طلال سلمان

على الطريق كوهين الأفريقي

كن قريباً من المذياع، وابق متنبهاً وفي حال الاستعداد للتحرك، فلا تدري متى تصدر إليك الأوامر الأميركية التي تتبلغ عبرها في أي أرض تعيش (أو تموت!) وهل لها دولة أم لا، وما شكل نظامها وتاريخ حاكمها الجديد ومواقع انتشار جيشها أو الشرطة فيها (إذا ما سُمح بهما) ثم… اسمك شخصياً ولون عينيك، في ظل النظام العالمي الجديد.
فيوماً بعد يوم تتجلى صورة الولايات المتحدة الأميركية بوصفها “منظم الحروب الأهلية”، ومن ضمنها “حروب الأخوة المتجاورين” في أقطار العالم الثالث، تحت شعارات مطاطة تمتد من طرد النفوذ الشيوعي إلى إسقاط الأنظمة الدكتاتورية إلى كنس نفوذ دول الغرب القديم حتى لا يبقى منه أثر أو رمز ولو على شكل شاهدة قبر!
لكأنما الحرب الأهلية هي “المطهر” لدخول العالم الثالث إلى النظام العالمي الجديد، كقطيع من العبيد أو الأقنان أو الرق لا حاضر لهم ولا دور في المستقبل، إن أبقى لهم الجوع وافتقاد الهوية والوحدة والمنعة أي مستقبل.
أما “العالم المتقدم” فله سياسة الإخضاع اليومي وإلغاء الدور “الكوني” ثم السيادة الوطنية و”القرار الوطني المستقل” عبر الحرب الاقتصادية المنظمة بكل أبعادها سياسياً واجتماعياً وعسكرياً.
من العراب – الكويت إلى أعماق القارة الأفريقية،
ومن كمبوديا – كوريا إلى أعماق أميركا اللاتينية،
… يتفجر مسلسل من الحروب الأهلية المدمرة، وبطريقة منهجية، فإذا الدول تتمزق وتتشطر كيانات وإذا الشعوب تتشظى قبائل وأعراقاً وعناصر متنافرة، وإذا العلم الأميركي يرفرف فوق أكوام الجماجم تدليلاً على وصول رعاة حقوق الإنسان والديموقراطية وتوليهم المسؤولية مباشرة عن الأحياء المضطهدين كما عن الأموات المسحوقين بقمع النظام الدكتاتوري!
السوفياتي يصير بالبركة الأميركية إسرائيلياً، فيلغي الدولة في أرض الثورة الاشتراكية الأولى، ويلغي حق الفلسطيني في أرضه بالذات وفي الدولة وفي الحياة، تمهيداً لأن يلغي عربياً، آخر في القطر المجاور وهكذا دواليك!
ويركب “للنجاشي” من الأحباش جناحان أميركيان فيطير في غمضة عين، وبينما دولته تتناثر مزقاً، إلى “أرض الميعاد”، ليكون عدة الحرب الجديدة من أجل إقامة الإمبراطورية الإسرائيلية فوق الأرض الممتدة من النيل إلى الفرات، وربما أبعد بكثير!
العراقي يصير “كردياً” في الشمال أرضه بحدود لسانه ورئيسه جورج بوش (تماماً مثل الكويتي، المحرر الآخر على الضفة الثانية)،
… ويصير “شيعياً” في الجنوب تدمغ انتفاضته بالمذهبية لتنفى عن العراقيين الأقحاح وطنيتهم وعروبتهم وشوقهم إلى الحرية والديموقراطية والدولة العادلة والتقدم في اتجاه العصر.
يدخل الجندي الأميركي إلى زاخو “محرراً” فيستغرب وجود الشرطي العراقي في المدينة العراقية ويطرده شر طردة،
أما في مدينة دهوك العراقية فيكون شرط دخول “المحرر” الأميركي أن يخرج ما تبقى من الجيش العراقي مسبقاً، ربما لأنه لا يحب أن يرى ما ييسوءه!
… ويسحب من التداول أي حديث عن صدام حسين، هتلر الصغير، ونظامه الدكتاتوري، وقمعه الوحشي لشعبه من قبل أن يقدم على فعلته الحمقاء في الكويت، ثم بعدها، بل ولاسيما بعدها!
ومن لندن حيث كان السيد الأميركي يشرف على محادثات الطاولة المستديرة بين الأطراف المتصارعين على السلطة في أثيوبيا، يطلق هيرمان كوهين (لاحظ البراءة في اسمه) نداء إلى ما تبقى من الجيش الأثيوبي لإلقاء السلاح والاستسلام وتسليم العاصمة أديس أبابا “للثوار” من رجال “الجبهة الديموقراطية الثورية لشعب أثيوبيا” (لاحظ الفخامة في اسمها)!!
كوهين يقرر من هم الأثيوبيون شعباً وجيشاً وحكاماً!
وبرغم وهج منصبه كمساعد لوزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية فإن اسمه أقوى من أي منصب، خصوصاً وإنه يعكس أحد وجوه النظام العالمي الجديد.
إذ يبدو إن إسرائيل والإسرائيليين حيثما كانوا هم رموز هذا النظام في دنيا العرب، وربما في العالم الثالث إجمالاً.
في باب التعزية وجبر الخواطر ذلك الحديث السمج عن “انتقادات لاذعة” وجهها جيمس بيكر إلى حكومة شامير بسبب موقفها المتعنت من “مشروعه؟” لتسوية “أزمة” الشرق الأوسط!
فعلى ظهر هذه “الانتقادات” التي تحولت إلى جسر جوي فريد من نوعه في التاريخ، وصل 15 ألف يهودي جديد لينضموا إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وبعض الأرض العربية خارجها،
بعض الكلام “الطيب” للعرب البسطاء يكفي، أما الباتريوت ومليارات الدولارات وعشرات ألوف اليهود من فالاشا وسوفيات وجنسيات أخرى فلاسرائيل، وهيهات أن ترضى!
والعرب السذج سريعو الرضا، ولهم فم يأكل وليس لهم فم يحكي! ثم، وماذا إذا “زعلوا” أو “حردوا” وأخذتهم سورة من الغضب؟!
أما الإسرائيليون فيأخذون ثم ينهرون إدارة بوش ويشتمونه فيتراجع ولا يكتفون فيهددونه بالويل والثبور غداً في الانتخابات… الأميركية!
وماذا بوسع العرب أن يفعلوا طالما إنهم قاصرون فلا ينتخبون؟!

Exit mobile version