طلال سلمان

على الطريق للتسلية… في انتظار الأخبار!

أما وإن اللبنانيين جميعاً “على الراديو” يتلهفون لأن يسمعوا في الأخبار، ولو بالتلميح، ما يطمئنهم على مصير الجمهورية والرئاسة و”الرئيس المنتظر”، فلا بأس من تخفيف التوتر العصبي وضغط الدقائق العصيبة التي نعيش في ظل حالة طوارئ نفسية قاسية، ببعض “التسالي” من نوع: الكلمات المتقاطعة، وكلمة السر، واعرف طريقكن أوجد الفروق السبعة بين الصورتين أعلاه!
والحق إن هذه “الألعاب” هي أسماء حركية لوضعنا الراهن!
فالمشاريع المعلنة للقوى السياسية في لبنان أشبه ما تكون بالكلمات المتقاطعة… في أي حال فالقوى قطعاً متقاطعة (داخل الحكم وخارجه، وداخل المعارضة (؟) وخارجها)، أما المشاريع فليست أكثر من كلمات مفككة لا هي تشكل جملاً مفيدة، ولا هي تعبر بصدق عن المعنى المختزن في ذهن أو ضمير كاتبها ومنشئها الأصلي!
و”كلمة السر” هي الآن مفتاح الكنز المرصود، وهي التي تفتح المعابر الموصدة، وتلغي “الحدود” المسوّرة بمرابض المدفعية والدبابات التي لا يمون عليها العماد ميشال عون، وهي التي قد ترفع وضيعاً مهيض الجناح إلى أعلى العلالي وقد تخفض مغروراً منفوخ الجيب منقوش الريش، فتجعله يتذكر قصة ذلك الثعلب الذي وعد نفسه صباحاً، وحين رأى ظله، بأن يتغدى جملاً، وانتهى مع غروب الشمس يبحث عن فأر حتى لا يموت جوعاً!
ثم إن “كلمة السر” هي التي يمكنها أن “تجمع الشتيتين بعدما ظناً كل الظن إن لا تلاقيا”، وهي التي تجعل المستحيل ممكناً والعسير يسيراً وتطلق أسر العباد والبلاد فتسير وعين الله ترعاها!
أما “اعرف طريقك” فنحن نمارس لعبتها الطريفة فعلاً وعملاً، في الحياة اليومية كما في السياسة والاقتصاد وسائر شؤون الحكم.. نتلوى مع الطرقات التي تنتهي بجدران صماء، وننعطف مع “الكواع” الحادة في اتجاهات مجهولة النهايات، ونرتطم فنكرر المحاولة لعلنا نهتدي إلى منفذ أو مخرج أو شق يتسلل منه شعاع ضوء!! وتأخذنا الصعوبة إلى اليأس، ثم نتذكر إننا أحياء، بعد، وإن لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس فنقرر أن نستمر وان نبتدع المخرج… ثم ننتهي بأن نألف الظلمة فنتدبر أمورنا في ظلالها ريثما يأتي الفرج من غامض علمه، وفوق كل ذي عليم وسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم!
وتبقى “الفروق السبعة”، وهي لعبة مدخرة للمرشحين لمنصب الرئاسة… وأنت تحسب، للوهلة الأولى، إنها لعبة سهلة، وإنك بسرعة ستكتشف هذه الفروق، ولكنك تفاجأ، في الوهلة الثانية، إنهم متشابهون إلى حد التطابق الكامل، مع يقينك بأن بينهم عشرات الفروق ولسث سبعة فحسب. أما في الوهلة الثالثة فتخفف من هوسك باللعبة لأنك تأخذ باحتساب الفروق بينك وبينهم جميعاً!
