طلال سلمان

على الطريق لبنان… بين الصليب الأحمر و”هلال” مجلس التعاون

مؤسف وموجع هو قرار اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي بالانسحاب من لبنان، لكأنه عقوبة للضحايا والأبرياء،
فالصليب الأحمر هو “المسعف” ومسعف الضحايا تحديداً، ولبنان – بأهاليه على الأقل – بين الضحايا وليس بين الجناة، حتى وهو ساحة لحرب أهلية مدمرة، أو ساحة لمجموعة متداخلة من الحروب.
ولعل الذين خطفوا أحد مندوبي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قبل حوالي شهر، قرب صيدا، كانوا يستهدفون بعمليتهم غير المبررة وغير المقبولة والتي أدانها اللبنانيون جميعاً على اختلاف مذاهبهم وأهوائهم، دفع هذه المنظمة الإنسانية إلى مثل هذا القرار الجائر بحق اللبنانيين،
فالخاطفون، بدورهم، كانوا يعاقبون أهالي لبنان ويسيئون إليهم عبر الإساءة إلى الصليب الأحمر الدولي.
وإذا لم يكن لهذه المنظمة دور في بلد يعاني نزيفاً حاداً مثل لبنان، فأين يا ترى يكون الدور ويتأكد الإخلاص للمهمة الإنسانية النبيلة التي انتدبت نفسها لها… وبهديهي أن بلداً كسويسرا أو كبريطانيا أو كالسويد لا تتوقع ولا تطلب ولا تحتاج خدمات الصليب الأحمر الدولي.
وعلى سيرة بريطانيا فلا بد من الإشارة إلى أن قرارها بإجلاء المتواجدين من رعاياها في لبنان فوراً، وبمنع من ينوي القدوم إليه من الإقدام على هذه المغامرة، يمكن إدراجه أيضاً تحت بند التشهير بلبنان واللبنانيين من دون تمييز،
وهكذا تمتد حملة التشهير وتتسع ويدفع المواطن الطبيعي الثمن مرتين: مرة للخاطف الذي ينسف هناءة عيشه ويهدده في حياته ورزقه، ومرة أخرى للمخطوف أو المهدد بالخطف من رعايا الدول الأجنبية التي ترد باعتبار اللبنانيين كافة – الخاطف والمخطوف، حامل السلام وضحية السلاح – وكأنهم مجموعات من المرتزقة والإرهابيين والمجرمين المحترفين.
لا يعني هذا الكلام، بأية حال، إعفاء الذات من المسؤولية، أو التخفيف من بشاعة الجرائم التي ارتكبت وترتكب في لبنان، وفي الغالب الأعم لمصلحة جهات غير لبنانية، وغير عربية، وفي سياق الصراع المفتوح بين أجهزة المخابرات والسياسات المتعددة الجنسية.
لكن الكثرة الساحقة من اللبنانيين تبقى في خانة الضحية، ثم يكون عليها أن تتحمل العقوبة الثانية!
… وفي هذا الوقت لا يجد العماد عون ما يفعله غير أن يقفل المعبر ليقطع آخر خط اتصال بين اللبنانيين!!
… ولا يجد رفاق السلاح والإيمان في الضاحية غير أن يحتكموا إلى السلاح لتصفية خلافات لا يدري ضحايا رصاصهم وقذائفهم كنهها أو ماهيتها بالضبط، وليس مجال حسمها الشارع وسكانه بأرواحهم وأرزاقهم فيه، على أي حال.
فهل يعتب الصليب الأحمر علينا وبيننا من يوجه رصاصه، كل يوم، إلى الهلال ذاته؟!
أما وإن الحديث عن “صورة لبنان في العالم” فلا بد من التوقف أمام الدور العربي، أمام الوجود العربي، أمام الحضور العربي في البلد العربي الذي اسمه لبنان.
فلا شك أن الغياب العربي أو الانسحاب الغربي الواسع من لبنان قد أساء إلى صورة اللبنانيين أكثر بما لا يقاس مما لحقه نتيجة حملة التشهير الآتية من بلاد الفرنجة.
نعم، في البلاد حرب أهلية، وانتهاكات، وخروج على التقاليد والأعرافن وجرائم موصوفة،
لكن البلاد مهددة بمشروع تقسيمي هو – بالضرورة – من طبيعة صهيونية،
والبلاد بحاجة إلى إنقاذ، ربما من ذاتها،
