طلال سلمان

على الطريق لبنان يعود إلى الواجهة: طريق بعبدا تمر بإقليم التفاح!

حدثنا سي الأخضر ، عشية مغادرته لبنان، بعد نجاحه الكامل في أداء مهمته الفاشلة، عن قرارات إجرائية ستتخذها اللجنة العربية الثلاثية في دعم توجه الشرعية لإنهاء تمرد ميشال عون.
ومع إن سي الأخضر ألمح ولم يفصحن فقد تركنا نفهم إن اللجنة العربية الثلاثية قد تكون فعلاً بلا أنياب، لكنها قادرة على إيذاء من يستهين بالقرار العربي الدولي ويتحداه.
كذلك تركنا الإبراهيمي نفهم إن مهمة اللجنة تقتصر على تأمين التغطية العربية الدولية لقرار الشرعية بالتصدي للتمرد المحلي، يأية وبكل وسيلة تراها، وليست مهمتها دفع الشرعية دفعاً إلى قرار لا تريده أو لا تقدر على تنفيذه أو اتخاذ مثل هذا القرار نيابة عنها.
وأخيراً فقد تركنا سي الأخضر نفهم إن دوره ودور اللجنة في ما يتصل بعون قد انتهى، وإن لقاءه الأخير هو الأخير، وإن الشرعية هي الآن المعنية والمطالبة والمرجع الصالح لحسم وضعهز
… وإن الضابط المتمرد قد اختار – بملء إرادته – أن يضيع الفرصة الأخيرة التي أتيحت له، وسار إلى الخسارة بقدميه.
… وإن ما كتب قد كتب، وإن النهاية مسألة مقت.
على إن السي الأخضر استدرك منبهاً إلى أن حرب إقليم التفاح هي الأخطر والأولى بالعلاج، بنظر اللجنة العربية، ومن يدعمها دولياً.
لكنه أرادنا أن نفهم أن ميشال عون قد انتهى بمجرد أن صار موضوعاً أو تفصيلاً محلياً، في حين إن حرب إقليم التفاح قضية عربية دولية ومن واجب السلطة الشرعية أن توليها الاهتمام لتنزع عنها هذا البعد المتفجر، وتستعيد القرار فيها ولو بالقوة.
كما ميشال عون كذلك إقليم التفاح، طالما هو غير محلي فهو يستعصي على أي حل، أما وقد صار محلياً فحله جاهز ولا يستغرق إلا ساعات.
ونحسب السي الأخضر قد غادرنا ممثلنا بالرضى عن النفس لأن الأطراف المعنيين قد سارعوا إلى لبننة الحرب في إقليم التفاح وتصغيرها بحيث تصبح في متناول القبضة الصغيرة للشرعية التي قوتها في معنوياتها.
ونحسب إن الأمير سعود الفيصل سيستقبل هذه البشارة بما تستحق من التقدير وإن زميليه الآخرين في اللجنة سيشاركانه والأخضر الحفاوة بهذا التوفيق الذي جاء من عند الله.
وحرب إقليم التفاح العربية الدولية هي التي أعادت لبنان إلى الواجهة بعد غياب امتد شهوراً طويلة.
ولقد غابت “قضية” لبنان كلية عن الاهتمام الدولي وأجهزة الأعلام الشاطرة والسريعة منذ ان انفجرت حرب الأخوة – الأعداء من الموارنة الذين كانوا يقومون على حراسة “أمن المجتمع المسيحي”.
فطوال الشهور السبعة الماضية لم تلفظ كلمة “لبنان” تقريباً في أي من أجهزة الأعلام الغربية، ولم تنقل وكالات الأنباء العالمية عنه إلا ما يفرضه الحد الأدنى من المتابعة البوليسية لخلاف في الشارع وقع بنتيجته بعض الضحايا وبعض الضرر الماي.
أما بعد انفجار حرب الأخوة – الأعداء من الشيعة المتنافسين على إلحاق المجتمع الشيعي بالعصر، فهات يا برقيات ويا فلاشات ويا نشرات إخبارية مصورة ويا تصريحات لكل ملتح سواء أكان من رجال الدين أم من العامة، ومن إقليم التفاح أم من جورة التفاح في كسروان!
على الهامش : لأول مرة يثبت المسؤولون العرب إنهم بعيدو النظر… فهم قد تحدثوا عن إقليم التفاح في بيانهم بالجزائر أواخر العام الماضي، ثم كرروا الحديث عنه أكثر من مرة، وتزامن تحرك اللجنة الثلاثية الأخير مع انفجار الحرب الجديدة في إأقليم التفاح، وكأن الأمور تسير بتوقيت معلوم!