بالطبع هناك حالات حتماً واضحة إذ تصرخ الفروق بمجرد أن تقرب بين الصورتين:
ذلك هو واقع الحال، على سبيل المثال، بين الرئيس سليمان فرنجية وبين الرئيس شارل حلو،
وذلك هو واقع الحال، على سبيل المثال، بين العماد ميشال عون والعميد غابي لحود،
وذلك هو واقع الحال، على سبيل المثال، بين مخايل الضاهر وبين داني شمعون، أو بين “أبو أرز” وبين ربيب الأرز قبلان عيسى الخوري، أو بين أنطوان الأشقر وبين روجيه اده (الخوري) كما يصر على تسميته الأعرق في أديتهم، أو بين هنري صفير وبين هنري بردويل، أو بين الأمير فاروق أبي اللمع وزعيم البروليتاريا الملكية أنطون بشارة الخ…
ولكن حتماً تختفي من حالات أخرى كمثل واقع الحال بين رينيه معوض وبين جان عبيد، أو بين بيار حلو وبين بطرس حرب، وبين نزيل البريستول الدكتور فريد سرحال وبين أوغيست باخوس،
فالبحث، في مثل هذه الحالات، عن الفوارق أصعب بكثير من البحث عن وجه التشابه،
على إن هناك حالات ملتبسة تتداخل فيها الفروق مع وجوه الشبه حتى ليعجز حتى فاحص مدقق مثل ريتشارد مورفي عن اكتشاف الحقيقة، في حين إن أي لبناني عتيق يلقطها على الطاير،
خذ مثلاً حالة ريمون اده وحالة ميشال اده،
إنهما “اديان”، يلتقيان في الجد الرابع. وهما متقاربان في النشأة والبيئة والوضع الاجتماعي بأبعاده الثقافية والطبقية. وهذا وجه تشابه أساسي.
وهما محاميان، ولقد دفعهما الأهل لأن يكونا من حملة شهادة الحقوق لأنها كانت – وما زالت – تفتح باب الحق في الرئاسات والقيادات والوكالات ذات المردود المحرز، حتى من دون محاكم وجلسات وأرواب سوداء ولوائح ومرافعات مجلجلة! وهذا وجه تشابه آخر،
وهما سياسيان، حملهما الطموح والدأب وسهر الليالي في طلب العلى لأن يحتلا بجدارة موقعهما الراهن في قائمة المرشحين البارزين لرئاسة الجمهورية اللبنانية الفاضلة، وهذا وجه تشابه ثالث.
وهما من “أنصار السلم” في العمل السياسي، فلا حمل أيهما السلاح، ولا أنشأ أي منهما ميليشيا ولا هو أحاط نفسه بأركان حرب من الشبيحة، وهذا وجه تشابه رابع.
ثم إنهما من “أعداء الصمت” ومن زعماء علم الكلام ومن المبدعين في فن “المونولوج”، ولا يغيب ظرفهما أو يشحب إلا إذا دهم الجلسة متحدث آخر، أو تجرأ فطلب حق الكلام فكيف بحق الرد، أو إذا خطر على باب “سميع” أن يسعل أو يعطس أو يستأذن في دخول الحمام.
وهما يعرفان الكثير عن كثير من الناس، وبعض المعرفة يجيء من بطون الكتب، لكن معظمها يجيء من السنة الخلق ومن ملفات الدعاوى والصفقات، ومن أرشيف الدوائر السياسية في الدول ا لتي لها سياسات والتي تعبر بسياساتها عن مصالح فعلية لدولها وليس عن هوى حكامها وأمزجتهم، وهذا وجه تشابه خاس.
وهما غنيان بشبكة العلاقات والصداقات التي تمتد بين خطوط الطول في الشرق وخطوط العرض في الغرب، مروراً بالشمال الشرقي والجنوب الغربي، وقادران – كل بأسلوبه – على تجاوز الخصومات وجمع الأضداد، وإن كان هذا لا يسقط الموقف من الخصم أو سبب الخصام. وهذا وجه ساس من وجوه التشابه.
وأخيراً فلهما سمعة طيبة في أوساط المؤمنين بالديموقراطية والطامحين إليها، خصوصاً وإنها معززة بموقف واضح من إسرائيل والاحتلال الإسرائيلي، وهذا وجه سابع من وجوه التشابه.
ولكن، مع قليل من التدقيق، يمكنك أن تكتشف فروقاً جوهرية داخل وجوه التشابه ومنها:
إن ريمون اده “عميد” لحزب ورثه عن أبيه، في ما ورث. وأعضاء الحزب الذي لا يتذكر اسمه إلا من حباه الله ذاكرة قوية، قد شاخوا أو تقاعدوا أو انتقلوا إلى الرفيق الأعلى، إلا العميد – مد الله في عمره – الذي انتقل من فندق “البرنس دي غال” إلى فندق “الكوين اليزابيت” في باريس، ونقل الحزب معه وكذلك الخريطة الشهيرة للبنان ما قبل التاريخ والأرشيف المتضمن تاريخ ما أهمله التاريخ.