فأين مسؤولية الأهل عنها، عن وجودها، عن دولتها، عن وحدة شعبها وسلامة أرضها؟!
هل يعاقبونها، هم أيضاً، مرة ثانية بالتنصل والانسحاب؟!
في فلسطين “يعاقبون” الفلسطينيين بتركهم للأميركيين ومن خلفهم للإسرائيليين تحت ستار المن على قيادتهم بتمكينها من ممارسة “القرار الوطني المستقل”، حتى ولو أدى الأمر إلى التفريط بأربعة أخماس الأرض وثلاثة أرباع الشعب،
… وفي لبنان “يعاقبون” اللبنانيين بتركهم لمصيرهم البائس (وعليه دائماً بصمات العدو الإسرائيلي) ويحرضونهم على ممارسة “الدمار الوطني المستقل”، وأحياناً بأسلحة عربية وبتمويل عربي؟
ومناسبة هذا الكلام، انعقاد مجلس التعاون الخليجي على مستوى التعاون الخليجي على مستوى القمة،
ألا يملك هؤلاء الصناديد العضاريط الملتقون الآن في المنامة غير توجيه النصح (أو التقريع والملامة) وغير إطلاق الدعوات الصالحات بأن يهدي الله سبحانه وتعالى أخوته اللبنانيين سواء السبيل؟1
إنهم أصحاب قوة وجاه ونفوذ وجبروت اقتصادي يمكن ترجمته إلى تأثير سياسي غير محدود.
إنهم بعض الأهل، وعليهم مسؤولية الأهل عن “صغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يشفوى وغائبهم حتى يرد الله غيبته”، فما بالهم يتعاطون مع الأمر وكأن اللبنانيين كلهم ميليشيات طائفية أو منظمات يسارية أو تنظيمات شبحية تمارس الإرهاب ضد الدنيا قاطبة ثم يتعذر ردعها ولو بالحوار معها أو مع مراجعها، فيترك البلد وشعبه لمصيره البائس، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لقد أطلق رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان قبل بضعة أسابيع مبادرة طيبة تجاه لبنان، ونشط في العمل لإنجاحها مع أقرانه من الحكام العرب، داعياً إلى قمة من أجل “بنيامين العرب” المهدد في وجوده والمهددة عبره أمته بأقطارها العشرين كافة،
فهل نسمع من قمة أقطار الخليج في البحرين ما يعزز تلك المبادرة ويحولها من مطلب حسن النية إلى جهد عربي مبارك لإنقاذ العرب والعروبة في لبنان وعبره؟!
أم تراهم سينتظرون أن تعود اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى لبنان بعد زوال الأسباب الداعية لوجودها فيه، لكي يعودوا إليه أو إلى الاهتمام به أيضاً؟!
أيريدونه “سويسرا” الشرق”؟!
فماذا ينتظرون إذن لكي يبادروا إليه فيساعدوا في حل أزمته ويعيدوا بناءه كما يشتهون ونشتهي؟!
أم أنهم وقد عرفوا سويسرا الأصلية قد استغنوا عنه،
وهل تكون الأخوة بأن تجيء أخاك في السراء فتنال ما يسر خاطرك، ثم تنكره في الضراء وتحول وجهك عنه إلى حيث تجد ما يمتع ويبهج العين والنفس المحرومة،
وهل الأخوة هي القضية أم الطيبات؟!
إن لبنان جريح ينزف باستمرار، وهو في ظل استمرار الحرب سيتحول إلى وباء خطير يهدد سلامة الأمة بكل أقطارها،
… فكيف يهجرنا، إذن، “الهلال الأحمر”، العربي حتى من قبل أن يفكر بتركنا لنزيفنا الصليب الأحمر الدولي؟!
كيف أيها الذين جعلتم شعاركم “التعاون”؟
وهل حدود “التعاون”، هي ذاتها حدود الخليج (المجرد في التسمية الرسمية، للمناسبة، من هويته العربية)؟!
… بينما ناضل شعب لبنان، وصمد في وجه الاجتياح وقاتل وما زال يقاتل من أجل هويته التي تؤكد أخوّته لكم وارتباطه المصيري بكم كما بسائر أشقائه العرب؟!
فهل نأمل باستفاقة (ولو متأخرة)، في المنامة؟!

Exit mobile version