طلال سلمان

على الطريق ماذا بعد الاتهام؟

في مناسبتين منفصلتين وإن متكاملتين، وفي يوم واحد، أطلق قطبان من أقطاب العمل السياسي في لبنان، واستطراداً ركنان من أركان “حكومة الوحدة الوطنية” جملة من الاتهامات الخطيرة تتناول النظام والحاكم والحكم وبعض مؤسساته مع تركيز على أجهزته الأمنية الفاعلة.
بل إن ما قاله نبيه بري ووليد جنبلاط، أمس، يمكن أن يشكل وثيقة إدانة قابلة لأن تأخذ بها النيابة العامة العسكرية وتتحرك تلقائياً لمساءلة من اتهموا (بالاسم) وبالتخطيط والإعداد لمحاولة اغتيال الرئيس سليم الحص وغيره من الشخصيات السياسية والإعلامية.
ذلك إن الأمر لم يقتصر على الاتهام المجرد، بل تعداه إلى المطالبة بإقالة بعض قيادات هذه الأجهزة الأمنية ممن يعملون في الخفاء ولا يعرف الناس صورة لهم ولا يسمعون بأسمائهم إلا مرتبطة بحوادث وأحداث مفجعة لا يمكن لأحد أن يعتبرها ضمن ما يخدم المصلحة اللبنانية العليا ويحقق الخير للبلاد والنفع للعباد وينشر على الأرض السلام المنشود!
وإذا ما تجاوزنا مؤقتاً بعض الاتهامات ذات الطابع الأيديولوجي للنظام بالعجز والتخلف والطبيعة المعادية لمطامح الشعب ومستقبله، فإن الاتهامات الأخرى، السياسية والجنائية التي أطلقها وليد جنبلاط ونبيه بري ضد “مخابرات اليرزة” وضد الحكم عامة، والتي تضمنت تسمية الأشخاص المعنيين بأسمائهم، لا يجوز أن تمر وكأنهم كلام مناسبات ورد في خطبة حماسية استرضاء للجمهور، واحتواء لموجة تطرف في صفوفه.
إن الرجلين هما بعض أكثر الرجال مسؤولية عن مصير لبنان، ثم إنهما شريكان في الحكم وبري هو وزير العدل إضافة إلى موقعه على رأس أوسع حركة جماهيرية في البلاد.
ثم إنهما حليفان رئيسيان لدمشق يجهران بتأييد دورها ومبادرتها لتوفر حل سياسي (عربي بالضرورة) للمسألة اللبنانية، ولا مجال لاتهامهما بأي حال بالشغب على الدور السوري واستطراداً على الخطة الأمنية التي يفترض إنها تحظى بمباركة دمشق ورعايتها.
كذلك فإن كلا من الرجلين هو في موقع “المرجع” بالنسبة لطائفته أو فلنقل بالنسبة لجمهور عريض جداً من اللبنانيين، ولا نظن للحظة إن أياً منهما يطلق الاتهامات جزافاً حول جريمة كادت تنشر نيران الفتنة لتلتهم الأخضر واليابس في بيروت وسائر أنحاء لبنان، عبر تهديدها حياة صديق كبير وحليف لا يستغني عنه بالنسبة إليهما وقيادي مسؤول ومميز بمنزلته لدى الناس عموماً هو الرئيس سليم الحص.
وأية خطة أمنية هي هذه التي ستكون، والتي يفترض أن ننتظر منها إنهاء عصر القتل والاغتيال والخطف والنسف والقصف والعسف والسيارات المفخخة، بينما بعض أجهزة الحكم يتهم – علناً وبالاسم – بأنه تآمر لاغتيال رمز بيروت والعل الوططن فيها وأحد أركان “حكومة الوحدة الوطنية”، إضافة إلى كل من استشهد أو كان يمكن أن يستشهد صباح يوم عيد الأضحى المبارك وأمام منزل سماحة مفتي الجمهورية؟!
ثم أية مصداقية ستكون لأي كلام يبلغ إلى دمشق، وأي اتفاق يعقد معها، إذا ما تكاثفت في الأفق غيوم أزمة الثقة، القائمة دوماً بين الحكم والحكومة، وإذا ما ظل بعض الحكومة يتهم بعض أجهزة الحكم والحكومة، وإذا ما ظل بعض الحكومة يتهم بعض أجهزة الحكم بأنها تعمل للخلاص منهم ومن كل القادة والمراجع الذين تعتبرهم دمشق – وبحق – ضمانات للنهج الجديد للحكم، أي للنهج الذي أعقب إسقاط اتفاق 17 أيار ومعه (بالافتراض) السعي الحثيث لفرض هيمنة اللون الواحد على البلاد والعباد جميعاً؟!
