طلال سلمان

على الطريق لا حياد، بل انحياز للوحدة!

الموقف أخطر من أن يلخص بالشماتة الرخيصة فالدم الذي يسيل هو دمنا أيضاً، ولا يخفف من وقع الخسارة أن يقال إن الطرفين المتقتتلين على خطأ في ما يتصل بوحدة لبنان دولة وشعباً وأرضاً لا فرق بين “المحتل” منها و”المحرر”.
لكنه التاريخ الذي لا يرحم: يشهد ويسجل الوقائع تاركاً للضحايا مهمة الحكم في معركة لا نصر فيها ولا منتصر بل مجموعة من المهزومين بكلفة باهظة بتاثيرها على الحاضر والمستقبل.
لكنها الحرب الأهلية التي لا ترحم: تبدأ ضد الغير وتنتهي ضد الذات، فإذا الكل عدو الكل، وإذا الأقرب أقسى على مثيله ورفيق سلاحه وشريكه في شعاره المغلوط.
لكنه وباء التقسيم الذي يبدأ بصاحبه فيقتله، لأن الوحدة هي ضمانة الجميع ومصدر سلامتهم وحامية الاستقلال والسيادة والكرامة والعنفوان الخ، ومن دونها لا يتوقف القتل ويستحيل التمييز بين القاتل والقتيل، فالفارق يتصل بالتوقيت والمباغثة وليس بطبيعة المعركة وأهدافهاز
لكنها النزعة الانتحارية التي ينتجها هذا الهوس بالسلطة والسعي لاحتكارها ولو فوق تلال من الجماجم وركام العاصمة والمدن والقرى الجميلة وفوق حطام القيم التي تعطي للحياة معنى وتربط الحكم بالحياة، وبالحياة الأفصل، وليس بالموت المجاني وبالجملة.
لكنها الطائفية التي تلغي الإنسان وتحوله إلى وحش في قطيع من الغيلان، وتلغي معه الوطن… فمن أين يستولد المواطن إذن، وكيف يمكن أن تقوم الجمهورية، وأية ديموقراطية تلك التي يمكن أن ينتجها القمع المتواصل والمتزايد عنفاً وشراسة وشمولاً بحيث لا ينجو من لوثة الدم حتى المتاجر بالدم، دم المواطن والوطن وحلم الغد الأفضل؟!
هي حرب حتمية. لم تفاجئ أحداً بمن في ذلك من أشعلها أو من اكتوى نارها. وها هي قد تفجرت مفجرة ما تبقى من الطائفة العظمى وأوهام الناظرين إلى أنفسهم على أنهم أبناء حضارة أخرى وعرق أرقى بحيث يستحقون أن يكونوا شعب الله المختار الآخر، وأن تكون لهم “دولتهم” النقية بمعزل عن أبناء جلدتهم وتاريخهم ولغتهم والجغرافيا، أخوالهم وأعمامهم وجدودهم والشركاء في المصير الواحد.
هي حرب أخرى في مسلسل اغتيال الذات الذي بدأ بالدولة وها هو ينتهي (؟) بالممتاز وصاحب الامتياز من شعبها.
هو درس آخر للذين لا يعون ولا يفهمون حقائق الحياة ويفترضون في أنفسهم القدرة على تسخير القوى جميعاً، بما فيها العظمى، لتحقيق أغراضهم الصغيرة.
فلا حل إلا الدولة، دولة الثلاثة ملايين لبناني، دولة بيروت والجبل والشمال والجنوب الذي يفتقد النصير لتعزيز صموده.
لا حل إلا بالاعتراف: لا حياة لطائفة تغلق على نفسها “الفيتو” وتنفصل عن تاريخ بلادها وجغرافيتها وهويتها.
لا حل من الخارج الأجنبي، ولا حل من داخل وحدة الطائفة، بل وحدة البلاد هي مصدر التوازن، مصدر التسوية، مصدر الحل الممكن… ودائماً برعاية عربية.
ولا مجال للحياد، لكن لا مجال للانحياز إلى أي من الطرفين المقتتلين: جنرال التعتيم وحكيم التقسيم… أقله حتى يعلن توبته عنه.
والانحياز الحتمي إلى الدولة، إلى الوحدة، إلى التسوية التي يمكن أن تحمي ما تبقى من لبنان من الاحتراق في نار الطائفية التي لا تنطفئ إلا إذا تعاون الجميع على إطفائها، ودائماً باسم الدولة وفي أحضانها.

Exit mobile version