طلال سلمان

على الطريق كفروشوبا : وطن أم لقيط؟

الوطن ليس الكرة الأرضية، ليس العالم، أي مكان من العالم وكل مكان في العالم. إنه أرض محددة، موصوفة، مجبولة بعرق شعب معين، بدمائه، بذكرياته، بحسده، بأنفاسه، بطموحاته العظيمة ونزواته الصغيرة.
والكرة الأرضية، على اتساعها، لا تصلح ولا يمكن أن تكون بديلاً عن الوطن ولو كان شبراً في شبر وبضعة قرى بائسة مثل كفرشوبا والهبارية وكفرحمام.
والقاعدة بسيطة : تكون في العالم بمقدار ما تكون في وطنك: فإن لم يكن لك وطنك عز عليك أن تعثر على مأوى ومهجع وملاذ يحفظ لك إنسانيتك وكرامتك، إضافة إلى الأماني والأمجاد والآمال العراض.
كفرشوبا، الآن، عرض مسفوح على الرصيف، جرح بلا صاحب،
… والسادة النواب يناقشون السادة الوزراء: إذا أقر مشروع خدمة العلم فمعنى ذلك أن بعض السارقين الكبار يجب أن يتوقف عن السرقة لنوفر مبلغ المئة وخمسين مليون ليرة المطلوب. إذن، دعونا نتفق أولاً على “وطنية” مثل هذا الإجراء الدكتاتوري في قطع الأرزاق الذي هو من قطع الأعناق!
كفرشوبا، الآن، عرض مسفوح على الرصيف، جرح بلا صاحب،
…والدولة توفر الشاحنات، وربما الحمير، للراغبين من أهاليها بنقل ما خف حمله وغلا ثمنه من بيوتهم المقصوفة، المنسوفة، المنتهكة ، إلى… لا مكان!
وكامل الأسعد يمزق صورته، المرفوعة في تكميلية مرجعيون، غيظاً وحنقاً وألماً واستنكاراً لإهمال الجنوب!.. وبعض الغيظ من نفسه بالتأكيد،
كفرشوبا، الآن، عرض مسفوح على الرصيف، جرح بلا صاحب،
وأهاليها يدورون يطرقون كل باب فلا يجدون إلا مزايد أو مناقص!
المزايد يخطب فيهم طالباً إليهم الصمود ليحظوا بشرف الاستشهاد من أجل الوطن… والموت في كفرشوبا رخيص، في غيبة الوطن والمواطن، وهو ليس استشهاداً حتى في نظر كثير من اللبنانيين لا يعرفون للجنوب (وللبنان) قضية حتى الساعة، ويصرون على اعتبار “المشكل” مجرد انتقام إسرائيلي من الفدائيين الفلسطينيين يسقط خلاله بعض أبناء الجنوب ضحايا الرصاص الطائش!
والمناقص يسائلهم، بل يستجوبهم ويكاد يقاضيهم ويدينهم، لأنهم “جابوا الدب على كرمهم”: ألم ترحبوا بالفدائيين؟ ألم تؤجروهم منازلكم؟ ألم تساعدوهم؟.. أليس هذا استفزازاً لإسرائيل وتحرشاً بها؟ أما شفتم من مات، قبلكم؟ بتستاهلوا!
كفرشوبا، الآن، عرض مسفوح على الرصيف، جرح بلا صاحب،
ولا مواطن يلوم الوطن،
ولا وطن يقاضي المقصر من مواطنيه،
و”اللاجئون” يقرعون أبواب السفارات العربية ليسمعوا ممن فيها كلاماً مشابهاً لذلك الذي يسمعه الشحاذ والمسكين وطالاب الصدقة!
ألا يشكل هذا الموقف، بكليته، تحريضاً للجنوبيين على النزوح، وبالتالي مساعدة ثمينة لقوات الاحتلال الإسرائيلية على تحقيق أهدافها المعلنة والمعروفة والمكشوفة والتي عددها الرئيس أنور السادات كما يلي: خلق جو فتنة بين اللبنانيين والفلسطينيين، إخراج الفدائيين، كشف الجبهة السورية، واستدراج مصر إلى المعركة في الموعد الذي يناسب العدو؟
ثم ماذا؟
البعض يرد بالفلسفة: تلك هي المسألة!
لكن الجواب الحقيقي هو في انبثاق الوطن، في استيلاده، في خلقه، في إيجاده…
فتحول لبنان إلى وطن ينهي عصراً كاملاً من الانهزام المحلي والعربي، الماضي والحاضر والمستمر… مهما كسبنا من جولات في صراعنا مع العدو الصهيوني.
كفرشوبا، الآن، عرض مسفوح على الرصيف، جرح بلا صاحب…
الوطن وحده الصاحب…
لهذا لا يتعرف عليها لبنان الكيان، ولا الكيانات العربية الأخرى،
ولهذا تكتسب مهمة كفرشوبا بعداً عربياً ثورياً،
… إلا إذا نجحوا في إيوائها كلقيط، بانتظار الكفرشوبات الأخرى!

Exit mobile version