المهم إن لبنان قد عاد إلى الواجهة، وهذه المرة بجناحيه: المسلم والمسيحي، أو الشيعي والماروني، مع تقديم للمسلم قد يكون من أولى الثمار الشهية لاتفاق الطائف الشهير،
اليوم عاد، وقد تم استئخار مشكلة ميشال عون وتمرده على الشرعية واحتلاله المسلح لبعض مقارها في شرقي بيروت، وتم تقديم المشكلة الطارئة في إقليم التفاح، وكأنها الأخطر والأولى بالعلاج.
وباعتبار اللبنانيين، بأكثريتهم الساحقة، بين الضحايا، فما يعنيهم هو أن يتم العلاج، وليس لهم شروط على ترتيب الأولويات… ما يعنيهم، فقط، ألا يموت “المريض” قبل أن يصل إليه “الطبيب” المداويا”!!
وهكذا فإن الرئيس سيلم الحص سيطرح على اللجنة العريبة الثلاثية، هذه المرة، مسألة لبنان وقد تحقق التوازن المطلوب، بحيث لا تتهم هذه اللجنة – ومن خلفها المؤتمر الإسلامي – بالطائفية أو بالتعصب الديني، لا سمح الله، إن هي عالجت تمرد بعض المسيحيين في بعض مناطق لبنان وأهملت التصدي لتمدد بعض المسلمين في مناطق أخرى من لبنانن
وصحيح إن بعبدا هي قلب “المركز” وإقليم التفاح في أطراف بعض الملحقات، لكن اللجنة الثلاثية الدقيقة جداً في أحكامها ومعاييرها، ومن خلفها المؤتمر الإسلامي، قد اكتشفت إن طريق بعبدا تمربجرجوع، تماماً كما اكتشف أحد قادة المقاومة الفلسطينية ذات يوم، إن طريق اتلقدس تمر بجونيه!
مؤتمر أميركي.. ضد المسلمين!
حتى هذه الساعة يفتقد أي لقاء “إسلامي” على المستوى الرسمي، أي الحكومي، إلى ما يبرره، اللهم إلا إذا نظر إليه من زاوية مصالح القوى غير الإسلامية بل والمعادية للمسلمين بمجموعهم، كشعوب وكدول وحتى كجاليات في بلاد الاغتراب.
ولقد باتت كلمة “إسلامي” المشفوعة بالمؤتمرات والروابط والمجالس موضع اشتباه. لكأنها تدل على عكس التسمية تماماُ، إن لم يكن بالمعنى الديني فبالمعنى السياسي وفي ضوء الواقع المعاش.
وعبر التجارب والمحن افتقدت الشعوب الإسلامية، ومنها العرب، هذه المؤسسات والتنظيمات الدولية والكونية فلم تلق منها ما مُنيت به أو ما يشفع لها عندها وينصبها مرجعيات سياسية – دينية، بغض النظر عن توجهاتها “الفكرية”.
بل إن هذه المؤسسات والتنظيمات لم تستطع أن تبرئ نفسها، حتى اليوم، من شبهة أن تكون امتداداً “للحلف الإسلامي” الشهير، الذي ابتدعه الإنكليز وتبناه الأميركيون واستفاد منه الإسرائيليون، ووظفه الجميع في مواجهة الحركة القومية العربية – إبان نهوضها – كمصدر لإشعاع إسلامي سليم وصحي ومعاد بالضرورة للاستعمارين القديم والجديد ومخعهما الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.
كل ما حدث إن موقع الصدارة قد انتقل من الإنكليز إلى الأميركيين، وانتقلت معه رعاية المصالح الإسرائيلية من لندن إلى واشنطن دي. سي.
أما قضايا المسلمين، شؤون حياتهم الحاضرة وهموم مستقبلهم،
أما خلافات دولهم الكثيرة، ومعظمها قد “ضرب” في لندن وأعيد “ضربه” في واشنطن،
أما مكانتهم في الدنيا، كأهل دين، ودورهم، ومصالح أممهم، وحماية ثرواتهم ومواردهم الطبيعية، وحقهم في الحياة الكريمة.
أما ذلك كله فليس بين اهتمامات المؤتمر الإسلامي، ولا يلتفت إليه أصحاب الرعاية والتوجيه والتمويل إلا من باب التنبيه إلى المخاطر المحتملة على المؤمنين من الكفرة والملحدين، والعياذ بالله!
