طلال سلمان

على الطريق لبنان والمواجهة

أخيراً، انتبه الرئيس أنور السادات إلى لبنان ودوره المفترض ضد الغاصب الصهيوني في فلسطين، فمنحه ترقية استثنائية باهرة أو رفعه من “دولة مساندة” إلى “دولة مواجهة”، كما أعطاه حق المشاركة في حضور مؤتمر جنيف!
وبغض النظر عن التأخر وأسبابه، وتوقيت الاعلان عن الترقية ومغزى هذا التوقيت، فهذا القرار ممتاز من حيث المبدأ.
على إن ثمة بعض الملاحظات تتناول “الشكل” فحسب، وأبرزها الآتية:
أولاً – لا بد من الاشارة إلى مفارقة طريفة ومحزنة في آن… فحين كانت الحركة الوطنية في لبنان تضغط، بكل ما أوتيت من قوة، على أهل النظام وعلى الحكم فيه من أجل “إكراهه” على الالتزام بواجبه القومي، كانت الدول العربية وعلى رأسها مصر تمارس ضغطاً معاكساً على الحركة الوطنية في لبنان حتى لا تحرج الحكم فتخرجه!
كان أبناء لبنان وشبابه يتظاهرون ويحملون دماءهم على أكفهم وهم يواجهون النظام بمطلب محدد: أن يسمح لهم بالموت من أجل أن يكون لبنان وطناً، ومن أجل أن تتأمن حماية لبنان، حدوداً وأرضاً وسماء وبشراً،
وكان الحكام العرب يتصدون لشباب لبنان من موقع “الحكمة” فيهتفون بهم: دعوا لبنان وشأنه! إننا لا نريد من لبنان شيئاً! إنه ضعيف فارحموه! فليبق هادئاً وآمناً وجميلاً ومتفتحاً كما الحديقة العامة!
… ودخلت إسرائيل لترتاح في الحديقة العامة، ومدت رجليها، وهب أنصار مذهب “القوة في الضعف” يحملون مراوح من ريش النعام لتأمين الرفاه المطلق “للضيف العزيز”!
ثانياً – إن هذه الترقية تأتي مقطوعة الصلة ليس بأسبابها الموجبة، وهي مبدئية، ولكن بضماناتها وبلوازمها، فتبدو أشبه ما تكون برتبة فخرية لعسكري متقاعد تخطى سن الاحتياط!..
فكيف يكون لبنان دولة مواجهة وجيشه مفروض عليه العجز كما القدر، ليس فقط في السلاح وأنواعه بل أيضاً في الرجل وأعدادهم، وليس فقط في القوانين ونصوصها المجافية لروح العصر والواقع، بل كذلك في معطيات اللعبة المحلية السياسية وتوازناتها الطائفية الدقيقة!
ثالثاً – إن دعوة لبنان إلى جنيف تأتي بغير تفسير مقنع… فلبنان مدعو إلى صلح بعد حرب لم يشارك فيها ولو رمزياً، بينما ما زال الجدل على أشده حول حق فريق محارب (المقاومة الفلسطينية) في الاشتراك بجنيف، وكيف وعلى أي أساس، ووفقاً لأي من القرارات، وهل كوفد مستقل أو من باطن الوفود الأخرى الخ… هذا إذا اقتنعنا وسلمنا جدلاً إن مؤتمر جنيف سينعقد أصلاً!..
إن مصر قادرة فعلاً أن تجعل لبنان دولة مواجهة، ومن هنا فإن قرار الرئيس السادات صحيح، مبدئياً ومطلوب،
ولكنها – من أسف – يوم كانت قادرة على اتخاذ مثل هذا القرار وتنفيذه لم تتخذه ولا هي ساعدت الحركة الوطنية في لبنان على تنفيذه.
ولذا فإن القرار يبدو وكأنه خارج الزمان والمكان،
قرار من لا يقدر لإلزام من لا يريد الالتزام،
ترى هل من التجني، بعد كل ما عشناه ونعيشه، في مصر كما في لبنان، أن نتساءل: مواجهة من؟
… وعلى رغم هذا كله، وبعد هذا كله، فنحن مع القرار، لأسبابه المبدئية أولاً وأخيراً.

Exit mobile version