طلال سلمان

على الطريق لبنان – الضحية: خارج على القانون!

مهينة إلى حد الجرح كانت تجربة لبنان مع مجلس الأمن الدولي، حين ذهب إليه بالأمس شاكياً إسرائيل لاعتداءاتها اليومية على أهله وسمائه وأراضيه، ناهيك بسيادته وكرامته الوطنية والعنفوان.
لقد صور وكأنه جاهل أو متجاهل للحقائق الجديدة التي انتهى بها النظام القديم بمؤسساته جميعاً وأبرزها الأمم المتحدة ومجلس الأمن المنبثق عنها.
ظهركمن يحمل جريحاً إلى الفرن بدلاً من المستشفى، أو يذهب إلى الصحراء طلباً للماء، أو يقصد يهودياً طلباً لتبرع من أجل عمل خيري!
وكان لبنان قد تعرض لإهانة أولى، وقبل فترة بسيطة، في واشنطن ومن قبل وزارة الخارجية الأميركية، حين أبلغ بما مفاده: “ولماذا تجارون بالشكوى وتطلبون منها التدخل لوقف “دورة العنف” في جنوب لبنان؟! أنتم لستم طرفاً في تلك الحرب بين إسرائيل وبين “حزب الله”. لماذا تحشرون أنفسكم في ذلك الموقع الصعب”.
في مجلس الأمن بنيويورك كان الأمر أقسى ، لأن الإهانة الجديدة كانت علنية و”دولية”، ومرة أخرى كان مصدرها المندوب الأميركي وبالصوت الحي، وليس همساً في زاوية باردة من غرفة أو قاعة مغلقة في مبنى وزارة الخارجية الأميركية.
وهكذا كاد لبنان يتحوّل من ضحية إلى مزوّر متجن ومنتحل صفة.
ما علاقة لبنان بالأرض اللبنانية… لاسيما إذا كان الإسرائيلي يحتلها؟!
وما علاقة لبنان بالمواطن اللبناني الذي “ينفرد” بمقاتلة الاحتلال؟!
كأنما “حزب الله” جنسية أخرى، قومية أخرى، “دولة” أخرى، أو شعب آخر لا علاقة له بلبنان إلا كمعبر، وكموقع يطل على الخاصرة الإسرائيلية الرخوة!!
وكاد لبنان يطالب بالاعتذار العلني عن إقدامه على تشويه صورة “بطل السلام” إسحق رابين وشريكه في الجائزة شيمون بيريز،
لم يعد من حق اللبنانيين أن يبكوا أطفالهم المقتولين بالصاروخ الإسرائيلي المنحرف عن مساره في دير الزهراني،
ولم يعد من حق لبنان – الدولة أن يطالب (مجرد مطالبة) بفك الحصار عن مواطنيه المحاصرين بالجوع والمرض ومدافع الموت في يحمر الشقيف، ناهيك بكون إسرائيل تتخذ من أرضه وسمائه جميعاً ساحة تدريب لطياريها وجنودها الذين يجربون أسلحتهم الجديدة في أجساد اللبنانيين، صغاراً وكباراً، وفي محاصيلهم الزراعية، شجراً وحصاداً.
لم يعد من حق لبنان، أو أي بلد عربي، أن يتخذ صورة الضحية، وأن يذهب بها إلى العالم.
لقد رفعت التواقيع العربية إسرائيل من موقع الطرف في صراع مفتوح إلى موقع المرجعية الشرعية والقيادة والحكومة المركزية للمنطقة عموماً.
لم يعد العرب، ولم يعد أي منهم نداً لإسرائيل، طالما أن صفحة الحرب قد طويت مع إقرار بالتفوق الإسرائيلي المطلق، ثم مع التسليم ليس فقط بحقها في الوجود بل بحقها في أن تعيد صياغة “حقوقهم” فوق الأرض التي لم تعد لهم، والتي ستبقى مشاعاً مباحاً في انتظار ترسيم حدود الهيمنة الإسرائيلية.
وطالما أنهم لا يواجهونها ولا يقدرون في المدى المنظور على مواجهتها في الميدان الأصلي فلماذا تستبقي لهم القدرة على تشويه صورتها، ومحاولة الإيحاء بأنهم “أصحاب قضية”؟!
قبل لبنان كانت إسرائيل قد أفهمت “مختار غزة” ياسر عرفات، علناً، أنها هي وهي وحدها مرجعه، وأن لا علاقة له بالخارج (بالعالم وشرعيته الدولية) ولا علاقة للعالم به إلا من خلالها وبموافقتها وبناء على طلبها.
حتى الولايات المتحدة الأميركية أزاحت عن كاهلها دور المرجع والراعي واكتفت بدور الوسيط، أو فاعل الخير الذي يتشفع للمخطئ فيطلب له الرأفة بحاله متعهداً بأن يكون الخطأ الأخير وبأن “يتوب” فلا يقدم ثانية على حماقة التشكي من سيده، أو التوجه بالشكوى إلى غير سيده.
من ليس نداً ليس طرفاً، ومن ليس طرفاً ليس ضحية. إنه خارج على القانون، فإذا ما أدبته حكومته المركزية فليس من حق أحد من الخارج أن يتدخل أن ذلك لو تم يمس بسيادة الحكومة المركزية وحقها في ممارسة سلطتها على “رعاياها”. إن ذلك، لو تم، تدخل في الشؤون الداخلية الإسرائيلية.
.. ولربما طلبت الدبلوماسية الأميركية من لبنان الرسمين، غداً وبعد المذبحة التالية، أن تتوجه بشكواها إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، مع رسائل تطمينات وتأكيدات تضمن حسن سير العدالة ونزاهة الأحكام فيها.
مع كل توقيع يخسر العربي ما هو أغلى من حقوقه “الوطنية”: إنه يخسر إنسانيته.
ولن يعوّض تلك الخسارة، بالطبع، أن يعيد الأميركيون الاعتبار إلى الملك عبد الله باعتباره كان “الرائد” في الخروج على أمته والتواطؤ مع الإسرائيليين عليها، وهو التواطؤ الذي بلغ إحدى ذراه الدراماتيكية بتلك النزهة البحرية على اليخت الملكي في خليج العقبة.

Exit mobile version