ولقد كان مفهوماً من الماضي أن يدفع الغرب بعض “أصدقائه” من زعماء المسلمين إلى التكتل في مؤسسة دولية غايتها مطاردة الشيوعية والشيوعيين ومن والاها ووالاهم في أربع رياح الأرض،
أما بعد “البيروستريكا” ومصالحة موسكو مع واشنطن وذوبان حلف وارسو في الحلف الأطلسي و”زوال” المعسكر الاشتراكي من أوروبا الشرقية، و”النهوض القومي” في الجمهوريات السوفياتية.
… وبعد “اندثار” الخطاب السياسي الاشتراكي في الوطن العربي، واستبدال كلمة “الاشتراكية” “بالعدالة الاجتماعية” وما شابهها، منعاً للاستفزاز والاثارة،
أما بعد فإن السؤال البديهي الآن: لماذا المؤتمر الإسلامي ومنظماته العديدة؟!
خصوصاً وإن “الحكم الشاذ” في أفغانستان يتلمس طريق الهداية ويعود تدريجياً إلى الصراط المستقيم، وبعدما ثبت لأصحاب الشك إن الرئيس نجيب الله من “الاشراف” إذ هو يتحدر من آل البيت؟!
إن هذا المؤتمر الإسلامي لم يحم مسلماً واحداً، من خطر يتهدده، ولم يسهم في رفعة بلاد إسلامي واحد، ولم يحفظ كرامة المسلمين كأجانب ومضطهدين في الغرب، ناهيك بأنه لم يقدم شيئاً للمسلمين في ديارهم يوفر لهم الكرامة مع الخبز، أو الخبز فقط،
إن هذه النقابة لملوك المسلمين وحكامهم القساة والدكتاتوريين ، تقف في الجبهة الأخرى، مقابل شعوب المسلمين وفي مواجهتهم.
إن هذا المؤتمر أعجز من أن يؤثر إيجاباً، برغم إنه مصدر الكثير من السلبيات والرزايا،
وعلى سبيل المثال، فلقد كان هذا المؤتمر “الأميركي” الدمغة، أعجز من أن يوقف الاجتياح الإسرائيلي الذي استهدف شعبين “مسلمين”، بالنتيجة، هما اللبناني والفلسطيني،
وعلى سبيل المثال أيضاً، فإن هذا المؤتمر كان أضعف تأثيراً على سادته الأميركيين بحيث يتهيبونه أو يلزمهم فيمتنعوا عن الهجوم الجوي على الجماهيرية العربية الليبية ومحاولة اغتيال العقيد “الثائر المسلم” معمر القذافي،
وعلى سبيل المثال أيضاً وأيضاً، فإن هذا المؤتمر ظهر بغير قيمة على الاطلاق في مواجهة استمرار الاحتلال الإسرائيلي لجنوبي لبنان، ورفض تل أبيب مجرد البحث في تنفيذ القرار 425.
بل إن هذا المؤتمر أفشل من أن يكون لجنة تنسيق بين أصدقاء الولايات المتحدة من الحكام المسلمين.
فكل منهم ما زال يعتمد خطه الخاص المباشر،
وأخيراً وليس آخراً فإن هذا المؤتمر الذي يموله “النفطيون” العرب أساساً، لم يثبت حضوراً ولا هو حاول – مجرد محاولة – أن يلعب دوراً في ما رأب الصدع بين النفطيين العرب (وكلهم مسلم) والسعي بالخير في ما بينهم لعلهم يتفاهمون على سعر بيع “النفط المسلم” إلى “الكفرة” في الغربين الأميركي والأوروبي،إضافة إلى “الوثنيين” من أهل اليابان!
إنها مؤامرة على المسلمين، وليس مؤتمراً للمسلمين بأي حال.
إنه مؤتمر أميركي على المسلمين، وضدهم… والإسلام يلعق جراحه بصمت منتظراً أن يجيء زمانه الحق!
قاتل وأنت الضحية!
يا سبحان الله: ما من مرة وقع انفجار في تل أبيب، أو غيرها من المدن الفلسطينية المحتلة، إلا وكان بين ضحاياه أطفال ونساء هن في الغالب الأعم أجنبيات ومن العابرات مصادفة في منطقة التفجير!
آخر نماذج الدهاء أو التخطيط الاعلامي الصهيوني هذه السائحة الكندية المسكينة التي أودى بها الإرهاب العربي قبل يومين على ساحل إسرائيل،
الوجه الآخر للعملة تعكسه بقية الخبر”المهندس” بدقة والتي تقول: إن طفلة إسرائيلية اكتشفت في تلك اللحظة، مصادفة (يا لحسن الطالع) مخبأ كان يحتشد فيه دزينة من الرجال العرب المريبين!
