طلال سلمان

على الطريق لبنان وعالم ما بعد عام التحولات

الكل يجري وكأنه في سباق مع الزمن لينجز “مهماته” قبل انتصاف الليل الأخير من “عام التحولات”
لكأنما العام 1989 سيكون بداية تاريخ جديد لعالم جديد، من أدركه وهو ما زال بحلته القديمة، بنهجه القديم، بسياساته القديمة، بحساباته وتوازناته القديمة، وكذلك بلغته القديمة، لم يجد لنفسه مكاناً، فإذا وجد المكان افتقد المكانة والدور،
لكأنما رحيل الرئيس الأميركي رونالد ريغان يرمز إلى نهاية عصر، ولكأنما توطد سلطة الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف يحدد ملامح العصر القادم مع الجمهوري الجديد جورج بوش.
لقد بلغت الاندفاعات مداها الأقصى، يساراً ويميناً، فكان لا بد من وقفة ومن مراجعة.. فطالما أن الحرب مستحيلة في الأرض كما في الفضاء، فلا بد من التلاقي، ولا بد من التضحية بأيديولوجيات القرن الماضي، ولا بد من معالجة آثار الحروب العالمية السابقة ونتائجها السياسية بهدوء وبمنطق اقتصادي بارد،
وداعاً أيها السلاح، وداعاً أيها الايديولوجيات والعقائد، وربما الأديان،
وداعاً لاحتمالات التغيير بالقوة، قوة النيران أو قوة الإيمان أو قوة التنظيم الحزبي والخلايات السرية التي تعتمد الكفاح المسلح وسيلة لفرض إرادتها على العدو أو الخصم المكابر!
واشنطن في الصين وربما في ألبانيا، موسكو في اليابان وفي مكة المكرمة، فلسطين في واشنطن وعند البابا في الطريق إلى “إسرائيل”، طهران في فرنسا، اليهود في ألمانيا الشرقية، والمجر وتشيكوسلوفاكيا، كمب ديفيد في الجامعة العربية ولبنان خارجها، والملك حسين يتوسط لكي يجمع في ضيافته رؤساء مصر وسوريا والعراق، وحسني مبارك يلتقي شايمر خدمة لتحرير فلسطين، وشامير ينادي خصومه جميعاً، زورونا تجدوا ما يسركم،
غورباتشوف عند ظاهر شاه ملك الأفغان في روما، وكاسترو يغادر أفريقيا السوداء تاركاً دولة الأقلية البيضاء لصراع الأجيال القادمة، والحسن الثاني يستقبل الصحراويين العائدين من جمهوريتهم الجزائرية تائبين، وأكثرية الإسرائيليين يريدون التفاوض مع الفلسطينيين الذين أعلنوا استقلالهم النهائي عن العرب الذين استقلوا بدورهم عن بعضهم البعض فاستقالوا من العروبة وأحلامها الثقيلة،
عالم الدبلوماسية الطائرة والاتصالات المباشرة، فالجو مزدحم بالطائرات الخاصة للرؤساء والملوك الذين تركوا الداخل للمخابرات والبنوك وتولوا بأنفسهم العلاقات مع الخارج، لأن التغيير في الداخل لا يتم إلا إذا اقتحمه الخارج والاستمرار لا يتم إلا إذا قبله الخارج،
ثم إن “الخارج” صار واحداً، لم يعد ثمة شرق وغرب. تداخل الشفق مع الغسق، والتهم الرمادي الأحمر وبدأت تتوالد درجات الألوان الهادئة في المساحة بين البنفسجي والضبابي الأوروبي الفاتح، وتماهت الحدود حتى كادت تمحي، لم يتبق منها إلا معبر المتحف… والمونتي فردي والبربارة على الحدود بين بلاد جبيل وبلاد البترون!
أين لبنان من كل هذا؟!
بل أين لبنان أصلاً، ومن المسؤول عن استيلاده وحفظ مكانه في عالم التحولات المذهلة بتسارعها وبعمق تأثيراتها على الكيانات والمصالح وطبيعة العلاقات الجديدة بين القوى المختلفة؟!
لا أحد.

Exit mobile version