طلال سلمان

على الطريق لبنان الوهم والقضية..

وصلت “قضية لبنان” إلى قمة موسكو، ولا بد أن يتوقف أمامها ممثلاً القونين الأعظم ليقولا فيها كلمة ما…
مع ذلك فما زال ثمة في لبنان من يتقصد ألا ينظر إلى “قضية لبنان” إلا بالعين الانعزالية الضيقة إياها، ويصر على تجاهل الحقيقة الأساسية في هذا الموضوع وهي أن فلسطين تعطي لبنان أكثر مما تأخذ منه، وبكثير، رغم كل المظاهر التي توحي بالعكس لسيئي التفسير، حتى لا نقول لسيئي النية.
وقبل موسكو، كانت “قضية لبنان” قد اقتحمت الفاتيكان، والمؤتمر الإسلامي في كوالالمبور، ومؤتمر القمة الأفريقية في مقاديشو، بقوة ارتباطها العضوي بقضية فلسطين.
أما على الصعيد العربي فقد تحركت سائر العواصم، وبهذه النسبة من الصدق أو تلك، مدفوعة بزخم الدم الفلسطيني المراق في السفوح والوهاد والمخيمات وفي كل مكان، نصرة للبنان ودعماً له.
وتم الاتفاق على عقد جلسة استثنائية لمجلس الدفاع العربي المشترك بسرعة قياسية تحت شعار “دعم صمود لبنان – لبنان الفلسطيني قطعاً – بمواجهة إسرائيل”.
وبعيداً عن الانبهار بالبريق الخلب “لنخوات” التضامن الصادرة عن الحكام العرب، وبعيداً عن الاستكانة إلى وعود مساعدة لبنان بالمال ومختلف أنواع السلاح، بما في ذلك الطائرات والصواريخ.
بعيداً عن هذا وذاك تبقى حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن هذه العروض – بالجدي منها والشكلي – ما كانت لتكون لولا قوة تأثير القضية الفلسطينية، ولولا بروز دور لبنان فيها، في هذا الظرف الدقيق.
وتبقى حقيقة أخرى وهي أن حجم الدعم العربي ومقداره ومدى جديته وفاعليته تظل، في أتعس الحالات، متوازنة مع طبيعة صمود لبنان الرسمي.
فلبنان، الدافع نصيبه من ضريبة فلسطين العربية، له كامل الحق بمساعدة كل عربي بين الخليج والمحيط،
ولبنان المتحدث لغة فلسطين مسموع الصوت عالمياً، لأن قضيتها اخترقت – وبقوة الدم – جدار الصمت، وفرضت نفسها بين الهموم اليومية للإنسان المعاصر.
وزيادة الدعم، العربي والعالمي، تتصاعد وتتناقص إطرادياً بنسبة اندماج قضية لبنان في قضية فلسطين.
وبالقطع ما كان رئيس جمهورية لبنان ليفكر – مجرد تفكير – بتوجيه رسالة إلى نيكسون وبريجنيف المجتمعين في موسكو لولا أنه في موقع فلسطين، ولولا ثقته بأن فلسطين موجودة بالتأكيد على جدول أعمال لقائهما.
وكم هي بائسة تلك الأوهام الانعزالية التي يعيش عليها ومنها بعض تجار السياسة في لبنان، والتي تصور لهم أن لبنان يصبح معروفاً أكثر في العالم، ومحترماً أكثر، إذا هو تخلص أو أنقص نسبة انتمائه إلى قضية فلسطين، ومن ثم إلى عروبته.
إن مروجي هذه الأوهام يريدون إقناعنا بأنه من الأفضل لنا أن نكون “لا أحد” وأن نكون “بلا قضية”، حتى يقبلنا العالم، بينما العالم لم يعترف بنا ولم يحترمنا إلا بعدما أثبتنا – وبقوة حروب عدة وشهداء بمئات الآلاف – إننا مقاتلون حقيقيون من أجل قضية حقيقية.
لكن التجارب علمت لبنان، كما علمت غيره، إن العيش مع الأوهام وعليها لا يجلب الأمان، ولا يحفظ السيادة الوطنية، ولا يحمي وحدة التراب الوطني، وإن الأوطان تقوم وتبقى على الحقائق وبها،
وبالتأكيد فإن اللبنانيين جميعاً يريدون وطناً حقيقياً، ولو صغيراً، ولا يريدون وهماً أسطورياً يظل وهما حتى لو اكتسب صفة العالمية.

Exit mobile version