طلال سلمان

على الطريق كلمات متسللة من بيروت إلى “المختلفين” في دمشق

هل ثمة متسع بعد للكلمة، للحوار، للعقل، لصرخة ألم تند من الملتاهين بالهزيمة المسحوقين بآثارها المفجعة؟! هل ثمة متسع بعد لأن يسمع الأخوة الفلسطينيون كلمات هادئة بالضرورة كونها متسللة من خلف خطوط العدو الإسرائيلي ، من بيروت التي يكاد ينسى الآخرون ونكاد ننسى نحن (!!) إنها محاصرة ما تزال، تحاول أن تستعيد نفسها وصورتها الأولى فتفشل حتى في استعادة الجميل والمؤنس من الذكريات؟!!
هل ثمة فرصة بعد لأن نقول: توقفوا حيث أنتم، وانظروا إلى الدنيا من حولكم، واستذكروا من أنتم، ما أمركم، ما قضيتكم، ولماذا – بالأصل – حملتم السلاح، ولماذا تحملونه الآن، الآن، الآن، وأين،
أين!! وليس يفصلكم عن العدو، “ال” عدو، إلا مدى الرصاص والمجال الرحب لصوته الفخم؟!
… وليثس للرصاص، ولا يجب أن يكون، إلا اتجاه واحد أوحد ووحيد: نحو “ال” عدو.
كثيرة هي أسباب الخلاف، ومعظمها جدي وحقيقي وساخن ولا يحتمل الأرجاء أو التسويف ناهيك بدوام الصمت،
لكننا نخطئ إذا نظرنا إليها معزولة ومفصولة عن الأسباب الخطيرة للأزمة الخانقة التي تعيشها حركة التغيير العربية عموماً،
وبالمقابل نخطئ خطأ أفدح إذا طالبنا بتجميد “الوضع” إلى أن تحل الأزمة الأصلية، بكل أبعادها.
ويجب أن نقولها صريحة: إن أزمة المقاومة الفلسطينية لم تبدأ اليوم، ولم تبدأ بعد بيروت، فهي كانت معها في بيروت، ولعلها بين الأسباب التي أوصلتها إلى بيروت وأخرجتها منها كما من عمان، قبل ذلك.
ولهذه الأزمة بالتأكيد أسبابها الداخلية، الفكرية، والتنظيمية، السياسية والعملية، ولكنها بمجملها أحد وجوه الأزمة – الأم التي تعيشها (حتى الاختناق) حركة الثورة العربية منذ انتكاستها في أواسط الستينات، وهي الانتكاسة التي أنجبت هزيمة 1967، ثم توجتها بعد ذلك الانهيارات التي توالت منذ العام 1970 وصولاً على التبديد الإجرامي لنتائج حرب رمضان في العام 1973.
وبهذا المعنى فالكل معنيون، والكل شركاء في المسؤولية ، وعليهم أن يتحملوها مجتمعين،
وأول شروط ممارسة المسؤولية : الديمقراطية.
الديمقراطية بوصفها شرط “الفلسطينية” في هذه المرحلة الكالحة من تاريخ القضية والأمة، وباعتبار إن اللجوء إلى السلاح في الحوار الداخلي انحراف عن الصراط من نتائجه المباشرة أن يحل الاقتتال الأهلي محل القتال الوطني والقومي وأن يضيع منا الطريق إلى الوطن في حين صار المنفى عزيزاً بعيد المنال!
والديمقراطية احترام للمؤسسات وتمكينها من أداء دورها الطبيعي في تقنين الخلافات وحصرها وتحديد وسائل حلها.
والديمقراطية حوار مفتوح لا يضيق إزاءه الصدر فيرفضه ولا يتهيبه المسؤول فيلغيه ملتجئاً إلى الحل الأسهل وإن كان الأكثر كلفة: القرار بالخروج على المؤسسة وتحطيم شرعيتها، وبالتالي إعدام أي فرصة لحل جدي يخدم الوحدة بتوكيد الاتجاه الصحيح للرصاص ولحماية القضية وشرف النضال.
لو إننا في غير بيروت لقلنا الكثير ولو إن بيروت ما تزال بيروت لقلنا أكثرز
لكننا نعرف إن كلماتنا ستمر على حواجز كثيرة في الطريق إليكم، ولهذا نختصرها ونختزلها ما أمكن.
مع ذلك نود أن ننبهكم ، وننبه الجميع، إلى أمر لا يجوز أن يغفل عنه أحد:
لا تدعوا “الخلاف” عندكم يكمل مهمة “الاتفاق” عندنا،
وإذا كان أصحاب “الاتفاق” قد وجدوا العذر والذريعة في الوضع العربي الكريه الراهن، فإن هذا الوضع بالذات يفترض أن يستنفر إرادة الوحدة لديكم، ويعزز الروح الديمقراطية، لحماية ما تبقى، أو لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من أسباب حمل السلاح ومن ضرورات الحفاظ على شرف السلاح.
هل سمعتنا يا “حكيم”؟
أيها الرمز الباقي، أيها الضمير أيها الذي يكاد يختزل كل ما ألمحنا وأومأنا إليه؟!
نرجو أن نسمع منك وعنك ما نتوقع، بعد، وما نتمنى سماعه، برغم كل ما كان، وكل ما قيل ويقال،
خصوصاً وإنك تعرف جيداً إن طريق فلسطين يبدأ بفلسطين ويمتد عبرها، وليس إلا عبرها، إلى أربع رياح الأرض.

Exit mobile version