طلال سلمان

على الطريق لبنان – فلسطين: الخوف القاتل!

.. ولأننا من الخائفين على فلسطين فنحن من أجل تحويل لبنان من شقة مفروشة إلى وطن حقيقي من لحم ودم، وطن لكل بنيه، وطن بهوية محددة وانتماء قومي واضح منه تنبع الواجبات وبناء عليه تؤخذ الحقوق.
لأننا قوميون تقدميون حتى العظم، فنحن وطنيون لبنانيون حتى العظم. وبهذا المعنى نحن فلسطينيون حتى الموت. ففلسطين هنا رمز الطموح العظيم إلى وطن، ورمز تحرير الإرادة وتثوير الجماهير لتتجاوز مختلف أنواع الحواجز والأفخاخ والكمائن التي نصبت لها على طريق كفاحها من أجل وطن حقيقي.
لأننا نخاف على لبنان – الوطن، نخاف على فلسطين. ففي إيماننا: هي معركة واحدة وإن تعددت الساحات وامتدت لتشمل الوطن العربي كله، بل وحتى العالم برمته.
إن المتآمر على فلسطين وعروبتها وحق شعبها في العودة وتقرير مصيره فوق أرضه، وإقامة دولته الديمقراطية فيها، أي المتآمر على النزوع الثوري الفلسطيني هو بالتأكيد متآمر على شعب لبنان وحقه في بناء وطن فوق أنقاض الشقة المفروشة الجاري هدمها بهمة لا تعرف الكلل! والعكس صحيح بالطبع.
إن العدو واحد، ولا بد أن يكون خندق المناضلين لتحقيق هدف مشترك واحداً.
وليس صحيحاً، بالمطلق، إننا نقاتل دفاعاً عن فلسطين من باب التعاطف مع شعبها المشرد، أو من باب أداء الواجب القومي تجاه ثورتها. إننا نقاتل، أساساً، دفاعاً عن حقنا في وطن، وفي دولة تقوم في هذا الوطن. إننان نقاتل من أجل توحيد شعبنا “اللبناني” وتوحيد وطننا “اللبناني” ونجاحنا في هذه المهمة هو بحد ذاته خدمة جليلة لفلسطين وثورتها.
إنهم يريدون مسخ فلسطين – الأمل، فلسطين – المستقبل بفرض ملامح “لبنانية” عليها، هي بالضبط هذه الملامح التي نراها سبب الخلل وأساس الخطأ في النظام اللبناني وفي منع قيام وطن حقيقي ودولة حقيقية فوق أرض هذا البلد الأمين.
إنهم يقاتلون ، مع ثورة فلسطين، أملنا في مستقبل أفضل. فإذا هم نجحوا في إجهاض الثورة أو حرف مسيرتها، أو إدخالها حلبة المساومات والتسويات والتصفية، كان معنى ذلك نجاحهم في القضاء علينا وعلى طموحاتنا وعلى أهداف نضالنا الوطني، أيضاً.
ونحن نقاتل إلى جنب ثوار فلسطين لأن حماية ثورتهم هي حماية لأملنا في المستقبل الأفضل. فإذا سلمت الثورة، وظلت على طريقها القويم إلى أهدافها، حققنا تقدماً باهراً من أهدافنا الوطنية.
وليست مصادفة أن تحتدم المعركتان اللبنانية والفلسطينية في وقت واحد وفوق ساحة لبنان بالذات، وليس بالاستنتاج وحده هذا الاتهام لقوى اليمين الانعزالي الطائفي في لبنان بالتواطؤ مع العدو القومي (إسرائيل) ومع الإمبريالية العالمية.
إن أهداف النضال الوطني اللبناني معلنة، وهي تلتقي في العديد من المهمات مع النضال الوطني الفلسطيني. وفوق نقاط التلاقي هذه يمتد الخندق الواحد في مواجهة الأعداء المشتركين للأهداف الواحدة.
ومن أسف أن أعداء أهداف نضالنا هم الذين بدأوا الحرب واستدرجونا إليها، محددين هم الزمان والمكان. لقد قفزوا، أمام عيوننا، من موقع الدفاع عن كل مخلفات القرون الوسطى إلى موقع الهجوم بالسلاح على العصر ورموزه المضيئة، على الثورة والتوق إلى غد أفضل، والتزمنا نحن موقع الدفاع ولا نزال.
إنهم يقاتلون دفاعاً عن كل ما هو رجعي ومتخلف ومعاد للإنسان. عن الطائفية يدافعون. عن العشائرية والمحسوبية واستغلال النفوذ. عن الاحتكار والرأسمال. ومع هذا فهم المهاجمون ونحن في خط الدفاع.
إنهم يخوضون “آخر معارك الصليبيين”، على حد وصف “الفايننشيل تايمز” البريطانية، ونحن نكتفي بمحاولة حماية الغد ومنهم ولا نهاجم.
…ويكفي أنهم أعطوا المندوب الإسرائيلي، أو الأميركي لا فرق، منطقاً شكلياً للدفاع عن قضيته الخاسرة في مجلس الأمن، مع التأكيد أن هذا المنطق لن يحصنهم ضد العصر هنا ولن يحميهم من حرارة وقلاائع الحياة هناك.
لقد كانوا يعملون لتحويل “لبنان الأخضر”، لبنان النظام الفريد، لبنان “الواحة الحضارية في صحراء العرب” إلى مقبرة للثورة والثوار، سواء أكانوا فلسطينيين أم لبنانيين. ولما لم يتحقق حلمهم هذا امتشقوا السلاح لمقاتلة شبح المستقبل الغريب تماماً عن رغباتهم وتصوراتهم.
ويمكن تجسيد مدى خوفهم من فلسطين – الوطن ومن لبنان – الوطن من خلال هذه الوحشية والشراسة والقذارة التي يلجأون إليها في محاولة يائسة لنسف طريق المستقبل. إنهم يذبحون ، يقتلون على الهوية، يعذبون، يشوهون، يقتلون حتى “دولتهم” المارونية بسكين التقسيم، يأساً من النصر.
ولأننا من الخائفين على فلسطين فنحن مطالبون بحماية الحركة الوطنية في لبنان، وكل مواطن من أن يساق بإغراء رد الفعل العصبي أو العاطفي أو الطائفي إلى المستنقع الآسن ذاته.
والمعركة طويلة ومكلفة، لأن الأهداف مجيدة وسامية. وبين الأهداف طبعاً أن نساعدهم هم على التحرر من خوفهم الرهيب، من يأسهم. أن ننسبهم مجدداً إلى الحياة.
وسنقاتل من أجل ألا تكون فلسطين المستقبل نسخة ممسوخة عن لبنان الحاضر.
سنقاتل حتى يكون لبنان المستقبل فلسطينياً، بالمعنى النضالي: وطناً لكل أبنائه بغض النظر عن طوائفهم، ودولة ديمقراطية وحقيقية.
وفي مثل هذه المعارك تهون التضحيات مهما غلت، ويصبح النصر شرطاً للحياة ذاتها، وليس مجرد تحسين في شروطها.
… ولهذا فإن خوفنا على فلسطين “تعصب” للبنان، بينما خوفهم منها ليس أكثر من كره للبنان الوطن.
ولبنان لنا، لمحبيه وللمستشهدين من أجله وفي سبيله وليس لأعدائه وكارهيه مهما تشدقوا بالشعارات الجوفاء، ومهما غنوا لمثاله الأسطوري بينما هم لا يتقنون عملاً أفضل من قتله كل يوم.

Exit mobile version