طلال سلمان

على الطريق ليس بالحر ب وحدها…

ليس الحرب المفروضة، بالمكان والزمان والشعار الخطأ، قدراً مفروضاً على العرب، لا فكاك لهم منه ولا مال لتجنب الهزيمة إلا بالاستسلام المسبق للهيمنة الأجنبية المطلقة.
وليس صحيحاً أن الخيار الوحيد المتاح الآن، أمام الأمة، هو أن تخسر (بشرف؟!) حرباً لا تجد لها ما يبررها، قبل أن تناقش ما إذا كانت لها القدرة على خوضها وتحقيق النصر فيها أم لا،
… أو أن الخيار الوحيد المتاح هو بين أن يربح العراق الكويت فتنتصر الأمة على أعدائها مجتمعين وبضربة واحدة، أو يخسر محافظته التاسعة عشرة فتخسر الأمة مع شرفها خاضرها ومستقبلها وكذلك أهدافها في التحرير والتقدم والوحدة واستعادة فلسطين.
وليس صحيحاً أيضاً وايضاً أن ثمة مواطناً عربياً واحداً يمكن أن يتردد في الانحياز إلى العراق في أية مواجهة مع الأجنبي، سواء أكان أميركياً أم أوروبياً ناهيك بالإسرائيلي،
وأخيراً فليس من الإنصاف رمي المعترضين على أسباب الحرب التي يحوم شبحا فوق الأرض العربية، بالجبن والتخاذل وبيع أهداف النضال القومي،
فلا أحد يقاتل حرباً لا يقتنع بمبرراتها ومنطلقاتها إلى حد التقديس.
وتاريخ هذه الأمة يشهد لأبنائها بالشجاعة والصبر والقدرة على التحمل، ولعلها الوحيدة بين الأمم التي يحصى شهداؤها بالملايين،
فما دعيت هذه الأمة مرة إلى الحرب ضد عدوها القومي إلا ولبت بقلب ثابت وباستعداد للتضحية غير محدود، حتى وهي تدرك أن النصر معتذرن أو أن احتماله بعيد في ظل توازن القوى السائد والذي تجعله الأوضاع الدولية مائلاً باستمرار لمصلحة عدوها.
بل لعلها كانت تطلب الحرب فتمنع عنها، ويمكن منها العدو فينال نصراً لا يستحقه في حين تفرض عليها هزيمة لا تطيقها ولا هي تستحقها.
لكنا الآن لا ترى موجباً لحرب تفتقد قداسة الهدف كما لا يستطيع أحد أن يضمن نتائجها، بتأثيراتها المدمرة على الوجود العربي،
فالدم العربي أغلى من النفط الذي لم يكن وليس هو الآن ولن يكون – في ظل الفرقة العربية – نفطاً عربياً أو ثروة مدخرة لأجيال المستقبل العربي.
وفلسطين أغلى من الدم العربي،
وكذلك العراق وسوريا ولبنان ومصر والجزائر والأردن وليبيا، واليمن وصولاً إلى المغرب،
ومن أجل فلسطين فإن المواطن العربي يريد للعراق أن يبقى بجيشه وإمكاناته الاقتصادية وطاقات شعبه العظيم،
إنه يريد إدخار العراق وحماية إنجازات الدارسين والعلماء والخبراء والأكفاء من شبابه الناهض، لمعاركه القومية المتعددة الجبهات والتي طال زمن الغياب عنها،
وفي هدف التحرير، على سبيل المثال، لا فرق بين أن تكون الكويت “الدولة” العربية التاسعة عشرة أو “المحافظة” العراقية التاسعة عشرة… المهم ألا تكون أرضاً عربية محتلة أو محروقة أو منصة هجوم للأجنبي على سائر الارض العربية.
وفي مجال الدفاع عن شرف الأمة لا بد من القول وصراحة: إن ليس صدام حسين هو الشجاع الوحيد بين أبنائها، وليس هو المقاتل الفرد، في شعبه داخل العراق أو خارجه.
فليس العرب مجاميع من المتخاذلين والهاربين من ميدان المواجهة، ولكنهم أحرص على العراق (أولاً) وعلى أمتهم بالتالي من أن يضيعوه في حرب لم يقتنعوا لا بأسبابها ولا بمكانها ولا بزمانها وقد تقرر هذا جميعاً في لحظة غضبأو انفعال أو شعور “الأخ الأكبر” بأن “أخاه الأصغر” و”ربيبه” قد خذله أو استهان أو استقوى عليه بالأجنبي… الذي حرضه، أصلاً، عليه!
