طلال سلمان

على الطريق لنصنع معاً وطننا ليكون لنا فيه وبه جيشنا*

بين الوطن والجيش، في أي مكان وزمان، علاقة حميمة ومميزة جداً لا تفضلها ولا تتقدم عليها غير علاقة شرط الوجود بين الوطن وشعبه.
فالشعب – لا النظام – هو شروط وجود الوطن،
بينما النظام هو الأساس في قيام الجيش وفي تحديد دوره وهو المرجع في توصيف وظيفته السياسية في خدمة الوطن بأرضه وشعبه،
وأحياناً ينظر إلى النظام، أو ينظر النظام إلى نفسه، وكأنه هو الوطن أو البديل عنه، بل قد تحمل المبالغة البعض إلى اعتبار النظام فوق الوطن وأهم منه، في حين إن الوطن، والوطن وحده، هو البداية وهو النهاية.
وهكذا ومن خلال الاختلاف في النظرة إلى الوطن والنظام، وإلى العلاقة الجدلية القائمة بين كل منهما وبين الشعب ومن ثم الجيش، تتعدد الاجتهادات والآراء. وقد تعنف الاعتراضات حول الدور السياسي أو الوظيفة السياسية للجيش وفي خدمة من وماذا يكون، وضمن أية شروط؟!
فالقائل بأن الوطن هو الأساس يرى – وهذا منطقي وطبيعي – إن النظام محصلة توافق سياسي محدد ضمن ظروف سياسية محددة، وإنه بالتالي موضوع قابل للأخذ والرد والتأييد والمعارضة، ومن ثم للتعديل والتبديل والتطوير وحتى التغيير، إذا ما تبدلت الظروف واختلفت المعطيات التي صنعت محصلة التوافق التي يرتكز إليها.
أما القائل بأن النظام هو الأساس، وهو قدس الأقداس، وهو “التابو” الذي لا يجوز أن يمس لأنه مسه “يفرطه”، فيسحب هذه القداسة المتوهمة أو المصنوعة على كل ما يمت إلى النظام بصلة، وبالذات إلى ما يحمي النظام ويبقيه بكل عيوبه – إن وجدت – وبكل علله التي تمنع استمراريته.
من هنا فإن مقدمي النظام على الوطن يعاملون الجيش ويطالبون الآخرين بالتعامل معه وكأنه صنم ، أو “شيء” غير إنساني.
كأنما الجيش، بهمومه وقضاياه، وكمؤسسة وطنية عامة ثم كأفراد هم بعض الشعب مخلوق من المريخ، لا علاقة له بمشاكل الدنيا الفانية وما يدور فيها وعليها وحولها.
وأسهل تهمة يمكن إلصاقها بالمعارض لسياسة حاكم أو حكم أو حكومة إنه “عدو للجيش”،
فإذا ما طالب واحدنا بخدمة العلم اتهم بمعاداة الجيش،
وإذا ما أصر واحدنا على إجراء أوسع مناقشة وطنية لقانون الدفاع صنف على الفور من “أعداء الجيش”.
وإذا ما انتقد واحدنا زج الجيش في بعض الصراعات السياسية أو الفئوية أو ذات الطابع الحزبي، اتهم بمس ما لا يمس، وعبئ الجيش ضدنا بوصفنا مخربين!!
أما إذا ارتكبنا الخطيئة المميتة وطالبنا بتحرير الجيش من الطائفية وأمراضها الخبيثة، وفتح الباب على مصراعيه أمام الكفاءة والاجتهاد والمقدرة، فإن جريمتنا هذه لا تغتفر مهما حسنت نوايانا!
إن أنصار الوطن هم هم أنصار الجيش، كمؤسسة وطنية وذات دور وطني غير مناقش،
أما القائلون بالكيان بديلاً عن الوطن فطبيعي ألا يكونوا إلا مع “جيشهم”، أي مع “الجيش” الذي يحمي الكيان بما هو “بوليصة التأمين” على امتيازات الطوائف والأفراد.
ومثل هذا “الجيش” سيكون محكوماً بالمناخ الطائفي ومحاصراً في داخله.
بينما جيش الوطن، للوطن يكون، لأرضه جميعاً ولشعبه جميعاً بغير تفريق أو تمييز، وتكون مسؤوليته حماية الوطن أولاً وليس امتيازات لاطوائف أو عيوب النظام.
بل قد يفرض على الجيش في حالات محددة أن يتدخل ليحمي الوطن من تشوهات النظام السياسي السائد ومباذل أهله (ولقد شهدت المنطقة العربية عموماً، وشهد لبنان، حالات عديدة من هذا النوع، وتجربة الرئيس الراحل فؤاد شهاب في العام 1958 ناطقة).
وباعتبارنا من الحالمين بمثل هذا الوطن، وطن كل اللبنانيين لأية طائفة أو فئة أو جهة انتموا ، ومن العاملين من أجل إكساء مشروع الوطن لحماً ودماً، فإننا مع جيش الوطن، جيش لبنان كله واللبنانيين جميعاً، ولسنا مع جيش النظام أو مع جيش عيوب النظام، وهي عيوب تقتل – أول ما تقتل – الجيش نفسهز
فكيف في ظل الحصص والكوتا وقواعد التوظيف والترقية المعتمدة على أساس طائفي يمكن بناء جيش وطني؟!
وكيف في ظل “ترويض” الجيش وشله ومنعه من ممارسة دوره الطبيعي في التصدي لقوات المحتل، بذرائع سياسية باهتة وغير مقبولة، يمكن بناء جيش وطني؟!
إننا مع الجيش، ونتمناه قوة للوطن والمواطنين،
لكن ادعياء الحرص على الجيش وما أكثرهم، يريدونه قوة لهم على الوطن والمواطنين.
إننا مع جيش يحمي البلاد ويحظى بشرف الاستشهاد في سبيلها، ويكون له دوره المجلى في توفير العزة للوطن والكرامة للمواطنين.
لكن ثمة من يتآمر على الجيش ويريد له أن يغرق في متاهة الفتن والحروب الأهلية والاقتتال الطائفي.
وسنظل نرفع الصوت مطالبين بحماية الجيش من مثل هذه المخاطر،
وسنظل نطالب بأن تتاح للجيش فرصة أن يكون ما يجب أن يكون، على صعيد خدمة الوطن وتأمين سلامة المواطنين،
وفي هذا اليوم، يوم عيد الجيش، نكرر الرجاء بأن تلتقي إرادات اللبنانيين أخيراً لتنتصر على إرادة الغاصب والدخيل والمحتل، إرادة العدو الإسرائيليز
فإذا ما تلاقت تلك الإرادات وصنعت ذلك الوفاق الوطني المرتجى فإنها ستصنع في اللحظة عينها القاعدة الضرورية لبناء الجيش الوطني المطلوب.
وسيظل الوطن مشروعاً، مجرد مشروع، طالما لم يقم فيه الجيش الوطني المجسد لإرادة أبنائه في الحرية والاستقلال والسيادة والعزة والكرامة.
فلنصنع معاً وطننا ليكون لنا – فيه وبه – جيشنا.
والجيش صاحب دور ، ودور أساسي، في تقريب اليوم الموعود: يوم تحول الوطن من حلم ومشروع إلى حقيقة تنبض بالحياة والحيوية والقدرة على صنع الغد الأفضل.

*كلمة كتبت لمجلة “العنفوان” لمناسبة عيد الجيش.

Exit mobile version