طلال سلمان

على الطريق ماذا يتبقى لكم؟

مرة أخرى: لم يعد الصمت ممكناً، ولا هو عاد جائزاً أو مقبولاً أو مبرراً. الصمت عن هذا الذي يجري في مصر ومعها ولها.
مصر الكبيرة، العظيمة، القائدة، الرائدة، القاعدة والطليعة. مصر ملايين الفلاحين والعمال من صناع الحضارة والأمجاد والانتصارات. مصر صلاح الدين. مصر عرابي وجمال عبد الناصر وعبد المنعم رياض وآلاف الشهداء الذين مدوا أجسادهم جسراً للعبور العظيم…
ماذا يتبقى من مصر هذه، ولمصر هذه، إن هي خسرت – أيضاً – سوريا والمقاومة الفلسطينية، بعدما خسرت قبلهما ليبيا الثورة (والجزائر، والعراق)، والجماهير – الأمة على امتداد هذا الوطن العربي الكبير بين المحيط والخليج؟
ما يتبقى سيكون شيئاً آخر غير مصر، وسيكون جسماً أشوه، لا صلة له من قريب بتاريخ مصر ومطامح شعبها وبمكانها ومكانتها تحت الشمس.
ما يتبقى سيكون مخلوقاً هجيناً: للسعودية فيه نصيب، ولإيران نصيب، ولأي رجعي في أربع رياح الأرض نصيب، وللولايات المتحدة الاميركية ألف نصيب ونصيب،
وحده المواطن العربي في مصر لن يكون له في مصره نصيب،
ومعه المواطن العربي في كل قطر عربي. أي الإنسان العربي الذي شكلت مصر دائماً مصدر اعتزازه، وموئله، ومنبع أمله في غد أفضل، وملاذه الأخير.
إن مصر عظيمة ولكن بما تعنيه لشعبها ولأمتها،
إنها عظيمة بما قدمته عبر التاريخ للعرب وللمسلمين، لأفريقيا وللمناضلين في كل أرض، من زاد ثقافي وفكري وسياسي،
عظيمة بكونها وفرت للآخرين القدوة والنموذج والمثال وحصن الأمان.
عظيمة بكونها قادت – باسم المضطهدين والمقهورين والمظلومين والفقراء والعرب عموماً – معركة التحرر، فواجهت أعتى القوى الاستعمارية وانتصرت عليها مفيدة من قوتها التي هي حصيلة رصيدها التاريخي مضافاً إليها زخم نضال شعبها وعبقرية قيادتها الفذة ممثلة بجمال عبد الناصر.
عظيمة بأنها لعبت، على الدوام، دور القلعة التي لا تسقط، والجدار الصلب الذي تتكسر عليه موجات الغزو الاستعماري المستهدف روح هذه الأمة ووجدانها ومصيرها ووجوده ذاته. وهكذا هزمت التتار والصليبيين، وهزمت أيضاً المشروع الإمبراطوري الإسرائيليز
ولكنها أبداً لم تكن وحدها. كان معها دائماً أخوانها العرب، يعقدون لها اللواء، ويقاتلون تحت إمرتها، ويفقتدونها بأقطارهم وأرواحهم وما ملكت إيمانهم.
ومن أي استقراء للتاريخ يمكن تحديد الانتصارات والهزائم التي حققتها مصر أو منيت بها: فالهزيمة والانفصالية أو الانعزالية توأمان، والنصر والوحدة توأمان.
والذي يباعد بين مصر وسوريا (وفلسطين) يقرب مصر من الهزيمة، والعكس بالعكس،
إن الهزيمة – كالنصر – تبدأ عربياً في مصر وتنتهي فيها…
واليوم يبدو جلياً إن القوى المعادية لهذه الأمة، تصعد هجومها وتسرع حركتها لتوجيه ضربة موجعة في القلب، مفيدة من الموقف المصري الراهن، الغريب والعجيب والمريب أيضاً.
ومع إن الثابت أن مهندسي هذا الموقف لن يكونوا في عداد المفيدين من الهزيمة الجديدة التي تدبر للعرب، ومصر منهم وفيهم، فإنهم حتى هذه اللحظة يتصرفون بمنطق: أنا ومن بعدي الطوفان..
لكن السؤال هو: من يملك ضماناً ضد الطوفان، من أي جهة أتى؟
فهل تنتبه مصر، قبل فوات الأوان، إلى ما يدبر لها ولأمتها، أم آن الأوان قد فات فعلاً ولات ساعة مندم؟!
ماذا يا مصر؟
وأين أنت يا مصر؟
وهل أنت – التي باسمك يتكلمون ويسوسون – ، هل أنت مصر؟

Exit mobile version