنفرد الثاني مع العدو الإسرائيلي يُقبل من خلال الاتفاق، وبعدما “تحصن” به، فبات صعباً رفضه واستبعاده، بل وصارت رعايته مطلوبة وواجبة.
من هنا هذا “الاستقواء” الإسرائيلي على نتائج قمة جنيف والتعهدات الأميركية الجديدة التي أمكن للرئيس السوري حافظ الأسد أن يحصل عليها من الرئيس الأميركي بيل كلينتون.
إن إسحق رابين ما زال يماحك في موضوع الانسحاب من الجولان، كما أنه ما زال يرفض الدخول الجدي في موضوع الانسحاب من جنوب لبنان (ناهيك بتنفيذ القرار المنسي 425).
لقد تبدل “الشكل”، بعد جنيف، أما المضمون فما زال هو هو.
ولعل هذا هو الامتحان الفعلي لبيل كلينتون وتعهداته “العربية”.
… شرط أن يتوقف الحكام العرب عن التبرع بتبني “الطفل” الذي ولد سفاحاً في أوسلو على حساب الحق العربي في فلسطين وما جاورها من أرض وحقوق وكرامة للأمة جمعاء.

Exit mobile version