طلال سلمان

على الطريق ماجد حمادة: فقيد كل الناس

لم يتسنَّ لماجد حمادة أن يعيش في إفياء الزعامة الموروثة التي ألبس عباءتها مع وفاة والده التاريخي.
لقد همّ بدخول الحياة السياسية مع انفجار النظام وانقلابه على ذاته، عبر الحرب / الحروب الأهلية اللبنانية – العربية – الدولية، فلما لم يجد المكان المناسب اختفى بعيداً عن العين وعن الذاكرة.
وحاول ماجد حمادة المثقل بأعباء زعامة العشيرة أن يتخفف من الماضي وأن يرسم لنفسه مستقبلاً مغايراً، فاجتهد وأصاب وأخطأ ولكنه نجح في ألا يكون مجرد امتداد لصبري حمادة والسابقين من وجهاء تلك العائلة التي ملكت ذات يوم (وحكمت) نصف الشمال والجبل (من المنطيرة للقنيطرة)..
لكن ماجد حمادة مات زعيماً.
فالرجل الذي لم تتوفر له الفرصة لخوض الانتخابات إلا مرتين وبعد دهر من غربة الناس عن الوطن وغربة الوطن عن ناسه، جانبه النجاح لأنه كان آتياً من البعيد البعيد.
على أن الناس الذين لم يستطيعوا أن يعطوه أصواتهم قد أعطوه عاطفتهم وتعاطفهم وهم يلتقونه ليودعوه.
تلك كانت المرة الوحيدة التي التقوه فيها: كان اللقاء وداعاً.
وهم قد بكوه بحرقة، وساروا بنعشه على أكتافهم إلى مثواه الأخير وكل منهم يشعر أنه قد فقد عزيزاً من بيته.
لكأنما خسره كل بيت، وشيعت فيه كل عائلة ابناً غالياً.
وبعض العاطفة لماجد حمادة شخصياً، والبعض الآخر إعلان موقف ضد “الآخرين” الذين احتلوا مواقع التمثيل من خارج الإرادة الحرة لأهالي بعلبك – الهرمل.
فالأهالي الذين كانوا يتمنون الخروج من إسار الزعامات الموروثة، لم يجدوا في “البدلاء” ما كانوا يتمنونه من انتساب حقيقي للهم الشعبي ولتيار التغيير الذي ينهي دهر الظلم والحرمان والإهمال.
وبالمقارنة أعاد الناس الاعتبار إلى صبري حمادة ومدرسته، خصوصاً وإن بين ما يشفع له أنه لم يخطئ أبداً في الموقف الوطني العام، من الاستقلال إلى مناهضة سياسة الهيمنة الغربية (والإسرائيلية) على المنطقة، إلى الالتزام بالخط العربي من دولة الموحدة، الجمهورية العربية المتحدة وانتهاء بدعم المقاومة الفلسطينية عندما كانت حركة ثورية ترفع شعار التحرير.
بكى الناس في ماجد حمادة شبابه ودماثته ودعته، وبكوا فيه أيضاً أنه لم ينشئ ميليشيا لحسابه، لم يقتل، ولم ينهب أموال الناس بدعوى التعصب الطائفي، ولم يستبح حرمات الناس.
رحم الله ماجد حمادة،
لقد مات زعيماً، وجسد بموكبه الأخير شوق الناس في منطقة بعلبك – الهرمل إلى الدولة وإلى الحياة السياسية وإلى المعارضة وإلى إثبات وجودهم وإلى انتزاع الاعتراف بهم وبمنطقتهم التي طال حرمانها حتى كاد الانتساب إليها يصبح شبهة، وطمست قيم أهلها ونخوتهم وشجاعتهم ودورهم الوطني والقومي لتستحق أن تظل معاقبة بالإهمال إلى حد الإلغاء.

Exit mobile version