طلال سلمان

على الطريق لبنان والاتفاق السابع في اليمن

للبنان أفضاله حتى على اليمن،
فشبح المآسي والكوارث التي أصابت اللبنانيين فدمرت جيلاً أو جيلين منهم، إضافة إلى “دولتهم” وعاصمتهم وسمعتهم ومصادر رزقهم، يجعل القادرة اليمنيين، في الشمال كما في الجنوب، يتهيبون التورط أو التسبب في حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، ولا يستطيع أي منهم أن يضمن نتائجها.
إن ما تبقى من الوحدة يعيش بسبب الخوف من بديلها المجهول،
لا أحد منهم يستطيع أن يضمن العودة إلى ما كان فيه، أو الارتقاء إلى ما هو أفضل و”أفخم” وأكمل، سواء في الشمال الفقير أم في الجنوب الأفقر،
وحده النفط قد يكون، وعلى عكس المتداول والشائع، عنصر توحيد، أو تعزيز للوحدة المهددة بالانفجار من داخلها، وللدولة المهددة بالتشظي إلى سلطنات ومشيخات وكانتونات بحسب درجات الغنى،
والنفط “وحدوي” أو عامل توحيد لأن المستفيد الأساسي منه، وهو الولايات المتحدة الأميركية تتصرف مدفوعة بمصالحها، ولس لها عواطف، ويستوي في نظرها القبلي والعسكري والعقائدي، الإخواني كما الاشتراكي (بعد انقرض الشيوعية) طالما أنه يؤمن لها استمرار تدفق المادة الذاهبية لتنعش اقتصادها المتردي.
وفي حين اصطنع النفط، الإنكليزي بداية، ثم الأميركي، مجموعة من الانقلابات العسكرية، وتسبب في إسقاط أنظمة واستيلاد دول لم تكن موجودة على الخارطة، فإنه يلعب الآن في اليمن دوراً توحيدياً بقوة إقناعه… القسرية!
إن تهيب مخاطر الانفصال، وهي بلا حصر، لم يكن وحده ضابط إيقاع الانفصاليين شمالاً وجنوباً الذين كادوا يترطون في صدامات دموية لا يعرف إلا الله مداها ونتائجها،
لكن مصلحة الأميركيين في”الوحدة النفطية” هي التي منعت انفصال بل اقتتال الفقراء في اللحظة التي هلت عليهم بشائر الكفاية وربما الغنى.
لا يعني هذا بأي حال أن اليمنيين لا يريدون الوحدة أو يحبذون العودة إلى ما كانوا فيه من ضياع وتشتت وافتقار إلى أسباب القوة التي يفترض أن تكون لهم.
فاليمنيون وحدويون حقاً، في الشمال كما في الجنوب، والانفصال أو التشطير هو المخالف للطبيعة.
وهذه الحقيقة الثابتة، أي وحدوية اليمنيين، هي التي مكنت للوحدة، هذا إن لم تكن هي التي اصطنعتها، متجاوزة إرادة الحكام، في الشطرين، خصوصاً عندما كادت ظروف التردي الاقتصادي والالتحاق السياسي تضطر هؤلاء إلى إشهار إفلاسهم والتخلي عن السلطة أو السقوط من فوق قمتها إلى الفوضى الدموية.
لقد أثبت اليمنيون أن إيمانهم بوحدة بلادهم أقوى بما لا يقاس من انقسامهم المذهبي إلى زيود وشوافع، وأصلب من انقساماتهم القبلية، وأعمق أثرأً من اختلافاتهم العقائدية والسياسية (الماركسية والقومية والأصولية والقطرية أو الجهوية)…
كذلك أثبتت التطورات أن القاعدة كانت أوعى من القيادات، فلم تستدرج إلى المواجهة بالسلاح، والكل في اليمن مسلح سواء بشكل فردي وضمن إطار قبلي أم بشكل جماعي وضمن إطار عقائدي.
وصحيح أن الاتفاق الجديد الذي وقع بالأمس بين الجناحين المتصارعين على قمة السلطة هو سابع اتفاق يتم التوقيع عليه، وإن الاتفاقات الستة السابقة لم تنفذ، وإن عدم تنفيذها قد أدى إلى تفاقم الوضع ودفعه إلى حافة الانفجار الدموي المدمر…
لكن الصحيح أيضاً أن “أبطال الوحدة” الذين تحولوا أو كادوا يتحولون إلى “رموز الانفصال لا يمكن بعده” قد جبهوا بضغط شعبي حقيقي ومن قواعدهم نفسها، اضطرهم إلى إعادة النظر في مواقفهم، خصوصاً وإن الانفجار – إن وقع – لن يبقي نفطاً ولا عوائد ولا واردات بل سيلتهم الأخضر واليابس و… الأسود المذهب!
ثم جاء “ضغط الأنابيب”، ومصدره أميركي، ليساعد في حسم الصراع لصالح الوحدة.
ولعل بين حكام السعودية من كان يعمل لانفصال اليمن أو لتشطيرها بأمل أن يؤدي ذلك إلى استيلائهم على مزيد من آبار الذهب الأسود ومن مواردها.
وأكيد أن بين هؤلاء السعوديين من غذى ودعم بالمال والسلاح (والمصاحف؟)، معظم أطراف الصراع، شمالاً وجنوباً،لكي يتوغلوا في النفق الدموي المسدود.
لكن تناقض المصالح بين “السيد” الأميركي و”التابع”السعودي جاء، لمرة، لمصلحة وحدة اليمن ولخير شعبها الأقوى وحدته من أن تفصلها “الوزرة”.
ولقد فعل “السرطان اللبناني” فعله، فلجم الخوف من الابتلاء فيه بعض المغامرين وأصحاب النزعة الانتحارية، في الجنوب كما في الشمال…
ولعل الأميركيين قد استخدموا “البرهان الحسي اللبناني” أداة تخويف للقادة اليمنيين لكي يدركوا أن البديل من الوحدة هو الاندثار وليس العودة إلى “دولتين” لم تكن أيهما دولة فعلية في أي يوم.
المهم أن التوقيع على “الاتفاق السابع” قد فتح باب الإنقاذ للقادة جميعأً، في الشمال والجنوب… فعساهم يتوجهون نحوه، بل أن يمضوا قدماً في الطريق – الخطأ حتى يصلوا “الطائف”، فيتم استنقاذ من تبقى منهم باتفاق ولكن بعد أن تكون قد هلكت اليمن.
ومرة أخرى ها هو حكم اتفاق الطائف في لبنان، ولكن الحقيقة أن لا حكم ولا دولة ولا لبنان… اللهم إلا ما استنقذته سوريا.
وليست سوريا التي على حدود اليمن، بل هي السعودية التي تزحف بذهبها وحدودها كل يوم “لتختلس” المزيد من الأرض والقبائل والموارد اليمنية.
وقديماً كانت الحكمة يمانية…

Exit mobile version