طلال سلمان

على الطريق لنبدأ في طرابلس إنقاذ ثالوث الصمود

من حق الوطني في لبنان أن يطالب بحقوق الحليف كاملة،
إنه شريك كامل الأهلية في معركة المصير الواحد، وهو مقاتل ممتاز من أجل القضية بشهادة ما قدم من تضحيات على امتداد السنوات السبع الأخيرة وما تحمل من عذابات استنزفت أعصابه وعواطفه وآماله وشوقه إلى الحياة.
لقد قاتل مع أخوته، فكان مثلهم كفاءة واقتداراً وقاتل غالباً لحمايتهم وأحياناً بالنيابة عنهم حفظاً لشرف الأمة فأعطى كما يعطي أعظم الناس إيماناً وصلابة عقيدة.
وقاتل القتال الأصعب، القتال ضد النفس، وحمل السلاح ضد دولته حين أخذ عليها التقصير ومحاولة التنصل من أداء مهامها القومية، وجمد أي استخدام لجيشها قبل أن يعاد بناؤه بما يخلصه من أمراض المناخ الفئوي ويمكنه بالتالي من خدمة الأهداف النبيلة لحركة نضال أمته.
بل هو قاتل وما زال يحمل السلاح في وجه من ضل الطريق من أخوته المباشرين سواء أكانه ضلالهم نتيجة تسعير الحمى الطائفية أو نتيجة الارتباط بالعدو والمخططات الأجنبية مما يهدد هوية لبنان العربية ودوره القومي.
لهذا كله يرى الوطني في لبنان إن من حقه على شقيقيه السوري والفلسطيني باعتبارهما الضلعين الآخرين في ثالوث الصمود أن يحفظا له حق الخيار في القرار في شؤون بلده الداخلية ليكون حليفاً حقيقياً قوياً وقادراً وواثقاً من نفسه وغير مطعون في جدارته أو في إرادته الحرة وهو يخوض معهما معركة المصير الواحد.
فبقدر ما يكون هذا الوطني في لبنان قوياً ومهاباً ومحترم القرار والإرادة تكون العلاقة بين لبنان وسوريا مميزة وخاصة جداً حتى لتصير قاب قوسين أو أدنى من الوحدة.
وبقدر ما يكون هذا الوطني في لبنان قوياً ومهاباً ومحترم القرار والإرادة يكون عطاؤه لقضية فلسطين ولكفاح شعبها المسلح أعظم وأكرم له وللقضية، فالحر فقط هو الذي يعطي بغير حساب وهو الذي يخوض معارك التحرير مهما بلغت أكلافها والتضحيات. وتجربة الأخوان الفلسطينيين قريبة وناطقة.
فقضية الوحدة مرتبطة بأي درجة أو مرتبة يقيمها ويحميها المناضلون والمؤمنون بأمتهم وليس الاتباع أو الازلام، وتجربة 1958 قريبة وناطقة.
وقضية التحرير لا يقوم بأثقالها متعاون أو مرتزق أو أجير أو حتى نصير ينقصه الوعي، وإن لم تنقصه الحماسة، بل لا بد لها من الرجال الرجال أولئك الذين وصفهم سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بالقول “إن لله رجالاً إذا أرادوا أراد”.
من هنا إلحاحنا على أشقائنا ورفاق سلاحنا وشركاء المصير بضرورة القيام فوراً وبغير تأخير بسلسلة خطوات إنقاذية لنا ولهم، يمكن الإشارة إلى أهمها وعلى سبيل المثال لا الحصر!
الأولى، أن تلتقي القيادتان السورية والفلسطينية على أعلى مستوى للاتفاق على خطة ما لمواجهة مخاطر المرحلة الراهنة، وهي مصيرية كما تدل مقدماتها سواء على صعيد الصراع العربي – الإسرائيلي أم على صعيد الحرب العراقية – الإيرانية أم على صعيد ما يدبر لمصر وفيها.
ولسنا نطلب أو نتوقع أن يكون الاتفاق كاملاً وشاملاً.. ولكن لا بد من اتفاق واضح يحدد خطة للعمل في كل ما يتم التفاهم حوله، ويحصر نقاط الاحتلاف ويقرر أسلوب التعامل إزاءها بما يجنب الجميع المناخات المسمومة التي تجر متى تفاقمت إلى التعارض فالتصادم، مهما حسنت النوايا.
والثانهية، أن يقرر الحليفان سياسة محددة تجاه لبنان، دولته ونظامه وقواه الشعبية، تعتمد كمنطلق وكمنهج إلى جانب برنامج حليفهما في لبنان أي برنامج عمل القوى الوطنية وطموحاتها المشروعة، فلا يقرر أي منهما بشكل منفرد سياسة لبنانية قد تتعارض او تتصادم مع الحليف الآخر أو مع صاحب الشأن أو مع الاثنين في آن.
الثالثة: أن يبادر كل من الشقيقين إلى تنظيم علاقاته مع الحليف الوطني في لبنان بما يحقق الأهداف القومية المنشودة.. وهي لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كان الطرف الوطني اللبناني هو صاحب المبادرة وصاحب القرار مستفيداً ومستنداً إلى دعم شقيقيه وسائر أخوته العرب سياسياً وعسكرياً، مادياً ومعنوياً، بما يؤكد شرف العلاقة وهويتها النضالية والأدوار المتكافئة لأطراف ثالوث الصمود.
ولسنا من هواة التحسر على ما فات ولكن لو إنه أمكن الوصول في السصابق إلى مثل هذه العلاقة الصحية بين شركاء معركة المصير لما تيسر لأنور السادات أن يقوم “بمبادرته” وصولاً إلى كامب ديفيد ومعاهدة الصلح المنفرد مع العدو الإسرائيلي.
ومن نافلة القول إنه لما كان بشير الجميل ماريشالا و”قائداً” الآن تارة يهدد الناس بقراراته التحريرية وطوراً يمنيهم بمبادراته المتسامحة.
على إنه إذا كان قد تعذر في الماضي لهذا السبب أو ذاك أن نجنب أنفسنا وأمتنا الويثلات التي شهدناها منذ 1976 وحتى الآن!، فلا أقل من أن نفيد من الدرس المؤلم والتجربة الباهظة الأكلاف والمروعة النتائج فنجنب أنفسنا وأمتنا أن نعيش المحنة ذاتها مرتين، وأن نعود فنترك الطريق مفتوحة أمام كل ذاهب إلى العدو الإسرائيلي.
فلنكن صرحاء وصادقين وواضحين واحدنا مع الآخر: فليس في طرابلس يتقرر مصير حرب الخليج، ولا مستقبل “التضامن العربي” ولا مصالحة حسني مبارك والتسليم به قائد للمسيرة تحت أعلام كامب ديفيد، كذلك لا يتم ذلك كله في بيروت أو في الضاحية الجنوبية أو في الجنوب الصاقبر بل لا بد من حماية هذه المناطق جميعاً وناسها وقواها الأصيلة إذا كنا نريد حقاً حماية سوريا وحماية المقاومة الفلسطينية وحماية ما تبقى من لبنان.
وطرابلس بكل ما قدمته وتحملته تستحق أن تكون السطر الأول في الحلف المقدس العتيد بين ثالوث الصمود، فلنبدأ بالاتفاق فيها حتى نمنع أن يمتد الخلاف العبثي والقاتل منها ليدمر الجميع.
فلنبدأ في طرابلس حتى لا ننتهي فيها وفي كل مكانه.

Exit mobile version