طلال سلمان

على الطريق “مؤتمر السلام” و”المحايدون” العرب: مراقبو اغتيال الغدذ!

أين يقع “مؤتمر السلام” على خريطة التحولات الكونية المذهلة التي تتوالى كنتائج فورية ومباشرة للزلزال السوفياتي؟!
هل ستظل لهذا المؤتمر العتيد صورته الأولى أم ستتأثر “وظيفته” بما جرى في موسكو التي تبدّل الآن وجهها ولغتها؟1
وقبل: هل ما زال المؤتمر مطلوباً، وفي موعده المقرر، أم أن التبدل الذي أصاب “أحجام” الأطراف الداعية أو المدعوة إليه قد ألغى الحاجة غليه، أقله بالتوقيت المفترض؟!
الجواب الأميركي الرسمي جاء حاسماً “بالتوكيد والإصرار”، على طريقة الوزراء اللبنانيين، واستطراداً فإن الموقف الإسرائيلي لم يتبدل في جوهره، وإن كان قد وسع هامش المناورة حول التمثيل الفلسطيني ليجعله مشكلة داخلية فلسطينية، ومن ثم مشكلة عربية، عوض أن يظل مصدر أزمة داخلية إسرائيلية ومشروع أزمة في العلاقات الإسرائيلية – الغربية.
يبقى الموقف، بل المواقف العربية المتمايزة في أشكال الموافقة على المؤتمر، والمتمسكة بانعقاده كضرورة حيوية لاستعادة قدر من “التوازن” الذي ضربته التحولات التي اجتاحت الدنيا وغيرت معالمها لاسيما في السنة الأخيرة: من غزو صدام الكويت إلى حرب الخليج فإلى الانقلاب “الشيوعي” الفاشل في موسكو الذي “عجل” بعودة القيصر إلى إمبراطوريته التي عادت تقريباً إلى حيث تركها قبل ثلاثة أرباع القرن!!
أبرز تطور على مستوى المواقف العربية من “مؤتمر السلام” الكلام الجدي، الآن، عن مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي فيه كمراقب، والمحاولة الأميركية المكشوفة لاستدراج دول المغرب العربي، مجتمعة أو منفردة، إلى موقع “المراقب” أيضاً لعملية تسوية (أو إنهاء) الصراع العربي – الإسرائيلي!
أي إن العرب سيذهبون غداً إلى المؤتمر العتيد ليس فقط “كأطراف” عديدة، في وفود متعددة، بل ستكون لهم مواقع متباينة إلى حد التناقض،
فبعض العرب (الفلسطيني) سيكون مشطوباً إلى نصفه ومشلول النصف الآخر،
وبعض العرب (المصري) سيكون مغيباً حتى لو حضر، ومعطلاً دوره في الموقع الأصلي الذي يفترض أن يكون فيه باعتباره صاحب القضية،
وبعض العرب (الأردني) سيلعب دوراً مزدوجاً ومعقداً، إذ سيكون هو إطار الحضور الفلسطيني ولكنه لن يتبنى الموقف الفلسطيني، وسيكون “الشريك” بل ورئيس الوفد لكنه متى جاء أوان الكلام صمت تماماً تاركاً لشريكه المرفوض أن يقول ما شاء بغير أن يلزم نفسه بالنتائج التي قد تترتب على هذا القول.
وسيكون على بعض العرب (السوري) أن يقارع على مختلف الجبهات لكي ينتزع حق الكلام في أساس الموضوع وحق الاعتراض وربما النقض حتى لا يتحول المؤتمر إلى مناسبة لدفن القضية الفلسطينية بكل معطياتها من الحقوق الوطنية المشروعة إلى حلم “الدولة”، ديموقراطية كانت أم ثنائية القومية، أم مجرد احتمال مضمر في قلب كيان سياسي آخر يحمل اسماً مختلفاً ويعبر عن مشروع مضاد.
الأدهى من هذا كله أن يدخل بعض العرب إلى المؤتمر بصفة “مراقب” سواء أكانوا من الجزيرة والخليج أم من المغرب العربي.
و”المراقب” محايد، ناهيك بأنه “صامت” وغير ذي رأي، وبالتالي فهو بلا صوت، بل إن حضوره بهذه الصفة يلغي صوته.
أي “عربي” هو هذا المحايد بين أخوانه العرب و”العدو” الإسرائيلي؟!
إن مجرد ادعاء أي عربي بأنه محايد يعني بأنه خرج على أخوانه العرب جميعاً، وبالذات منهم الفلسطيني، منقصاً من قوتهم ومن قدرتهم ليضيف – موضوعياً – مزيداً من أسباب القوة إلى “الإسرائيلي”.
إن الحياد هو، ببساطة، انتقال من الموقع الطبيعي، في عين الأميركي والعربي والإسرائيلي على حد سواء، إلى موقع المتواطئ على أهله وتاريخه وأرضه.
ومهما لطف “الدبلوماسيون” من دلالات هذا الانتقال من موقع الطرف إلى موقع “المراقب” فلن يستطيعوا تغيير التوصيف الفعلي لطبيعة مثل هذا العمل.
وإذا كان من غير الجائز أن يطالب الخليجي الضعيف أو المغربي البعيد والغارق في همومه بأن يكون “صلاح الدين” فهل يقبل أي هؤلاء أن يتحول إلى “يوضاس” أو إلى قاتل أخيه؟!
وقد يكون أي عربي (لاسيما البعيد) معذوراً إن هو توقف عن المشاركة في تحرير فلسطين، بالكفاح المسلح ومن النهر إلى البحر، ولكن ما عذره في التحول إلى مشارك في ذبحها أو إلى شاهد زور على وأدها؟!
وإذا كان ضرورياً أن يشارك العرب خارج “دول الطوق” في المؤتمر العتيد فلماذا التمويه أو اختيار المكان الخطأ؟!
لماذا لا يطلبون أن يشاركوا كعرب معنيين ومسؤولين عن فلسطين ومستقبل شعبها وعن سلامة الأرض العربية عموماً شأنهم شأن بقية “عرب المشرق”؟!
لماذا تخلوا عن الوفد المشترك، وشطبوا أي دور محتمل لجامعة الدول العربية في ضوء المقررات (التنازلية) للقمم العربية المتعاقبة؟!
ولماذا هذا التبرع السخي الذي يقوي الطرف المعادي سلفاً، وحتى من قبل أن تظهر وجهة المؤتمر وقدرته على تحقيق شعاره الأميركي المعلن (والمرفوض إسرائيلياً)، الأرض مقابل السلام؟!
لقد ضاعت فلسطين، واليوم يتم التخلي عن الفلسطينيين ليضيعوا، بذريعة تمكينهم من ممارسة “قرارهم الوطني المستقل”؟!
إن “الحياد” العربي هنا هو الوجه الآخر “للتفريط” الفلسطيني، وعلاقتهما هي علاقة النتجية بالسبب،
ومع الوعي الكامل بطبيعة الظرف الدقيق الراهن والضغوط الشديدة التي تمارس على الدول العربية، مجتمعة ومنفردة، فليس من حق أحد أن يصادر مستقبل الأجيال العربية المقبلة.
و”الحياد” اغتيال للغد العربي إذا كان “التفريط” جريمة قتل للحاضر الفلسطيني.

Exit mobile version