طلال سلمان

على الطريق مبروك سليم الحص لقد خسّرتنا القضية!

بمذكرة بسيطة اللغة، محددة المعاني، نقية المقاصدن دقيقة على شمولها، لخص “الأستاذ” سليم الحص للأمة العربية حقيقة الوضع في لبنان، بوقائعه الخطيرة الراهنة واحتمالاته المدمرة على المستويين الوطني والقومي.
خرج “الدكتور” على نص الخطاب السياسي الرسمي المعتمد، مستفيداً من مؤاتاة اللحظة السياسية، محلياً وعربياً ودولياً و”شرح” للعرب ما يجب أن يعرفوه عن أنفسهم في لبنان، وعبره في أقطارهم التي تختزن – بمجملها – مشاريع حروب أهلية كامنة ، لأسباب “لبنانية” بهذه النسبة أو تلكز
وبهذا ضمن المحامي الكفء والنزيه خسارة القضية!
فوزراء الخارجية العرب الذين سيتلاقون، مبدئياً، في تونس يوم الأربعاء المقبل، للنظر في الموضوع اللبناني، سيرتجفون هلعاً وهم يقرأون النص، وقد يخفيه بعضهم عن رؤسائهم أو يلخصون وثيقة الإدانة الدامغة تلخيصاً أبتر يستفزهم ويدفعهم إلى الاعتراف بميشال عون رئيساً وقائداً وحاكماً مطلقاً ووكيلاً عاماً للنظام العريب الواحد فوق عموم الأراضي اللبنانية!
ذلك إن المطالعة الراقية التي يتقدم بها سليم الحص من مجلس الوزراء العرب تكاد تلخص “عصر الهزيمة العربية” برموزه كافة، عبر تركيزها على القضية التي استولدت الأزمة في لبنان، والتي أفرزت نتائج تفوق الأسباب خطورة، آخرها وأدقها المأزق الدستوري الذي شطر الدولة وهدد الوحدة في البلد الجريح!
والمطالعة تكاد تستعصي على أي اختصار، بل إن كلماتها تكاد تتفجر بثقل المعاني والدلالات التي تتضمنها أو تعبر عنها أو تشير أو تومئ إليها،
إنها “السيرة المضادة” للسيرة الذاتية للنظام اللبناني، يكتبها أحد أبناء هذا النظام والمؤمنين بضرورة استمراره، وهي ضرورة لا تتوفر إلا بإصلاحه،
ولأنها “لبنانية” إلى هذا الحد فهي عربية إلى أقصى حد،
ولنأخذ ، هنا، خاتمتها المشتملة على صيغة الحل المرتجى،
يقول “الرئيس” سليم الحص بلغته البسيطة:
“خلاصة القول إن آفاق المخرج من الأزمة الوطنية لا بد أن تنفتح يوم تتهيأ أسباب الوفاق الوطني على مواضيع المعالجة للقضية اللبنانية، أي على:
*تأمين حقوق الإنسان في وطنه، انطلاقاً من مبدأ إلغاء الطائفية السياسية في شتى المجالات، توصلا إلى تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.
* تطبيق صيغة عادلة للمشاركة في الحكم بين الطوائف، ريثما يتم إلغاء الطائفية السياسية، انطلاقاً من تعديل دستوري يجعل مجلس الوزراء ، بدلاً من رئاسة الجمهورية، مركز السلطة الاجرائية على مستوى القمة.
* شق طريق العمل على بناء الدولة القادرة والعادلة،
* إرساء قواعد سياسية إنمائية وإعمارية شاملة
* تطوير الممارسة الديموقراطية بحيث تكون صمام أمام فاعلاً في مواجهة الأحداث والمشاكل، وتكون أداة تغيير منتظم ومتواصل.
* توحيد الإرادة الوطنية وتعبئة الطاقات المادية والبشرية والوطنية في التصدي للأطماع الصهيونية ومواجهة العدوان المستمر وتحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي.
