طلال سلمان

على الطريق لهذه الأسباب نعترض..

من أجل لبنان، الوطن الواحد لكل أبنائه، نعترض على قانون المطبوعات الجديد،
ومن أجل الأمة العربية، بكل طموحاتها المشروعة للتقدم والانتماء إلى العصر
ونفترض ونتمنى أن تكون الرقابة واسعة الصدر معنا ونحن نخوض معركتنا المقدسة هذه ليس دفاعاً عن رؤوسنا والامتيازات، بل أساساً دفاعاً عن قيمنا وأهدافنا الوطنية والقومية التي جعلتنا نختار إرادياً هذه المهنة، الشاقة، القاسية، المضنية والممتعة.
من أجل لبنان لأن حرية التعبير بوصفها التجسيد العملي للحريات الديمقراطية جميعاً، هي شرط رئيسي من شروط عملية الانصهار الوطني لما يسمى عادة بـ “العناصر” أو “الفئات” اللبنانية.
ونستدرك فنؤكد فوراً موقفنا المبدئي: بقدر ما نعترض على ونقاتل ضد الأفكار والطروحات التقسيمية، فإننا نشدد على احترام حق جميع الأطراف والألوان السياسية في التعبير عن آرائها ومعتقداتها ووجهات نظرها.
نخن ضد تكريس التعددية وتقنينها لأن ذاك هو الطريق “الشرعي” للتقسيم على قاعدة طائفية،
ونحن بالمقابل مع حرية التعبير لأن ذاك هو الطريق المنطقي لتثبيت الوحدة على قاعدة وطنية،
وأول شروط الحوار الوطني هو حرية التعبير، وعنوان حرية التعبير هو حرية الصحافة.
ومن أجل الأمة العربية لأن حرية الصحافة اللبنانية كانت شرفاً لها ودليلاً على استيعابها لروح العصر، وتوكيداً لتقديسها حرية الرأي والمعتقد.
صحيح أن بعض الحكام العرب كان يشكو من الصحافة اللبنانية ويطالب بالقضاء على حريتها، لكنأسباب الشكوى والمطالبة تتصل بأوضاعهم هم وليس بأوضاع لبنان أو صحافته الحرة.
وصحيح أن بعض الحكام العرب خاضوا معاركهم السياسية والشخصية أحياناً على صفحات الصحف اللبنانية، لكن هذه الصحف أسهمت بدور بارز ومؤثر في المعارك الكبرى لهذه الأمة ضد أعدائها التاريخيين ممثلين بالاستعمار والصهيونية وإسرائيل.
.. وإذا ما كف الحكام العرب عن مقاتلة بعضهم البعض والتفتوا جميعاً إلى قتال أعدائهم الحقيقيين، فلن تستطيع هذه الصحيفة أو تلكن في لبنان أو في خارجه، أن تختلق لهم الأسباب الكفيلة بتجدد “حرب الأخوة”.
إنهم في الموقع الأقوى والصحافة في موقع الخروف والنهر دائماً ينحدر من فوق إلى تحت..
من أجل لبنان لأن صحافته على نمطه ومثاله: هكذا نظام سياسي مستند على هكذا “صيغة” للتعايش الوطني، ومعبر عن هكذا مصالح اقتصادية يحتاج بالضرورة إلى هكذا صحافة.
وقد نكون من المطالبين بإعادة النظر أو بتطوير النظام السياسي القائم، لكننا نفهم أن الموقف من حرية الصحافة يجيء في النتائج وليس في الأسباب، ويجيء تتمة منطقية لسلسلة من التغييرات في الهياكل والأسس التي يقوم عليها النظام وليس كشيء قائم بنفسه وكأنه البداية والنهاية معاً.
من أجل الأمة العربية لأنها بحاجة حقيقية إلى نافذة الضياء هذه التي كانت تمثلها الصحافة اللبنانية الحرة.. حتى مع الملاحظات أو المآخذ عليها.
وبصراحة تهم الحكام: لانهم هم بحاجة إلى “واقي الصدمات” وإلى هذا المتنفس “القومي” الذي كانت تقوم بدوره الصحافة اللبنانية الحرة، حتى لو لم تقصد أو لم ترد.

Exit mobile version