كلما لسعت أفعى يهودياً في مشارق الأرض أو في مغاربها ، فرض على اللبنانيين أن يعيشوا حالة ذعر وترقب وأن “يتجمع واحدهم كمن صفعت قفاه مرة” فاستعد للثانية!!
سلم العالم، ببساطة، بأن إسرائيل هي دولة اليهود في أربع رياح الأرض، كائنة ما كانت “الأوطان” التي ينتمون إليها والجنسيات التي يحملونها والمعتقدات أو الإيديولوجيات التي يدينون بها أو المهن والحرف التي يعملون في مجالاتها،
وسلم العالم، ببساطة مذهلة أكثر، بأن “اللبناني” هو العدو الوحيد لإسرائيل، وبالتالي ليهود العالم أجمع: إن تهدّد أمن أي يهودي في أي مكان فرضت إسرائيل العقوبة على لبنان واللبنانيين، ونفذت الحكم بقسوة لا نظير لها، وسط إعجاب “المجتمع الدولي” وتهليله، وغالباً في ظل مباركة “الشرعية الدولية”.
وصار اللبناني يسمع الأخبار ويده على قلبه: إن وقع انفجار في نيويورك توقع الرد عليه في النبطية أو في صور أو في صيدا، وأن فخخ مبنى في عاصمة الأرجنتين توقع غارة على بعلبك أو على الضاحية، وإن انفجرت سيارة مفخخة أمام سفارة إسرائيل في لندن، عاش في ذعر ممض وهو ينتقل بمخاوفه من جهة في لبنان إلى أخرى، يفتقد الأمن والأمان والمرجعية الصالحة لقبول شكواه، مجرد الشكوى!!
لا استنكار أعمال العنف يقي من الضربة، ولا شجب الإرهاب يكفي، ولا التبرؤ من الأصولية والأصوليين وإيران والإيرانيين والمذهب الشيعي والإسلام نفسه ينفع في تسكين الغضبة الإسرائيلية واستدرار عطفها بحيث تعفو أو ترحم أو تلطف في قضائها!
لا التصريحات الرسمية التي تكاد تلغي مفهوم الدولة ناهيك بمسؤوليتها عن رعاياها، ولا البكاء على ضحايا العدوان الغاشم، ولا الاعتذار نيابة عن الفاعل الأصلي مجهول باقي الهوية يمكن أن يخفف العقوبة، فكيف بإلغائها…
قدر هو… أن يعيش أربعة ملايين مواطن لبناني كرهائن مذعورين محاصرين بأشباح الموت، قصفاً أو نسفاً، بينما العالم يتفرج بغير إشفاق، متلهفاً لرؤية البراعة والبسالة والمباغتة الإسرائيلية الجديدة، كي يصفق لهذا الجيش الأسطوري ولأجهزة مخابراته التي تبتدع أنماطاً غير مسبوقة في فن الاغتيال الجماعي.
أربعة ملايين لبناني في معسكرات الاعتقال الإسرائيلية،
أربعة ملايين رهينة، فيهم الأطفال والنساء، الشيوخ والمعاقون، وفيهم الشباب اللاهي عن كل شيء والمنصرف عن السياسة، وفيهم الموافق على السلام بالشروط الإسرائيلية،
لكن إسرائيل تبقي هؤلاء الملايين الأربعة من خوف الموت في حالة أقرب إلى التماوت: هل أصعب من أن تعيش عمرك في انتظار القاتل الذي تحس بأنفاسه تطوقك ويلمع نصل سكينه فيخترق نور عينيك، ثم يأخذ بهدهدتك وهو يحاول اختيار أسلوب مبتكر للقتل.
… والتواقيع “العربية” تتوالى على صك الإذعان، ولا تغفر إسرائيل للبنانيين ولا هي ترحمهم، بل يظلون رهائن… في انتظار التواقيع الأخرى!
الطريف أن إسرائيل كلما حصلت على توقيع عربي جديد بالغت في إظهار “ضعفها” بتوجيه ضربات أشد إلى لبنان واللبنانيين، بذريعة “حماية الجنس”، وبالغت في تكبير “أعدائها” لتبرر بحيرة الدم التي تزداد اتساعاً كل يوم في الأرض اللبنانية ابتداء من جبل عامل وانتهاء بسفوح السلسلة الشرقية المطلة ضفتها الأخرى على سوريا.
لمن نكتب هذه الكلمات؟!
إنها رسائل داخلية من رهينة إلى سائر الرهائن،
في انتظار الضربة الجديدة التي استعدت لها الحكومة بالتصريحات المتهاطلة – كالقصف – في مختلف وسائل الأعلام المكتوبة والمكتومة والبين بين.