” إذا تهيأت أسباب الوفاق على مواضيع الحل هذه، فإن سبيل الخروج من المأزق الدستوري، الذي يهدد وحدة لبنان وبالتالي وجوده، يغدو ميسوراً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وقيام حكومة موحدة إلى جانبه”.
هل هذه مطالب “لبنانية” فحسب، أم إنها المطالب المعلنة أو المضمرة في كل قطر عربي؟!
وهل هذه المطالب مرفوضة فقط من قبل “قوى الأمر الواقع” الحاكمة أو المتحكمة في لبنان، أم تراها مرفوضة من قبل النظام العربي الواحد القائم أمراً واقعاً حاكماً ومتحكماً في سائر أرجاء الوطن العربي الكبير؟!
إنها أزمة نظام، لكنها في الوقت ذاته أزمة مجتمع،
إنها أزمة هوية، ولأنها كذلك فلقد صار الخلاف على العروبة قضية،
إنها أزمة الحكم بالفردن والحكم من خارج الحكم لأسباب طائفية (أو قبلية أو جهوية)،
إن الحاكم (الرئيس – الملك) الفعلي لا يحاسب بينما ينصب الحساب والعقاب على المعاونين ممن ينفذون أوامر السلطة ، التي لا يملكون من أمرها شيئاً،
وفي غياب المحاسبة يبقى الحاكم حاكماً حتى يشيب الغراب،
يبقى بشخصه ، أو بشخص ابنه، أو بشخص عائلته، وفي حالات نافرة كلبان تلخص الطائفة الحاكمة في عائلة أو مجموعة أسر تجمعها أواصر القربى والنسب فيبقى الحكم، دائماً في الذرية الصالحة،
لا ديموقراطية حتى داخل الأسرة – الطائفة الحاكمة: فكيف يطلبها سليم الحص داخل “الشعب” وللشعب كله؟!
وفي غياب الديموقراطية تنتفي بالتأكيد العادلة، وتصبح المساواة – إذا ما اعتمدت شكلاً – مفرغة من مضمونها، وهل يتساوى أو يستوي الذين يملكون والذين لا يملكون؟!
ممنوع حكم المؤسسة في لبنان “الديموقراطي”، فكيف في الأقطار الأخرى التي تربط أنظمتها بين الديموقراطية وبين التوصيفات اللاغية، أو بالتي تعتبر “الديموقراطية” كفراً وتجديفاً وخروجاً على أصول الدين، ناهيك بأنها “فكرة مستوردة”،
ولنتحدث عن حدود “الاصلاح” في لبنان، كما يوصفه “الأكاديمي” سليم الحص،
إنه لا يطالب بإخراج الرئاسة من الطائفة الممتازة،
وهو لا يلغي دور رئيس الجمهورية أو يعطله،
ولا يطلب إلغاء الطائفية السياسية فوراً، لأنه يعي أزمة النظام وأزمة المجتمع في آن،
إنه يقول بنقل الحكم من الفرد المطلق الصلاحية و”المعصوم” والمنزه عن الشبهات والأغراض والسهو والغلط، إلى المؤسسة الجامعة (مجلس الوزراء)، بحيث يتساوى الجميع في الحقوق ويتساوون أيضاً في الواجبات ويصبح القرار جماعياً وكذلك المحاسبة التي من شأنها أن تحمي الديموقراطية والعدالة والمواطنة.
أي إنه يقول بحكم يجسد الوحدة الوطنية، ولا ينقضها أو يهددها، في حين يصر “أصحاب الامتيازات” على حكم الطائفة المحصنة بضمانات أجنبية تلغي فكرة الوطن وحقيقة الدولة ذات السيادة، وتجهض حقوق الإنسان فكيف يتبقى من دونها “مواطن”؟!
و”الطائفة” التي تحتكر الحكم و(الدولة) في لبنان لا ترفض الشراكة أو المشاركة فحسب ، بل هي لا تقبل لمندوبها في السلطة نائباً أو وكيلاً، ولو لطرفة عين،
وبسبب من طبيعة النظام، بكل ما فيه من خلل،
وبسبب من إنكار الهوية الطبيعية للبلاد، أرضاً وشعباً،
وبسبب من التغييب المتعمد والإضعاف اليومي للدولة، كضامنة لوحدة المجتمع وأداة لتماسكه وجهاز عامل من أجل تقدمه وإنمائه، في مختلف المجالات.