ممنوع عليك، كعربي، أن تكون الضحية… اللهم إلا إذا كان قاتلك عربياً مثلك، كلاكما همجي والقاتل والقتيل في نار الاتهام بالتخلف والوحشية،
أفلا يقتل قاتل أخيه أطفال الآخرين ونساء الآخرين (الأجانب)؟!
أما الإسرائيلي، وصديق الإسرائيلي، وزائر الإسرائيلي، والسائح في إسرائيل، فهو ضحية يكاد يحشر بين أولياء الله والصديقين… فإن “صدف” أن قتل أطفالاً عرباً ثبت “طبياً” إنه “مهووس”، وهب الأعلام العالمي لحماية سمعة إسرائيل بنشر الصور والتحقيقات المطولة عن المحاكمة التي جرت، والحكم العدل الذي صدر بحقه، مع استجوابات للمعنيين جميعاً تظهرهم في صورتهم الغربية الأصلية، متحضرون ينتمون إلى حضارة الغرب وثقافته وقيمه مقابل همج من البدو من أعداء الحضارة الإنسانية في كل مكان وزمان!
للمناسبة: متى نستقبيل / من دور الضحية!!
تروي الدكتورة نجاح العطار، وزيرة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، واقعة تستوقف وتستدعي رداً وجهداً عربياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ماضي العرب، وعلاقتهم بالحضارة، طالما تعذر حتى الآن حماية حاضر العرب ومستقبلهم وحقهم في أن يعتبروا متحضرين…
تقول الدكتورة العطار: إن وزارة الثقافة السورية تعد ندوة عالمية حول دور العرب الثقافي في الأندلس، وذلك على هامش “أكسبو – 92” الذي تحضر له إسبانيا عالمياً والذي اختبرت له عاصمة الأندلس العربية، أشبيلية، مركزاً،
وخلال الانهماك في التحضير للندوة العالمية، وعبر الاتصالات الواسعة بالعديد من المثقفين الإسبان، ومراكز الدراسات والمعاهد المعنية بالأندلس وتراثها الحضاري، والدور العربي فيها، تبين إن إسرائيل تكاد تفرغ من تنفيذ مخطط خبيث يحصر بها (؟!) كل ما أبدع في الأندلس زمن الحكم العربي لها الذي امتد حوالي سبعمائة سنة.
كيف؟!
أطلقت إسرائيل في العالم، وفي إسبانيا ذاتها، من يجمع كل ما أنتجته تجربة العرب من الأندلس، على المستويات الثقافية كافة، من الأدب إلى الموسيقى إلى الهندسة ونمط البناء إلى الملابس، ثم زعمت إن المبدعين جميعاً كان يهوداً (أي إسرائيليين)، وإن العرب كانوا، في أحسن الحالات، جسراً ناقلاً لحضارة اليهود إلى الغرب، ليس إلا!
أي إن العرب كانوا كما يقول شاعرهم:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما
والماء فوق ظهورها محمول!
وتمضي الدكتورة نجاح العطار فتقول بحرقة العاجز عن رد اعتداء بهذه الخطورة:
-لقد أطلقنا، وضمن إمكاناتنا المتواضعة، البعثات لجمع ما يمكن الوصول إليه من تراث الحقبة الأندلسية، ووصلنا إلى أطراف أميركا اللاتينية، ومددنا يد التعاون إلى اليونسكو ومعهد العالم العربي وسائر الجهات التي قد تكون معنية. ونحن الآن بصدد تنظيم دقيق لهذه الندوة العالمية التي ستشارك فيها نخبة من المفكرين والكتاب والبحاثة والمعنيين بالحضارة الإنسانية، لعلنا نثبت حقنا الطبيعي في ما أبدعه أجدادنا، وهو يقدم ببعض جوانبه صورة مشرقة للدور العربي المتميز في بناء الحضارة وتعميم نورها على الغرب الذي كان يعيش أسير الظلمات حينذاك…
لكن السؤال : من سيساعد الدكتورة العطار؟!
من هو المعني بحماية سمعة العرب الحضارية، طالما إنه قل المعني – حتى بين مسؤولي العرب وقادتهم – بحماية حياة العرب ودورهم في حاضرهم وفي مستقبلهم؟!
البعض يقتل الماضي،
والبعض يقتل الحاضر،
وبعض ثالث يتربص بالمستقبل؟
متى ترانا نخرج على القتلة شاهرين سيوفنا.
متى نضجر فنستقيل من دور الضحية؟!

Exit mobile version