طلال سلمان

على الطريق ماذا بين الحريري و”جمهوريته”؟

لسبب ما، غير مفهوم تماماً، يجري التعامل مع مشروع حيوي كإعادة إعمار الوسط التجاري لبيروت وكأنه “صفقة سرية” أبطالها من الأشباح من ذوي الأغراض لا يجوز أن يتعرضوا للنور حتى لا يحترقوا!
ومنذ أن طرح الموضوع قيد التداول اعتمد الهمس – بكل إيحاءاته – بديلاً عن الكلام الصريح، وحلت الشائعة محل البيان، ووظفت التخمينات محل الأرقام والخرائط والمجسمات العتيدة.
كل خطوة تمت جاءت مسبوقة أو مصحوبة بطقوس العمل السري، من إعداد مشروع التعديل في قانون مجلس الإنماء والاعمار، إلى ظروف تمرير هذا المشروع في مجلس الوزراء، فإلى هبوط بعثة “بكتل” بالمظلة لكي تبرم مع “الدولة” كلها عقد دراسة المشروع.
أما بعد إحالة مشروع القانون إلى اللجان، فإلى المجلس النيابي فقد تصرف مختلف المعنيين بأنهم قاب قوسين أو أدنى من النجاح في تمرير “العملية”، مما أضفى عليها طابع الشبهة وآثار ريبة من لم يكونوا مستريبين لا بالنوايا ولا بالاستعدادات ولا طبعاً بالاستهدافات.
لعل البعض بالغ في تقديم خدمات استثنائية لرفيق الحريري، تضره ولا تنفعه وتسيء إليه بدل أن تخدمه، ثم إنه في كل الحالات لم يطلبها ولا هو بحاجة إليها.
ولعل بعضاً آخر قد رآها فرصة لكي يدرج اسمه على قائمة المبادرين إلى تسهيل مهمة الحريري بأمل أن يرد “أبو بهاء” التحية بأحسن منها فيدرجه على قائمة أصحاب الحظوة أو حتى قائمة المتعاملين بالقطعة!
في أي حال فهي خسارة لبيروت وللبنان أن يسحب رفيق الحريري يده أو أن ينهي دوره حيث كان يأمل الناس أن يكون دوره أساسياً ويده هي الأولى في مجال إعادة إعمار لبنان عموماً وعاصمته – الأميرة المحروقة القلب – على وجه الخصوص.
وكائنة ما كانت أسباب حرد الحريري أو استنكافه فسيظل أمراً غير مفهوم أن تختلف جمهورية الطائف مع أحد مهندسي مؤتمر الطائف وأبرز من ساهم بيده وقلبه ولسانه في تدعيم من يتولون الآن مقاليد الحكم فيها.
لقد “احترق” مشروع الشركة العقارية لبيروت بسبب اللغط الذي أثير حوله، والذي شكل اساءة على الدولة بمراجعها العليا وحكومتها ومجلسها النيابي، وإلى المشروع كما إلى رفيق الحريري شخصياً.
ومع إن بعض الذين تولوا مهمة تسويق هذا المشروع أو التبرع بالدفاع عنه لم يكونوا ناجحين في مهماتهم تماماً، فما كانت الصورة لتتبدل كثيراً لو أنهم كانوا أعظم بلاغة وأكثر حذراً!
ذلك إن مشروعاً بهذه الحيوية كان يجب أن يقدمه الحكم باعتباره الصفحة الأولى من رؤيته الشاملة، ومن طموحه المبرر لوجوده في بناء لبنان الغد.
لقد ولد المشروع و”مات” – ولو مؤقتاً – من قبل أن يقدر الناس على تكوين صورة صحيحة عنه، إذ لم يعرفه فيعرّفه بالدقة من تولى الترويج له، كما إن المعترض بنى سلبيته على أساس ما يسمع مما يراه ماساً بحقوقه أو حقوق أهله من صغار المالكين أو المستأجرين في الأسواق التجارية.
وعلى حد تعبير بعضهم فقد حصل تبادل في الأدوار، تصرف الحكم وكأنه الحريري – كمساهم بماله وبعلاقاته العربية والدولية – وتصرف الحريري وكأنه صاحب القرار السياسي فسقط المشروع في الفجوة بين متبادلي المواقع والأدوار!
كانت تلك معركة الحكم فخاضها الحريري ، إيجاباً وسلباً، ولا يعزي اللبنانيين في شيء أن ينصرفوا إلى تحديد من خسر أكثر.
لقد أثيرت ملاحظات وتحفظات عديدة على المشروع، بعضها بريء ومنطقي ودافعه الحرص على حقوق المواطنين في أملاكهم كما في الأملاك العامة، وبعضها الآخر مشبوه ودافعه الابتزاز ولي ذراع الحريري لكي يدفع ثمن السكوت.
لكن العقوبة قد سقطت، مرة أخرى، على المواطن، وعلى بيروت التي تنتظر من ينضو عنها ثوب الحداد والموت ويبعثها عاصمة للعرب تقدم لهم في قلبها ناديهم وجامعتهم ومطبعتهم ومستشفاهم وصحيفتهم وكتابهم وشارعهم الوطني وقهوة الصباح.
والحريري لا يستحق عقوبة على عمل طيب بدأه ثم لم يكمله، حتى لو كان الاستثمار المباشر لأمواله بين أهدافه فيه،
لكن المواطن يتساءل: هل قدّر عليه أن يتحمل الغرم دائماً، فكلما أراد طرف أن يقتص من طرف آخر وقعت العقوبة على “الشعب”.
وأية “جمهورية ثانية” ستقوم إذا ما بدا وكأن حكمها لم يستطع الاحتفاظ بأصدقائه وداعميه وبعض مسوقيه عربياً ودولياً؟
أم أن الحكم قرر أن ينفع البلاد “بأمواله” و”احتياطاته” النقدية والعينية التي راكمها وحماها وصانها من كل سوء هذا الرهط من الكبراء والرؤساء والوزراء ومعهم الحاشية والبطانة أصحاب النسب الشريف والمسلك الشريف؟!
والسؤال: من يوقف مثل هذه المهزلة – الماساة؟!

Exit mobile version