لقد تعامل الناس بتشكك مع أي خلوة عقدت بين الحكم وأي من الوزيرين نبيه بري ووليد جنبلاط، وكان بين أسباب التشكك التخوف من أن تتم في الخلوة صفقة طائفية أو نفعية من خلف ظهر دمشق أو على حسابها.
كذلك فقد كشفت أحاديث الوزيرين بري وجنبلاط إن الحكم كان يحاول في كل زيارة لدمشق أن يوغر صدرها عليهما من خلال إبلاغها معلومات خاطئة عن مواقفهما… بل وتقول أوساطهما إن بعض الأحاديث تناولت أوضاعهما العائلية كمدخل للوقيعة أو كسند لأحاديث التشكيك.
في أي حال فإن خطورة الاتهامات التي أطلقها الوزيران جنبلاط وبري يوم أمس، والتي نقلت إلى العلن ما كان الناس يتهامسون به كتقدير أو كاستنتاج أو كمعلومات أولية تفتقر إلى الدليل الملموس والقاطع، تستدعي منهما موقفاً عملياً لا تراجع فيه ولا تنازل عنه،
ولسنا بين من يطالب بري وجنبلاط بالاستقالة احتجاجاً، فدورهما أن يقيلا المتآمر والمتواطئ والمدبر والمخطط وصولاً إلى محاكمة هؤلاء جميعاً ومعهم أدوات التنفيذ، واستصدار الأحكام المناسبة ضدهم.
كذلك فلسنا بين من يطالبهما بمقاطعة الحكم أو جلسات مجلس الوزراء، فذلك تصرف فردي وسلبي لا يقدم ولا يؤخر ولا يوفر حلاً للأوضاع المشكو منها.
ولكننا نطالبهما بعدم التهاون أو التساهل أو السكوت عن لفلفة مثل هذه المواضيع الخطيرة، كما تعودنا من محترفي السياسة الأماجد الذين يرفعون أصواتهم بالاتهام طلباً لثمن السكوت ليس إلا،
كذلك فنحن نطالب الرئيس رشيد كرامي بموقف حده الأدنى أن يضمن سلامة أولئك الذين ارتضوا أن يتحملوا المسؤولية الثقيلة عبر اشتراكهم في حكومته،
وبعدما يضمن الرئيس كرامي سلامة وزرائه فلسوف نطالبه بضمان سلامة العباد والبلاد،
ولسنا نطلب ضمانة ضد أعداء الخارج، ولكن ضد الأجهزة الرسمية أو المسؤولين في الدولة اللبنانية المتهمين – علناً – بالارتباط مع أعداء الخارج وتدمير الداخل ومن في الداخل تحقيقاً لمصالح هؤلاء الأعداء وفي طليعتهم العدو الإسرائيلي.
وأكيد في تقديرنا أن الرئيس كرامي يعي إن من يريد قتل سليم الحص لا يريد له هو شخصياً، ولأمثاله ولما يمثلون، الحياة،
فالرئيس كرامي، بتجربته السياسية الغنية، وبمعرفته بالرجال والأحوال، وبحسه الوطني الصادق، لا يمكن أن يخطئ في الأساسيات، خصوصاً وإنه حتى هذه اللحظة لا يستطيع الوصول إلى بيته في طرابلس إلا عن طريق الجو، تحاشياً لقاطعي الطريق – على الدولة والناس – عند حاجز البربارة… تماماً كما يقطعون الطريق على الدولة والناس بين الدامور والأولي على طريق الجنوب الأسير.
ومشكلة أن تتهدد وحدة الحكم والحكومة وأن يعيشا خطر الانفراط، ولكن قيمة وحدتهما أن تكون مقدمة ومدخلاً لوحدة لبنان وليس على حساب وسلامة العباد والبلاد معاً،
وبيروت هي عنوان الوحدة والسلامة،
فلا جنوب ولا شمال ولا جبل ولا بقاع بغير العاصمة الأميرة والورة والسيف،
ومن هنا فإن المدخل للتصحيح هو أن نحمي الأميرة وأن نضمن سلامتها وسلامة من فيها،
ومن هنا تكتسب الدعوة لمؤتمر وطني من أجل حماية بيروت ولبنان صفة الضرورة القصوى والتي لا مجال لإرجائها حتى إشعار آخر.
فالإشعار الآخر سيأتينا عبر محاولة اغتيال أخرى قد تنجح هذه المرة فيسقط المؤتمر حتى من قبل أن يعقد.
والمبادرة مطلوبة أولاً وأخيراً من الوزيرين بري وجنبلاط ومعهما الشهيد الحي سليم الحص وسائر الشهداء الأحياء.

Exit mobile version