طلال سلمان

على الطريق لبنان والنصر الفلسطيني

من حق شعب لبنان العربي أن يعيش، وسط مأساته، لحظة رضى عن النفس، وأن يحس بأنه شريك في صنع الانتصارات التي تحققت لفلسطين، شعباً وقضية، عبر القرارات التي أقرها المجتمع الدولي ممثلاً بالجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة.
إن هذه الانتصارات الفلسطينية تشكل بالتأكيد، إضافة طيبة لتاريخ النضال البشري ضد القهر الاستعماري والإمبريالية والظلم والاضطهاد والتمييز العنصري بأشكاله كافة، ومن حق أي شعب بالتالي أن يرى فيها إنجازاً يخصه إذ أنه يدفع بقضية الإنسان وتوقه العظيم إلى التحرر الكامل خطوات واسعة إلى الأمام.
على إن شعب لبنان يرى أن له في تحقيق هذه الانتصارات جهداً مميزاً، ومن هنا فلقد استمد منها بعض العزاء ومزيداً من الشجاعة في مواجهة المحنة القاسية التي يعيشها – والفلسطينيون معه – منذ سبعة شهور ونيف.
إن هذا الشعب القليل عدده، الضئيلة إمكاناته، قد أعطى قضية فلسطين فرصة عريضة للانتصار، وذلك بصموده في وجه المخططات والمؤامرات الكثيرة التي دبرت لتمزيقها وتصفيتها، نتيجة لوعيه إن أي شر يستهدف فلسطين وشعبها إنما يستهدفه بالقدر ذاته، بل ويستهدف المنطقة برمتها.
كما إن هذا الشعب، المحدود القدرات الحربية، قد أعطى شعب فلسطين فرسة التنبه للمزالق الفكرية وللمنعطفات السياسية الخطرة، والقاتلة حتى، التي ستعترض مسيرته، وذلك عبر هذا الكفاح المرير الذي خاضه شعب لبنان ولا يزال يخوضه ضد الطائفية والامتيازات وفوضى الاقتصاد الحر وسيادة قيم المجتمعات القبلية وكل أصناف التخلف الموروث عن عصور القهر الاستعماري.
إن شعب لبنان يحاول، بقوة الدم والضحايا، أن يصحح “الصيغة” وكل ما نتج عنها من معادلات أضفت على نظامه طابع التحجر والتعفن والمعاداة لأي طموح مشروع إلى مستقبل أفضل،
إنه يسقط أسطورة التعايش بين الطوائف، على أساس من التكاذب المتبادل بين زعماء الاقطاع الديني والسياسي، ليبني على أنقاضه الوطن الواحد الموحد الذي يقدم لأبنائه الحياة وأسباب الحياة الكريمة، بدلاً من الاقتتال الطائفي والموت على الهوية والنفاق الموسمي المروج لأسواقه وبضائعها تحت ستار “الوحدة الوطنية”… هذه الوحدة التي منع اللبنانيون في الماضي، وبالقوة، عن بنائها وعن إعطائها المضامين السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تجعلها حقيقية ومتينة وراسخة وجذورها ضاربة في الأرض عميقاً، عميقاً.
وفي هذا الذي يفعله شعب لبنان، داخل لبنان، خدمة جلى لفلسطين القضية ولنضال شعبها. إذ يبين له – وبالملموس – مواقع الصح والخطأ في تصوره للمستقبل، ويكشف مكامن الانحراف التي قد تجره إليها القوى المعادية من صهيونية وإمبريالية ورجعية.
هذا عدا ما بذله شعب لبنان من دمه فداء لفلسطين الثورة وتأكيداً لارتباطه الحياتي الراسخ بفلسطين الشعب، مما كشف – وبأوضح وأصرح وأجلى ما يكون الكشف – الطبيعة العنصرية للصهيونية ولحلفائها المحليين أو فيما وراء البحار.
لهذا كله فالمواطن اللبناني يربط، على الفور، بين صموده الوطني والقومي في وجه إسرائيل ثم في وجه القوى الانعزالية المحلية ومن وراءها، وانتصار شعب فلسطين في تكريس حقه في أن يكون شريكاً أساسياً في أي بحيث يتناول مستقبل المنطقة (وبلاده بالذات)، ثم في تكريس الصفة العنصرية لعدوه المحتل الإسرائيلي.
إن دماء شعب فلسطين لم تذهب هدراً،
ودماء شعب لبنان لم تذهب هدراً،
والانتصارات مشتركة لأن القضية واحدة، ولأن أهداف النضال واحدة ولأن العدو هو، في النهاية، واحد مهما تعددت الأسماء والوجوه والأساليب المستخدمة.
إن النصر فلسطيني، أساساً، لكن ظروف لبنان القاسية تمنحه العذرفي أن يرى لنفسه حصة فيه، وتغفر له هذه الالتفاتة الجانبية إلى الذات… خصوصاً وإن إصراره على إكمال المسيرة المشتركة لم يتأثر أبداً، بل لعله اليوم أقوى وأمنع مما كان في أي يوم مضى.

Exit mobile version