وليس اسم الحزب هو المنسي، وحده، بل إن الناس لا يذكرون من برنامجه حرفاً واحداً له علاقة حسية بالمسائل الجدية التي واجهها ويواجهها لبنان… تماماً كما لا يذكرون إن “عميده” الغزير العلم والكلام قد قال حرفاً واحداً فيها: من الاصلاح السياسي، إلى معالجة صيغة الحكم في لبنان بما ينصف المغبون والمحروم من دون أن يزيد في خوف الخائف، إلى علاقات لبنان بمحيطه العربي، وسوريا تحديداً، وصولاً إلى دور لبنان في القضية الفلسطينية الخ،
فريمون اده، بحزبه وبشخصه، يمين اليمين، وهو قد صنف ذات يوم الشيوعية بين أعداء لبنان الثلاثة (جنباً إلى جنب مع الشهابية ومع… الصهيونية).
وميشال اده، الذي رفض أن يكون “نفراً” في حزب “الكتلة الوطنية” المعقود لواء عمادته مدى الحياة لابن عمه ريمون، اتهم في لحظات بأنه “نهجي”، واتهم في لحظات أخرى بأنه “شيوعي”، ثم اتهم بأنه بلا موقف لأنه صديق الجميع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، حتى ليمكن اعتباره عميد الوسط،
وريمون اده ديموقراطي بشخصه ولشخصه فقط. الديموقراطية نعمة شخصية تعطيه الحق بأن يقول رأيه في الجميع، ولكنه لا يسمح بها للآخرين ليقولوا رأيهم فيه أو في غيره… بينما ميشال الديموقراطي في الآراء وحق الاختلاف أوتوقراطي جداً في الأكل فقط!
وريمون اده الغارق والمغرق في التفاصيل اليومية والحديث المتكرر عن الدستور والقانون، في بلد بين وجوه أزمتها دستور أشوه وقانون لا يطبقه أحد، يرفض أن يحدد برنامجه للرئاسة بحجة إن هذا “مش شغله” بل هو شغل الحكومة كأننا في بلاد السويد،
أما “ميشو أفندي” فله رأي في الأمور جميعاً، وفي الناس جميعاً، وإن كان يفضل – أولاً – أن يقوله شفاهة لا كتابة، ويستخدم لتوصيله الأمثلة والحكايات والنكات والطرائف والاستطرادات التي تضيع الموضوع والسامع من دون أن تضيع الموقف!
لعلنا خرجنا من التسلية إلى الجد، فأفسدنا متعة المنتظرين “على الراديو”، من دون أن نزودهم بجديد عن مهمة مورفي في دمشق!
لكن التسلية الحقيقية أن تتخيل ريتشارد مورفي يحاول إقناع القيادة السورية بأن حل المعضلة اللبنانية يتوقف على نتائج لعبة الفروق السبعة في المفاضلة بين المرشحين للرئاسة،
الطريف إن بين اللبنانيين حتى الآن من يظن إن الأمر يتعلق بالشخص، وبالشخص وحده، وإن ثمة منقذاً بشخصه وثمة من يزيد في تعقيد الأمة لنقص في وسامته أو لزيادة في وزنه أو لمجرد التقدم في العمر،
والأطرف إن ثمة بين المنتظرين من يفترض إنه وحده القادر على تحقيق “وفاق سوري – أميركي”، برغم كل الخلافات الجدية القائمة بين دمشق وواشنطن على امتداد المنطقة، وعلى امتداد المسافة بين مصالحهما المتضاربة!
“هدوءاً ودعونا نسمع الأخبار”!
“روحوا العبوا يا أولاد، اسكتي يا حرمة، عن اذنك يا أستاذ، سمع يا أخوان”!
لقد دارت دواليب الحظ ، وطير عصفورك يا زغير، يا زغير عصفورك طيّر، فدقق النظر في الأرقام التي تحمل،
للمناسبة: هل أنت من أنصار اليانصيب أم من جماعة اللوتو أم إنك تفضل التيكوتاك؟!
وقديماً كان يقال: نيال من له مرقد عنزة في لبنان،
واليوم يقال: نيال من يذكر اسمه في مباحثات مورفي بدمشق!
وطالما إن اسمك لن يذكر فلماذا تلصق أذنك بالراديو، ولماذا أمضيت الليل سهرانا تعد النجوم؟!
لماذا لا تقوم فتنام؟!
لماذا… يا فخامة الرئيس الآتي عبر الأثير؟!

Exit mobile version