وبسبب من شطب المواطن وإلغائه كإنسان والإصرار على التعامل معه كرعية لطائفة لا يأخذ نصيباً من خارج حصتها ولا يطمع بالحق الالهي الذي للممتازين، وإلا أخافهم ودفع بهم إلى طلب الحماية الأجنبية (أو الإسرائيلية، وهي أقرب)،
بسبب من هذا كله فقد صار لبنان الحلقة الأضعف، في السلسلة العربية، هكذا قال سليم الحص،
وما لم يقله إنه بسبب من هذا كله صارت السلسلة العربية – بمجموعها – عبارة عن مجموعة من الحلقات الضعيفة والحلقات الأضعف.
وهنا مكمن الهزيمة والتراجع المتواصل بحيث إن الأمة اليوم، بمجموعها، أبعد عن غاياتها وأهدافها وثرواتها، مما كانت قبل عشرين سنة أو ثلاثين،
ثم إن الأمة اليوم أضعف من أن تتمنى أو تحلم، فكيف بأن تنهض لاستعادة حقوقها المنهوبة من غاصبها في الخارج، ومن مسهل الاغتصاب في الداخل الذي لا يزيد على كونه “مرتزقاً” مهما بلغت ثروته التي يسخر بعضها لرشوة بعض ذوي الحظوة أو المنافقين أو المروّجين لأكاذيبة، أو الذين يوفرون له نسباً شريفاً أو دوراً شريفاً مزوراً.
أغلب الظن إنه ما من عاقل في لبنان يمكن أن يختلف في التوصيف مع سليم الحص،
على إن المؤكد إن كل متسلط أو شبيح أو متاجر بالطائفية أو مستفيد من عيوب النظام الطائفي، سيرفض التوصيف تمهيداً لأن يرفض العلاج – الحل المقترح.
بقي أن نسمع رأي السادة الوزراء العرب،
وأعظم ما نتمناه هو أن يضيق وقتهم فلا يقرأوا ما كتبه سليم الحص، وأن لا يفهموه إذا قرأوا لأنهم عندئذ سينصحون قياداتهم بإعلان الحرب فوراً على هذا المارق والمرتد والكافر سليم الحص ومن قال قوله أو وافقه على ما يقول!
“إنه يحاكمنا، يا أصحاب الجلالة والسيادة والسمو،
“إنه يديننا، طالت أعماركم،
“إنه يرمينا بدائه وينسل “سليماً”،
“إنه يفضحنا، فمع كل سطر من مذكرته الحاقدة تسقط ورقة تين عن عورة من عوراتنا فإذا نحن مع نهايتها عراة وملعونون!
“… ثم يدعي إنه الرئيس والشرعي،
“إنه شيوعي، يا أصحاب الفخامة، إنه أصولي يا أصحاب الجلالة، إنه سوقي يا أصحاب الدم الأزرق، لقم تسلل ذات يوم إلى النادي في غفلة عين، وقبلناه على إنه “حص” فإذا هو يكبر عليكم أنتم الذين لا أكبر منكم ولا أعلى ولا أقوى…”
هكذا سيصرخ الوزراء منبهين سادتهم الرؤساء والملوك إلى خطورة المحامي الذي يجب أن يطرد شر طردة ويلعن في كل كتاب لكي يكون عبرة لمن يعتبر “بين رعاياكم يا مولاي”.
مبروك، دولة الرئيس،
لقد خسرت “القضية”، حتى من قبل أن تنعقد “المحكمة” وتنطق حكمها السامي “باسم الأمة”.
مبروك دولة الرئيس.
لقد كسبت الأمة مدافعاً عن غدها،
… أما نحن فنستطيع أن نعمل معك في انتظار ذلك الغد الأغر!

Exit mobile version