وليس العرب، بمجموعهم، مرتزقة أو أتباعاً ومشايعين لشيوخ النفط في الكويت وخارجها ضد العراق،
كذلك فهو ليسوا، بمجموعهم، عبيداً وعملاء للإمبريالية الأميركية (ومعها الصهيونية) ينفذون لها أغراضها في أرضهم، ويموتون من أجل توكيد هيمنتها على الدنيا… بقوة نفطهم ودمهم معاً!!
لكنهم بشر. وكبشر فلهم الحق في إعمال العقل والتفكير وقول رأيهم في أمر رهيب كالحرب، وهل هي الآن وتحت هذا الشعار وفي مواجهة الدنيا بأسرها بالتحيد هي طريقهم إلى غدهم الأفضل؟!
وكبشر منعوا الحق في اختيار حياتهم أفليس لهم الحق في اختيار أهداف موتهم وميدان الشهادة من أجل الأهداف التي حرموا من تحقيقها أحياء؟!
أهو قدر أيضاً على هؤلاء البشر أن يحرموا من إعلان رأيهم وتقرير مصيرهم، أحياء وأمواتاً؟!
ربما لهذا كله تلقى المواطن العربي بشيء من خيبة الأمل رد الرئيس العراقي صدام حسين على النداء القومي الذي وجهه إليه، أمس الأول، الرئيس السوري حافظ الأسد.
هي فرصة أخرى، وربما أخيرة، تضيع هباء في الجو المشبع بالبارود والنفط ورائحة الدم،
هي لحظة أخرى نادرة، في تاريخ العلاقات المتوترة بين النظامين الأخوين – العدوين، تسقط أرضاً مُسقطة معها الكثير من الآمال في “أن يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا”…
وبالتأكيد فإن هذا المواطن العربي الذي ينام ويصحو على الخيبات والنكسات والإحباطات والخلافات (المباغتة) وتفجر الخلافات صدام وعداوات، كان يأمل أن يجيء الرد على التحية بأحسن منها، فتنفتح صفحة جديدة مرتجاة ومشتهاة في التاريخ العربي الحديث.
كذلك فإن هذا المواطن الذي يرى نفسه وبلاده مجرد سلع في سوق صفقات النفط والاستراتيجيات الدولية، قد أمل أن تحدث – في ظل الخطر المحدق – المعجزة فتتلاقى سوريا مع العراق، كمقدمة لتجديد التضامن العربي، ولو في مجال الدفاع عن النفس وحماية… النوع!
فلقد العراق مع سوريا خطوة على طريق التحرير، بينما افتراقهما يباعد بين العرب جميعاً وبين أهداف نضالهم في التحرير والتقدم والوحدة.
لقاءالعراق مع سوريا وجهته بالضرورة فلسطين، وافتراقهما يعرض كليهما ومعهما الأمة برمتها لخطر الهزيمة والضياع في غياهب الحرب الأهلية والسقوط في دائرة الهيمنة الأجنبية على الأرض والثروة، بغض النظر عن النوايا.
ولهذا كله ما زال المواطن العربي يأمل في أن يتغلب الحس القومي عند الرئيس صدام حسين على ما عداه من انفعالات اللحظة أو من ذكريات ماضي الفرقة وأحقاد حالات الخصام المنهك.
إن بإمكانه، بل من واجبه، أن يلتفت إلى أمته فيسمع صوتها ويسترشد برأيها فيمنحها نصراً عز عليها في الماضي، بدل أن يفرض عليها هزيمة جديدة ستكون أسوأ وأعمق أثراً من جميع سابقاتها، لأسباب تتصل بحالتها الراهنة.
وليس البطل من يخوض الحرب،
بل البطل من يحقق، بغير حرب، أهداف نضال أمته مع الحرص على سلامتها، طالما أمكن حفظ هذه السلامة.
وثمة أهداف عزيزة وغالية يمكن اعتبارها قد تحققت فعلاً، إذا ما استطاع صدام حسين أن يتجاوز نفسه ويتخذ القرار الخطير بمنع الحرب.
والأمة قادرة أن تحمي ما تحقق وأن تكمله، وفي ظل السلام القومي، أما في حماة الحرب ضد الكون فكل ما تحقق إلى ضياع أكيد.

Exit mobile version